لا حديث للناس خلال هذه الأيام سوى عن محاولات الخطف المختلفة التى تتم فى الشوارع ووسائل المواصلات عن طريق "شكة دبوس" أو حقنة تترك أثر على يد أو جسد الضحايا فى محاولات لخطفهم، وانتشرت خلال الساعات الأخيرة عدد من الرسائل الصوتية على الجروبات المختلفة يحذر أصحابها من تعرض ذويهم لمحاولات خطف، وتؤكد بعض هذه الرسائل أن هذه المحاولات لم تعد قاصرة على الفتيات فقط بل يتعرض لها الجميع وأن هناك شاباً من الضحايا عثر عليه مقتولاً وقد انتزعت أعضائه بالكامل!!
ولم تقتصر التحذيرات على الرسائل الصوتية التى لا تتجاوز 3 رسائل يتم نشرها بشكل مكثف على وسائل التواصل الاجتماعى، وفى كل جروبات الواتس اب ، بل تعددت المنشورات على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك، والتى ينشر أصحابها صوراً لأياد بها أثر وخز يدعى أصحابها تعرضهم لمحاولات خطف ونجاتهم منها وذلك بسيناريوهات مختلفة، منها أن سيدة وخزت فتاة ولكن الفتاة انتبهت وصرخت فهربت السيدة وبعدها أغمى على الفتاة ، أو أن المحيطين بالفتاة انتبهوا ومنعوا الخاطفين من اصطحاب الفتاة المخدرة، بل واتسعت هذه التحذيرات لتتحدث عن محاولات خطف لعائلات بأكملها أثناء تنقلهم بوسائل المواصلات المختلفة، وتعددت سيناريوهات كيفية نجاة الضحايا الذين أرادوا أن يستفيد غيرهم بما حدث لهم، وأن يحذروا الناس من هذه المحاولات التى أصبحت وكأنها تحدث ليل نهار فى الشوارع ووسائل المواصلات المختلفة.
وقد تسببت هذه الرسائل فى حالة من الفزع والرعب لدى الكثيرين الذين شعروا بالقلق على أنفسهم وأبنائهم من هذه المحاولات.
وخلال الساعات الماضية وصلتنى العديد من هذه الرسائل التى يبدو أن هناك حملة منظمة لنشرها بشكل مكثف على كل وسائل التواصل الاجتماعى وبالتأكيد وصل للكثيرين مثلها.
ولكى نعرف حقيقة هذه الرسائل ومدى صدق هذه السيناريوهات لا نحتاج سوى أن نفكر بهدوء وأن نستعين بالآراء الطبية حول هذه الشكة السحرية، وأن نطرح بعض الأسئلة المنطقية لكى نصل إلى الحقيقة.
فإذا عدنا للوراء سنجد أنها ليست المرة الأولى التى تثار فيها مثل هذه السيناريوهات المنتشرة حول محاولات الخطف بالتخدير، فهذه السيناريوهات تتطابق بشكل كبير مع ما ينتشر بين حين وأخر حول محاولات الخطف، ومنها سيناريو متطابق انتشر عام 2017 حول تعرض بعض الفتيات لحوادث سرقة وخطف استخدم فيها الجناة زجاجات رش تحتوى على مخدر، أو بوضع أنواع من المخدر على ملابس الفتيات، وبمجرد استنشاقها تفقد الفتاة الوعى.
فما مدى حقيقة وجود مثل هذا المخدر الذى يمكن أن يتسبب فى غياب الضحية عن الوعى بمجرد شكة دبوس أو من خلال رش مادة بمجرد استنشاقها يغيب الإنسان عن الوعى؟
والفيصل هنا هو الرأى الطبى والعلمى حيث أكد الدكتور جمال شعبان عميد معهد القلب السابق فى تصريحات له حول هذه السيناريوهات استحالة أن تؤدى شكة دبوس إلى تخدير كلي، مشدداً على أن التخدير يحتاج حقن في الوريد بجرعات معينة وليس بالبساطة ولا السهولة التى تشير إليها هذه الشائعات المنتشرة.
فيما أكد عدد من أساتذة التخدير أن التخدير بالحقن يجب أن يكون فى الوريد ولا يمكن وخز الضحايا في الطريق العام أو وسائل المواصلات وهم يرتدون ملابسهم كاملة حتي وإن كان الخاطف محترفاً لأن الضحية تحتاج أكثر من 10 سم من المادة الوريدية التخديرية كي تفقد الوعى، ولو كان هناك مادة يمكن أن تؤدى للتخدير بهذه السهولة التى تتناولها هذه الشائعات كان الأولى أن يستخدمها الأطباء فى تخدير المرضى.
كما أكد الأطباء أنه لا يوجد أى نوع من المخدر يمكن استخدامه من خلال منديل أو بالرش المباشر ليؤدى إلى تخدير الضحايا وغيابهم عن الوعى، مؤكدين أن التخدير عن طريق الاستنشاق يحتاج إلى أجهزة كبيرة، لأن المواد التى تخدر عن طريق الاستنشاق تحتاج كى تتحول إلى بخار أن تكون موجودة بأسطوانات وتمر على دورة تبخير معقدة.
وإذا كان هذا هو الرأى الطبى فيما يتم تداوله من سيناريوهات مختلفة حول طرق التخدير المزعومة لتخدير الضحايا وخطفهم، فإن هناك العديد من الأسئلة المنطقية التى لا تجد إجابات وتمثل غموضاً حول هذه القصص، فإذا كان كل هذا العدد من المنشورات المتداولة قد تعرض أصحابها لمحاولات خطف بشكة الدبوس المزعومة ونجوا ، فلماذا لم يتقدم أى منهم ببلاغات رسمية حول ما تعرضوا له حتى يتم الإمساك بالجناة، خاصة أن العديد من السيناريوهات المذكورة أكدت أن بعض المارة أو ركاب وسائل المواصلات التى وقعت فيها هذه الأحداث أمسكوا بالجناة؟!!
ولماذا لا يعلن هؤلاء الضحايا عن أنفسهم بشكل حقيقى بدلاً من نشر هذه المنشورات فى الواقع الافتراضي، خاصة وأنه ثبت كذب العديد من هذه المنشورات، ومنها ما نشرته إحدى السيدات على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وعلى جروبات أعضاء نادى الزمالك المختلفة مدعية أنها عضوة بالنادى وأنها تعرضت وأطفالها لمحاولة خطف بالوخز أثناء خروجها من النادى، وهو ما ثبت كذبه وتبين أن هذه السيدة ليس لها وجود وليست عضوة بالنادى.
كما تبين أن العديد من البلاغات التى قدمها البعض أو أثاروها على مواقع التواصل الاجتماعى والخاصة باختفاء فتيات بشكل مفاجئ، انتهت إلى العثور على هؤلاء الفتيات اللاتى تركن المنزل لأسباب اجتماعية لا علاقة لها بالخطف ولا بشكة الدبوس.
وأخيرا علينا أن نسأل أنفسنا من صاحب المصلحة فى إثارة مثل هذه الشائعات ونشر الرعب بين الناس بقصص وسيناريوهات تفتقد إلى المنطق والعقل؟