بسلاسة وهدوء وبلا ضجيج أو استعراض يحقق الفنان أحمد مكى الذى يحتفل بعيد ميلاده اليوم مزيدًا من النجاح والتألق ومزيدًا من الشعبية والتغلغل فى أعماق المجتمع وقلوب الجماهيير مع كل عمل يقدمه.
ينتظر الجمهور دائمًا كل جديد يقدمه مكى بعد رصيد الثقة والمحبة والمتعة التى اعتادها من هذا الفنان العبقرى متعدد المواهب الذى أحب جمهوره واحترمه فبادله الجمهور بأضعاف هذه المحبة والاحترام.
مكى المولود فى وهران بالجزائر عام 1978 لأب جزائرى وأم مصرية والذى انتقل مع والدته للإقامة بمنطقة الطالبية بمصر بعد انفصال والديه، فغاص فى أعماق المجتمع المصرى والمناطق الشعبية وأخلاق أولاد البلد، وعشق الفن منذ طفولته وتعددت مواهبه بين الغناء والتمثيل والإخراج والكتابة.
حقق مكى العديد من النجاحات التى بدأت بعد تخرجه من معهد السينما مباشرة، حيث أخرج عددًا من الأفلام القصيرة من بينها (يابانى أصلي) و(الحاسة السابعة)، وحاز عنها عددًا من الجوائز، وتحول فيلمه الحاسة السابعة إلى فيلم سينمائى قام ببطولته أحمد الفيشاوى وأخرجه مكى، الذى بدأ طريق التمثيل بأدوار صغيرة فى عدد من الأفلام، واشتهر بشخصية "هيثم دبور" التى قدمها فى مسلسل "تامر وشوقية" وفيلم مرجان أحمد مرجان مع الفنان عادل إمام ثم فيلم إتش دبور.
هضم ابن حى الطالبية كل تفاصيل حياة أولاد البلد ومعاناتهم ومشاكلهم وترجم كل هذه التفاصيل فى فن يحمل ثقافة وأخلاق وتدين ومبادئ وعادات طيبة كادت تتلاشى، دون أن يعيش دور الواعظ، عاش كل هذه التفاصيل، وخلق من تجاربه الشخصية فنا يعبر عن الملايين.
أدرك مكى واستوعب حب الشباب لأغانى الراب الذى أكد أن "أصله عربى" وهكذا كان اسم أحد ألبوماته وقام بتأليف وإخراج أغلب أغانيه.
قدم مكى حكايات البشر من خلال هذه الأغانى، ولم يترك مجالا إلا وغنى له وعنه حتى السياسة، فغنى عن حال العرب، وتحدث عن الحارة المصرية، وأولاد البلد، وناصية زمان وأسواق القلعة والحمام والجمعة، وعمالة الأطفال الذين تضطرهم الظروف لإعالة أسرهم، وكانت منطقته الشعبية "الطالبية" التى يعتز بها ويعلن انتماءه لها فى الخلفية أو المقدمة دائمًا، عبر عن ولاد الحتة واللغة الخاصة بينهم، وكيف كان أخذ الحق حرفة، غنى للمطواة وحلة المحشى، ووصف حال الشباب من البطالة والإحباط إلى الإدمان، كما عبر عن هموم وأوجاع الشقيانين، وتأرجحهم بين اليأس والأمل، غنى للأم المعيلة التى تخلى عنها زوجها فعاشت لأبنائها، وعبر عن مشاعر الأباء نحو أبنائهم فى أغنية "أغلى من الياقوت"، وببساطة ودون تعقيدات وتنظير عبر عن علاقة الإنسان بربه فى أغنية"طرقت بابك يالله"، عندما يصل إلى أقصى درجات اليأس قائلا: "ربك عظيم روحله خطوة هيجيلك خطوتين خلق مفهوم الرحمة واسمه رحمن رحيم"، واسترجع فى كل كلمات أغانيه التى كتبها جزءا من ذاكرته وذكرياته وتجاربه الشخصية، فصدقه كل من سمع هذه الأغانى.
استطاع مكى أن يحقق المعادلة الصعبة فغاص فى أعماق المجتمع وشوارعه وحواريه ومشاكل أبنائه واستخرج فنا من لؤلؤ وياقوت، يحكى حدوتة بشر ويقدم نماذج وقصص وحكايات واقعية من لحم ودم.
لم يقع مكى فيما وقع فيه غيره ممن يدعون أنهم يعبرون عن المجتمع وينقلون صورته ومشاكله وهم يبررون ما يقذفونه فى وجوهنا من إسفاف وانحطاط، استطاع أن يجعل كل من يرى ويسمع أغانيه يشعر بأنه يرى نفسه أو أحد المقربين له.
وعلى مستوى التمثيل أراد مكى بذكائه ألا ينحصر فى شخصية واحدة، فأظهر قدراته على التنوع فى أداء شخصيات عديدة، فى فيلم طير أنت، ولا تراجع ولا استسلام، ومسلسل الكبير الذى قام بتأليف أجزائه المتعددة، وحقق من خلاله مزيداً من النجاح وأصبح المسلسل أحد أيقونات شهر رمضان وعاشت شخصيات الكبير وجونى وحزلقوم فى كل بيت يتناقل الناس كلامهم وإيفيهاتهم ويتحدثون بطريقتهم، وقدم مكى فى هذا المسلسل مواهب ونجوم جديدة منحهم مساحة للتألق والنجومية ومنهم الفنانة رحمة أحمد التى قدمت شخصية مربوحة هذا العام وحققت نجاحاً كبيراً.
وأثبت مكى أنه متعدد الوجوه ولا يمكن حصره فى شخصية واحدة أو فى الأعمال الكوميدية فقط، وهو ما أكده بجدارة فى دوره بمسلسل الاختيار، الذى أبدع وتميز فيه ليؤكد أنه لا يزال لديه الكثير مما يمكن أن يقدمه من أعمال وإبداعات.
هكذا يصنع الموهوب أحمد مكى من فنه حالة خاصة لا تشبه أحداً ينسجه بحكايات البشر وتجاربهم ولغتهم ، يبدع ببساطة ودون ضجيج أو غرور أو إسفاف، فيصل إلى القلوب والعقول لأنه فن من لحم ودم ومشاعر صادقة تميز به مكى عن كل أبناء جيله.