يكشف موسم رمضان الحالى عددًا من الظواهر التى تستحق التوقف عندها خصوصا مع اقتراب نهاية السباق الرمضانى وتصدر أعمال محددة نسب المشاهدة، واستطلاعات الآراء واكتساح بعض الأعمال وتحقيقها لنجاحات كبيرة، أهم ما تشهده دراما رمضان 2016 هو حالة التفاوت الكبير بين أعمال يراها «جمهور السوشيال ميديا والنقاد» ويحتفون بها من نوعية أفراح القبة وجراند أوتيل، وهى المسلسلات التى تحفل بالعناصر الفنية اللافتة وتعيد القيم الجمالية التى تفتقدها شرائح كثيرة وتتباكى عليها، أو «القيصر» الذى يستهدف شرائح عمرية معينة حيث أن أغلب جمهور يوسف الشريف من الشباب والمراهقين والذين اعتادوا منه على تيمات معينة يقدمها على مدار السنوات الماضية، وكبروا معه وأصبحوا ينتظرون أعماله.
جمهور المقاهى والأماكن الشعبية له رأى آخر تماما حيث أن هناك عددا من الأعمال ذات الجماهيرية بل أن بعضها يحفل بالكثير من القيم السلبية، والتيمات المكررة إلا إنها تلاقى نجاحا شعبيا كاسحا مثل الأسطورة للنجم محمد رمضان أو الخانكة لغادة عبدالرازق، الذى يناقش قضايا ساخنة مثل التحرش، وأيضا كيف تتحول المرأة لضحية وتحاول أن تأخذ حقها بيدها أيضا، وذلك فى ظل تعدد منصات العرض حيث لم يعد التليفزيون أو الشاشات هو منفذ العرض الوحيد فى ظل التطور المذهل فى الديجتال ميديا، التى أصبح من السهل أن نقيس بها نسب المشاهدة على وجه الدقة، حتى بالواحد الصحيح والديجتال ومنصات العرض الأخرى لم تعد تقتصر على اليوتيوب فقط حيث أصبح لكل قناة أو شبكة تليفزيونية منصة العرض الرقمى الخاص بها، ليس ذلك فقط بل أصبحت هناك مواقع أكثر تطورا مثل «جوجل انالاكس» الذى يوضح كم شخص شاهد الحلقة، وكم شخص آخر لم يستطع أن يستكملها، ولا أعرف إذا كان القائمين على صناعة الدراما يدركون هذا الأمر، وكيف يتعاملون معه حيث سيكون من الطبيعى أن يكون لكل منصة من منصات العرض هذه نجومها، وهو ما تؤكده المؤشرات الحالية يوسف الشريف هو نجم الديجتال ميديا فى حين أن رمضان هو نجم المقاهى والمناطق الشعبية، أما عمرو سعد فنجح إلى حد كبير فى أن يجمع بين شرائح متباينة من مشاهدى منصات العرض المختلفة بمسلسله المتميز «يونس ولد فضة».
رمضان الأسطورة الشعبية على المقاهى
لا يستطيع أحد أن ينكر حجم شعبيه محمد رمضان عند فئات وشرائح اجتماعية عريضة، خصوصا أنه دائما ما يقدم التوليفة التى تدعم هذا النجاح ولم يخرج عن إطارها فهو دائما البطل المقهور والمغلوب على أمره الذى تضطره الظروف إلى فكرة «خد حقك بإيدك».
وعادة ما يبدأ رحلة صعود من القاع ويصل إلى القمة ثم ينهار عالمه هذه التوليفة تلقى صدى كبيرا عند كل من يشعر بالظلم أو الغبن اجتماعيا وأيضا من يقع تحت أى ظرف قاهر له علاقة بالمستوى الاجتماعى أو الأوضاع السياسية وغياب العدالة الاجتماعية رمضان فى الأسطورة لم يقدم جديدا بل أن المسلسل عبارة عن «كولاج» من كل أعماله السابقة سواء فى التليفزيون أو السينما، ولا أعرف هل يستطيع رمضان الخروج من عباءة هذه الأدوار ويجازف ويقدم شيئا يفاجئ به الجمهور؟ أم أنه سيظل أسيرا لتلك النوعية التى يتحقق من خلالها وتشبع نجاحه وإحساسه بأنه النجم الشعبى الأول والأوحد؟ ورمضان ليس الوحيد الذى وقع أسيرا لتلك الحالة فهناك العديد من النجوم الذين لم يستطيعوا التمرد عليها وظلوا سنوات يقدمون «كراكتر» واحد منهم - «محمد سعد، وأحمد مكى» - يضمن لهم النجاح رغم تراجع معدلات هذا النجاح عاما بعد آخر، ولنا مثلا فى النجم الراحل الكبير فريد شوقى أسوة الذى ظل «نجم الترسو» والبطل الشعبى لسنوات ولكنه أدرك أن عليه أن يتوقف عند لحظات معينة ويخرج من هذه العباءة ويقدم أدوارا متنوعة شكلت له رصيدا مختلفا ومتميزا فى مسيرته الفنية.
وإذا كان رمضان يملك كل هذه الشعبية والنجاح والمتمثل فى تماهى الجمهور مع اللحظات الدرامية فى حياة البطل سواء السعيدة أو الحزينة أو التحولات الدرامية الحادة، حيث يصفقون له ويبكون معه، بل أن البعض يقلده فى «مشيته واللوك الخاص به ويطبعون صوره على «التى شيرتات» ولكن الذى يجب أن يدركه رمضان أن هذه الظواهر قد تكون مؤقتة، وأن هناك نجاحا يشبه الموجات العالية، التى تصل أقصى مدى لها ثم تتضاءل «لا أحد فينا ينسى نجاح جمال سليمان المباغت والمفاجئ فى حدائق الشيطان وعندما كانت هناك جلابيب تباع تحت اسم جلابية مندور أبو الدهب وعباءته» وإذا كان رمضان قد اختار اللعب فى المضمون إلا أن هناك عددا من النجوم الذين فاجأوا جمهورهم، بأدوار جديدة ومختلفة حققت لهم نجاحا من الصعب الاختلاف عليه أو الشعور بتفاوت هائل فى حجم تقديره سواء من النقاد أو الجمهور ويأتى على رأسهم عمرو سعد.
عمرو سعد يونس الدراما الصعيدية
فى كل أدواره يخطو النجم «عمرو سعد» بثقة محاولا أن يقدم أدوارا تراكم وجوده الفنى إلا أنه فى «يونس ولد فضة» للمخرج أحمد شفيق والكاتب عبدالرحيم كمال قفز بقوة نحو النجاح الراسخ فى الوجدان والأذهان مقدما واحدا من أجمل أدواره على الإطلاق حتى هذه اللحظة «يونس» تلك الشخصية الدرامية التى صاغها عبدالرحيم كمال بتميز وتفرد تملك ملامح أبطال الأساطير الشعبية، ذلك الوجه المنحوت والروح المتمردة الباحثة عن التحقق سواء كان هذا التحقق فى الإصرار على «لم شلم» أسرته الصغيرة الذين فرقتهم الظروف القدرية أو فى الحب، يونس أو الطفل إبراهيم الذى اضطر للهرب بعد أن قتل عمدة بلده بالخطأ، حيث كان يحاول قتل ابن العمدة الذى تحرش بشقيقته، هرب إبراهيم من الخوف وتعب من الجرى ووجد ملجأه فى منزل «فضة تلك المرأة المقهورة اجتماعيا التى تزوجها أحد وجهاء الصعيد، عبدالعزيز مخيون، كزوجة ثانية ولم يعاملها على قدر حبها له، وأهمل ابنهما يونس الذى توفى، ووجدت فضة التى قتلت زوجها ضالتها فى إبراهيم الطفل الهارب، الذى أطلقت عليه يونس وأخذته وذهبت إلى قرية زوجها ليحصل على نصيبه فى الميراث، ويكبر يونس ولد فضة كما يطلق عليه أعمامه، الذين يرفضونه وسط عالم صنعته فضة وتحاول الحفاظ عليه بكل ما أوتيت من قوة، وعالم موازٍ محمل بالكره من أعمامه وعدد كبير من أبناء عمومته، يونس الذى يدرك ذلك تماما يملك شخصية شديدة الصلابة تبدو صخرية تماما مثل الطبيعة وحياته القاحلة، إلا إنه بداخله يملك قلبا محملا بالحب علاقته بشبل وشقيقاته من زوجة أبيه المفترض علاقته المميزة بإبراهيم والده الصغير تقديره لزوجته رضوى عاشق روحه حائره ويبحث عن الحب الذى لا يجده إلا مع صفا، تجسدها ريهام حجاج، ابنة عمه، تلك هى مفاتيح شخصية يونس التى لعب عليها ببراعة عمرو سعد، الذى يتلون أداؤه من مشهد إلى مشهد ويتطور طبقا للحالة الدرامية فهو فى العمل ووسط الصراعات صاحب تلك النظرة الحادة والمشية الواثقة ونبرة الصوت الحاسمة ومع شبل شقيقه الكفيف يتحول إلى طفل يستعيد ما فاته معه، ويكون كلامه معه صافيا مرسلا وعلى وجهه نظرة شديدة الهدوء، أما مع صفا فهو العاشق المتيم الذى لا تستريح روحه إلا بجوارها وعندما تلتقى عيناه بعيناها، مشاهد لهفته عليها فى المستشفى وبعد أن تعرضت لانهيار عصبى، مشهد خروجها من المستشفى وكيف كان يسير بسيارته بموازاة سيارة والدها أو يسبقها، أما مع فضة فالانفعالات تتنوع ما بين الانصياع فى لحظات أو التمرد عليها فى لحظات أخرى والندية مع تطور الأحداث وشعور فضة أن يونس أصبح خارج عن سيطرتها، مشهد المواجهة بينهما عندما كانت تطالبه بترك صفا والابتعاد عنها، وأهم ما يميز شخصية يونس هى تلك «اللزمة» التى لا تفارقه فى كل انفعالاته أو المواقف الدرامية سواء الحادة منها أو الناعمة عندما ينهى كلامه بجملة أو قول مأثور لأحد كبار الشعراء أو المفكرين لذلك وهى «اللزمة» التى أضفت على الشخصية روحا مختلفة وأعطتها لمحة كوميدية، رغم بعدها الأسطورى، الشعبى، وسواء كانت من صنع عمرو نفسه أو الكاتب كمال عبدالرحيم فإنها موفقة ومميزة جدا.
شخصية يونس التى قدمها الموهوب عمرو سعد، ستظل واحدة من أجمل وأهم الشخصيات الصعيدية فى الدراما المصرية وفى ظنى أنها ستوضع بجوار شخصيات رفيع بيه ورحيم، لتكون واحدة من الشخصيات الصعيدية الأثيرة والراسخة فى الوجدان تحديدا عند الجيل الحالى الذى لم يعرف مثلا شخصيات درامية صعيدية مكتوبة بوعى وحرفية لذلك لا تزال تعيش بيننا، ولكن يونس سيكون هو النموذج المتطور للشخصية الصعيدية الذى يتعامل مع كل وسائل التكنولوجيا الحديثة، بعيدا عن تقليدية تلك الشخصية «والاستريو تايب» المرتبط بها لسنوات وهو ما نجح عبدالرحيم كمال وعمرو سعد فى تغييره.