8 سنوات تولى فيها الرئيس عبدالفتاح السيسى المسؤولية، لا يمكن النظر إليها بعيدا عما سبقها، من سنوات كبيسة، بدت مصر خلالها أمام تحديات داخلية وإقليمية ودولية، كان على الدولة أن تعبر الكثير من الفخاخ والألغام، فالدولة واجهت إرهابا أدى إلى تفكك دول وفقدان دول أخرى لتوازنها، وفى نفس الوقت واجهت وضعا اقتصاديا صعبا، واحتياطيا متآكلا واستثمارا هاربا وبنية أساسية شبه منهارة، وعشوائيات تحيط القاهرة وتحزم المحافظات، وفيروسات تأكل أكباد المصريين، كهرباء مقطوعة، أزمات فى الوقود والخبز، بنية أساسية متهالكة، بطالة، ومجتمع ينظر للمستقبل بخوف وتردد، وإقليميا دولة معزولة منكفئة على نفسها.
كان السؤال من أين يمكن التقاط نقطة البداية، إذا حاولت الدولة ترميم وإصلاح الاقتصاد فهى غير قادرة على مواجهة الأمراض أو حل أزمة الطرق والكهرباء المقطوعة، والصناعة والزراعة، وإذا انشغلت بإصلاح الداخل اقتصاديا واجتماعيا، لن يبقى لها وقت أو جهد لبناء قوتها العسكرية والسياسية والخارجية، أو تأثيرها الإقليمى، مع غياب القدرة الاقتصادية.
بدت المعادلة معقدة، وصعبة، يصعب فيها إرضاء الداخل والخارج، من هذه النقطة كانت 30 يونيو، وبناء الدولة، بخيار صعب لم يكن أكثر الناس تفاؤلا يحلم بأن تتغير صورة مصر من الارتباك إلى الاستقرار مع نظرة واعدة للمستقبل، تحمل طموحات ظلت مجرد أفكار وأحلام، تراوح مكانها.
اختارت مصر أن تحل المعادلة الصعبة، وعندما تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى المسؤولية قبل 8 سنوات، لم يقدم وعودا بالرخاء والراحة، وقدم تشخيصا أمينا للوضع داخليا وخارجيا، بدا وقتها صادما ومثيرا للقلق، لكنه أرفق حديثه دائما بأنه يتحمل المسؤولية ويثق فى قدرة الشعب على التحمل والصبر، بدت رؤية الرئيس السيسى صادمة لكثيرين، درس كل الملفات بتفاصيلها الصغيرة والكبيرة وأعد الخطة مستندا للشعب، لم يلتفت لتحذيرات من تراجع شعبيته، أو ضعف الإمكانات، ولم يلتفت لتحذيرات وشائعات وحملات دعاية مضادة، كان هدفها زرع الشك، ولسان حال المراقبين والمتابعين أن ما يقدمه الرئيس السيسى هو مجرد أحلام يقظة، «من أين يمكن أن تأتى التمويلات والأموال مع اقتصاد متهالك، وزيادة سكانية مضطردة تدفع بمليونى فم سنويا، وتطلب مليونى فرصة عمل ومكان فى المدارس والمستشفيات والنقل العام، وطرق تمهد للصناعة والزراعة.
راهن الرئيس على الشعب فى أخطر وأكبر عملية إصلاح اقتصادى، تعويم الجنيه، وإنهاء ازدواج سعر العملة، وتعديل سعر الوقود وإعادة هيكلة الدعم، مع علاج سريع للأعراض الجانبية، من خلال أوسع برامج للحماية الاجتماعية والتمويل المباشر، معاشات تكافل وكرامة، مع نقل سكان العشوائيات إلى مجتمعات حضارية تتضمن خدمات وملاعب ومستشفيات ومدارس مع مدن وإسكان اجتماعى، ومشروعات لإعادة بناء الطرق والبنية الأساسية ومدن حديثة، ومناطق صناعية.
أكد الرئيس السيسى دائما ثقته فى الشعب المصرى ومؤسسات الدولة، واجهت مصر الإرهاب والفقر والعشوائيات وانقطاع الخدمات الأساسية والعزلة الدولية، والبنية التحتية المتهالكة فى وقت واحد، لم يكن الهدف هو فقط إبقاء الدولة، لكن دفعها للأمام بقفزات، أقرب لمعجزة.
وقدم مبادرة القضاء على فيروس سى، والذى كان يأكل أكباد المصريين على مدى عقود، ومع ظهور الدواء تم التفاوض مع شركات الدواء للحصول على الدواء بسعر أقل عشرات المرات من سعره العالمى، مع إنتاجه محليا وتقديمه للمرضى بالمجان، وسجلت مصر بشهادة منظمة الصحة العالمية نجاحا فارقا، حيث تم علاج الملايين خلال ثلاث سنوات، وتم تطوير مبادرة القضاء على فيروس سى، بمبادرة 100 مليون صحة التى تم من خلالها إجراء تحاليل لـ70 مليون وأكثر، للكشف عن السكر والكوليسترول والأمراض السارية مع تقديم العلاج مع مبادرة الكشف المبكر عن سرطان الثدى، وإنهاء قوائم انتظار العمليات الكبرى، حيث تم إجراء 1.3 مليون عملية كبرى بقوائم الانتظار، خلال فترة قصيرة بعد المبادرة، والعملية الواحدة تتكلف ما بين 100 إلى 400 ألف جنيه، وهذه المبادرات تمثل حلا عاجلا لحين تطبيق التأمين الصحى الشامل، خلال سنوات.
مبادرة موازية للتخلص من العشوائيات، ونقل سكانها إلى مجتمعات صحية وإنسانية، وكلاهما - العشوائيات وفيروس سى - كانتا ضمن توقعات الخبراء مشكلات مزمنة تتطلب نصف قرن، وتم البدء فى مشروع المليون ونصف المليون فدان لإضافة ما يساوى ربع مساحة الأرض الزراعية، ومناطق صناعية وكبارى وتنمية فى الصعيد وبحرى، وأخيرا مبادرة حياة كريمة التى تعيد صياغة حياة أكثر من نصف سكان مصر فى الريف والقرى والتوابع، بعد عقود من الإهمال، ضمن عقد اجتماعى جديد.
خلال 8 سنوات واجهت مصر إرهابا دمر دولا، وأعادت بناء نفوذها الإقليمى، بشكل جعل الدولة رقما فى معادلة التأثير الإقليمى، ونجحت فى مواجهة أزمة جائحة كورونا التى أصابت العالم واقتصاده بالشلل، وصمدت الدولة أيضا مع أزمة عالمية أخرى.
واليوم تتجه الدولة إلى مرحلة جديدة، تتسع لمزيد من المشاركة، للقطاع الخاص فى الاقتصاد، والمجال العام فى حوار ينظر للمستقبل بثقة، وسط عالم لا يتوقف عن الصراع والتفاعل.