بينما اشتهر شهر رمضان بأنه فرصة لاستعادة "لمة العيلة" وزيادة الترابط بين أفراد الأسرة الذين تجمعهم مائدة إفطار واحدة على عكس باقى شهور وأيام السنة، أسفرت هذه "اللمة" على مائدة واحدة فى الإسماعيلية عن جريمة مفزعة تدق ناقوس الخطر بشأن ما وصلت إليه الأسر المصرية من ضياع وتفكك، حيث استغلت طفلة فى الصف الأول الإعدادى هذه الفرصة واجتماع جميع أفراد الأسرة على مائدة واحدة، ودست السم لهم لتتخلص من جميع أفراد أسرتها الأربعة بتحريض من عشيقها البالغ من العمر 62 عامًا، وهو ما أسفر عن مقتل والدها.
ودائمًا ما يكون السؤال الأول الذى يخطر ببالنا حين نسمع أو نعايش جريمة كهذه هو ما وراء هذه الجريمة، وماذا يمكن أن يدفع طفلة فى مقتبل العمر إلى التورط بداية فى مثل هذه العلاقة ثم التورط فى هذه الجريمة.
وفى محاولة لتحليل الأسباب النفسية وراء هذه الجريمة يقول الدكتور "إبراهيم مجدى حسين" استشارى الطب النفسى لـ"انفراد": لأننا لا نملك المعلومات الكاملة عن الطفلة فإن كل ما نملكه هو التخمينات، ولكن من الواضح أن هناك خلل فى العلاقة بينها وبين والدها، فالرجل الذى تورطت معه سنه كبير ليس شابًا ليغريها وإنما عجوز فى سن والدها وهو ما يكشف عن افتقادها لعلاقة قوية مع والدها.
وما حكته الطفلة عن تخطيطها للجريمة ودس السم فى اللحم الذى تعده والدتها للإفطار يدل على أنها تعانى تبلد فى المشاعر، وينم أيضًا عن عنف شديد داخلها.
ويضيف: على الرغم من أن شخصيتها لم تتكون بعد، إلا أن هذه الجريمة البشعة دليل على أنها تعانى من اضطراب نفسى يسمى "اضطراب سوء السلوك" وهو اضطراب شائع بين الأطفال، وله مؤشرات كثيرة مثل سرقة الأهل أو الكذب المتكرر أو الهرب من المدرسة أو طلب الكثير من المال، وسب الأهل.
وكلها مؤشرات لا ينتبه الأهل إلى أنها علامات على اضطراب سوء السلوك ولا يتخيلوا أنها من الممكن أن تؤدى لجريمة بشعة كهذه، وتتعامل غالبية الأسر مع هذه المؤشرات باعتبارها تنم عن سوء خلق الطفل ولا يفكرون فى أنه أمر يحتاج علاج دوائى وسلوكى.
ويرى استشارى الطب النفسى ان الأسرة تعد شريكًا فى هذه الجريمة، فمن الواضح أنها أسرة مفككة وغالبًا علاقة الأب والأم لم تكن علاقة سوية أو لم تكن علاقة صحية.
ويتفق معه الدكتور "مينا جورج" رئيس قسم التأهيل النفسى بالعباسية الذى يقول لـ"انفراد": من الواضح أن البنت لديها مشكلة مع الأب فهى مفتقدة لاهتمامه أو عطفه وحنانه، وهو ما جعلها تقع بسهولة ضحية للعجوز المراهق الذى استغل طفولتها واحتياجها للاهتمام، وتمسكها الشديد به لدرجة ارتكاب هذه الجريمة كى لا تفقده فهو إما مؤشر على أنها ترى أنها وجدت لديه ما لم تجده لدى والدها وإما أنه كان يبتزها ويهددها بالفضيحة كى يدفعها لارتكاب هذه الجريمة.
وفى هذه الحالة لم تكن البنت لترتكب هذه الجريمة لو كان الأب محتضن لها لأنها كانت ستلجأ إليه هذا إن تورطت من الأساس فى العلاقة مع وجود علاقة قوية به.
يضيف: "هذه الجريمة باختصار تدق جرس إنذار يقول: هذا ما يحدث لو لم نكن أسرة جيدة ومترابطة، فبعيدًا عن الأب لو كانت علاقتها بالأم أو أحد الإخوات جيدة لما كانت سممتهم.
وتابع: يحدث أحيانًا أيضًا أن تتورط الفتيات فى مثل هذه العلاقات نتيجة تعرضها للتحرش الجنسى أو الاعتداء من قبل الأب أو أحد أفراد الأسرة فى الماضى.
أما الدكتور عبدالحميد زيد رئيس قسم الاجتماع بجامعة الفيوم فيرى أن هناك عدة أسباب رئيسية وراء هذه الجريمة البشعة، أولها الخلل فى بناء الأسرة مما يجعلها لا تقوم بدورها على أكمل وجه، فهناك قصور فى الأسرة التى سمحت بتردد هذا الشخص عليهم وغياب الانضباط فى الأسرة بدليل قدرة البنت على إقامة علاقة جنسية مع هذا الرجل.
ويضيف: الإطار القيمى للأسرة أيضًا غير منضبط وهو ما سبب وقوع الطفلة فى الخطيئة الأولى التى كانت سببًا فى الجريمة التالية لها، فخوفها وخوف الرجل أيضًا من انكشاف العلاقة غير الشرعية بينهما شكل ضغطًا عليهما ودفعهما إلى التخطيط للجريمة وتنفيذها خوفًا من افتضاح الأمر الذى قد يكلف الفتاة والرجل حياتهما بسبب العقاب المجتمعى.
ويرى أستاذ علم الاجتماع أيضًا أن البيئة المحيطة بالفتاة والرجل تؤثر بشكل كبير عليهما، بالإضافة إلى الدور السلبى لانفتاح الإعلام الذى يقدم نماذج كثيرة من السلوك المشين التى لا تتطابق مع القيم المصرية وتضعها فى إطار النماذج التى يتمناها الشباب.