كانت الساعة السابعة مساء 11 يونيو، 1967 حين استقبل الرئيس جمال عبدالناصر، الفريق أول محمد فوزى، كان اللقاء بعد خمس ساعات من قرار عبد الناصر، بتعيين «فوزى» قائدا عاما للقوات المسلحة، حسبما يذكر «فوزى» فى مذكراته «حرب الثلاث سنوات 1967 - 1970»، مضيفا، أن الرئيس سأله عن مدى تحمله لمثل هذه المسؤولية الآن بعد الهزيمة من إسرائيل يوم 5 يونيو 1967، فأجاب «فوزى» بموافقته على تحمل هذه المسؤولية، فأخطره الرئيس بأن هذه أول قرار يصدره، بعد عودته من التنحى يوم 10 يونيو، وأنه سيعلن فى الإذاعة الساعة الثانية والنصف بعد ظهر اليوم ذاته.
يذكر «فوزى»، أن لقاء الساعة السابعة كان الأول على انفراد مع الرئيس، وتناول قضية إعادة بناء القوات المسلحة على أسس جديدة، وأن الرئيس سأله عمن يرشحه ليكون رئيسا للأركان، فذكر «فوزى» اسم الفريق عبدالمنعم رياض بدون تردد، أو انتظار فى التفكير، يتذكر «فوزى»: «اندهش الرئيس من سرعة الرد، واستفسر عن علاقتى به وصفاته، ثم وافق على تعيينه طالبا منى استدعاءه فورا من عمان، حيث كان يشغل منصب قائد مركز متقدم لنائب القائد الأعلى فى عمان ابتداء من يوم 2 يونيو 1967، لكن لماذا تلاقت رغبة عبدالناصر وفوزى فى هذا الاختيار؟
كان «رياض» يبلغ من العمر - وقتئذ - سبعة وأربعين عاما وشهورا قليلة «مواليد 22 أكتوبر 1919»، وهو وفقا للكاتب الصحفى محمود عوض فى كتابه «انفراد.. الحرب المستحيلة - حرب الاستنزاف»: «كان عاشقا للعسكرية المصرية، مؤمنا بأنه لاحياة لمصر بغير جيش قوى يحميها، والجيش القوى الذى يستعد لحرب قادمة وليس لحرب سابقة، يعنى التبحر فى العلم العسكرى، فى المعرفة، فى المزيد من المعرفة، يعنى أن يطلب قائد من جنوده بقدر ما يعطيه لهم، يعنى أن يصبح القائد قدوة بسلوكه وليس بكلماته، يعنى أن نتعلم دائما حتى من العدو».
يضرب «عوض» مثلا على شغف «رياض» بالمعرفة، قائلا : «تخصص فى الدفاع الجوى، وفى إحدى المرات عاد العقيد محمد على فهمى - أصبح مشيرا فيما بعد ورئيسا لأركان الحرب - من بعثة تدريبية فاتصل به اللواء - وقتها - عبدالمنعم رياض، يسأله: عندك وقت أشوفك لأعرف منك الجديد الذى خرجت به؟ رد عليه «فهمى» بود ومحبة: دقائق سيادة اللواء، وأكون فى مكتبك، لكن عبدالمنعم رياض قاطعه قائلا: أنا الذى سأجىء إليك يا أخى فى مكتبك لأتعلم، فالمعرفة ليس فيها عقيد ولواء، فيها معلم ومتعلم وأنا يا محمد أريد أن أتعلم».
هذا التفوق، وتلك الجدية فى طلب العلم عند رياض، تشهد به سجلات الكلية الحربية التى تخرج فيها فى 21 فبراير 1938، وكان ترتيبه أول الدفعة، وفقا لـ عبدالتواب عبدالحى، فى كتابه «نسر مصر عبد المنعم رياض - حيا وشهيدا»، يذكر: «كان أول تقرير عنه حفظ فى ملف خدمته، تقرير من الأميرالاى محمد فتوح بك - باشا فيما بعد - كبير المعلمين بالكلية الحربية يقول عنه: «طالب جيد جدا من كل الوجوه، دائما يبذل كل جهده ويمكن باطمئنان الاعتماد عليه»، فى 23 ديسمبر 1944 حصل من كلية أركان الحرب على درجة الماجستير فى العلوم العسكرية، بترتيب أول الدفعة، وفى تقرير الكلية عنه: «يوصى به كضابط أركان حرب، مجد جدا، ذو غيرة، وشخصية قوية، يعمل باقتدار، ويتمتع بروح الابتكار، نشط، يدرس كثيرا، ويبحث بطريقة منهجية عن الحقائق العلمية المجردة، له أفكاره الخاصة، وعنده الشجاعة الكافية لإبداء رأيه دائما».
كان «يستجيب لأشواقه إلى المعرفة»، بتعبير عبدالتواب عبدالحى، مضيفا: «هو يعرف الإنجليزية فقط، ولدرجة الإجادة حتى سنة 1951، وسنة 1952 يجيد الفرنسية على يد مدرس خاص، والألمانية سنة 1953، وفى 1954 يتعلم الروسية على يد مدرس روسى أبيض اسمه «زانكوفيتش» فى ضاحية مصر الجديدة»، يتوقف الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، أمام سمات شخصية عديدة لـ«رياض» أهمها «تقديره للعلم فى أى معركة»، يذكر فى مقاله «الجنود القدامى لا يموتون» المنشور بالأهرام «14 مارس 1969 بعد استشهاد رياض بخمسة أيام» 9 مارس 1969»: «من المؤكد أن عبدالمنعم رياض ظل إلى آخر يوم فى حياته طالب علم، وذلك أعظم ما يمكن أن يكونه أى إنسان مهما علا قدره وارتفع مقامه، وربما ساعده على حسن تقديره لأهمية العلم فى المعركة، أنه كان بحكم عمله فى المدفعية المضادة للطائرات، على اتصال مباشر بتطورات علمية واسعة الأثر، فالمدفعية المضادة للطائرات أصبحت تعتمد على الصواريخ، والتعامل بالصواريخ فى حد ذاته مقدرة على الانطلاق إلى بعيد، كذلك فإن تعدد مصادر دراساته فى بريطانيا والاتحاد السوفيتى، واستعداده لأكثر من لغة، الإنجليزية والفرنسية والروسية كلها بطلاقة، إلى جانب العربية بالطبع، أتاح له فرصة رحبة غير مقيدة».