اعتدنا فى صناعة الصحافة أن «الشطارة» لا تتمثل فى تغطية الحدث، إنما فى صناعته والانفراد به ومتابعة تطوراته، هذا هو ما يميزك عن غيرك ويجعلك دومًا قادرًا على طرح الأسئلة التى تشكل إجابتها حدثا مهما، وعلى اختيار ضيف لحوار تصنع منه حديثًا على ألسنة الناس، تلك الصناعة التى كانت حلالها بيّن وحرامها بيّن، وما بينهما من متشابهات واضحة.
اليوم، ولن أخفى عليك «حقيقة» يعيشها الجميع، اختلط الحلال بالحرام بما بينهما من متشابهات، وضاعت بيننا البوصلة التى كنا نسترشد بها، ورفع الجميع شعارًا واحدًا، وهو «لا صوت يعلو فوق صوت التريند»، فتحول الصحفيون «من صناع إلى مستهلكين» يلهثون وراء السوشيال ميديا، ورغم كراهيتى الشديدة لكل وسائل التواصل الاجتماعى وقناعتى أنها أخرجت أسوأ ما فينا، وهذا ليس عيبًا فيها وإنما فى استخدامنا لها، إلا أننى لا يمكننى إلقاء اللوم عليها أو على التريند، فقط ألوم نفسى وغيرى لتخلينا عن كل ما تربينا عليه وتعلمناه من مبادئ مهنية وقبلها مبادئ إنسانية.
«وحل التريند» دفعنا لتناول قصص لم يمكن تناولها، وحتى تلك القصص التى يمكن تناولها صرنا نتناولها بطرق مبتذلة، لم تعد الصحافة تعالج القصص كما كان فى الماضى بل صرنا نشوهها، ترتكب الجرائم يوميا فى حق نماذج إنسانية عادية بعيدة عن الحدث، نغوص فى تفاصيل حياتها اليومية، ننتهك خصوصيتها، نساعدها باسم الدعم وفى الحقيقة نحن نشوهها باسم التريند، صرنا كمصاصى الدماء، نمتص دماء من يقع أمامنا فريسة لنرتوى باللايكات والشير وعدد المشاهدات، وفى الكواليس لا نهتم بمن ذبح ومن مات ومن شوه ومن أصابه مرض نفسى بسببنا، لا يهم ما دام عدد المشاهدات واللايكات فى زيادة.
الحقيقة أنا هنا أكتب لنفسى قبل غيرى.. يجب أن نقاوم قبل الغرق فى «وحل التريند»، وأذكر نفسى نفسى قبل غيرى، يجب الرجوع لما تربينا عليه من القيم الصحفية، وميثاق الشرف، ليس فقط حفاظًا على هذا الميثاق، وإنما سعيًا لميثاق إنسانى يحمينا من شرور السوشيال ميديا ونداهة «التريند».