بعد إعلان تشكيل مجلس أمناء الحوار الوطنى، تتأكد الخطوات المهمة تجاه إنجاح الحوار فى إعادة بناء العمل العام والتحاور حول الحاضر والمستقبل، ضمن عملية إدارة التنوع السياسى والمدنى فى المجتمع. التشكيل يضم 19 عضوا، يمثلون اتجاهات ومشارب متعددة ومتنوعة، يسارا ويمينا بجانب أسماء لها باع فى العمل الأهلى والحقوقى، سوف يساهم وجودهم فى تحقيق توازن فى التلقى والإرسال، خاصة أن من بينهم أسماء تحظى بثقة عامة، تساهم فى تقريب وجهات النظر، باعتبار الحوار فرصة لاستيعاب تفهم متبادل بين الآراء.
يضاف إلى ذلك ما حدث على مدى الأسابيع الماضية من خروج عدد من المحتجزين، بقرارات قانونية، أو عفو، كلها تصب لصالح مشاركة فعالة متنوعة لمختلف الرؤى الوطنية والخبرات الفنية والمهنية، بما يضمن توسيع مجالات التفاعل مع القضايا الوطنية، وهو ما يجعل الحوار بالنسبة للداعمين فرصة لتوسيع مجال النقاش والعمل العام، ونقلة من العالم الافتراضى للواقعى، ويتيح لمن يريدون الممارسة أن يشتبكوا مع الواقع ويسهموا فى العمل والمناقشة ضمن حوارات مجتمعية تتجاوز السياسة إلى أكثر القضايا المهمة التى تفرض نفسها على المجتمع بتياراته السياسية والأحزاب، وأيضًا المنظمات الأهلية التى تحمل الكثير من الأفكار التى تسهم فى توسيع المشاركة.
وبالنظر إلى المدة التى استغرقها الأمر منذ إطلاق الرئيس عبدالفتاح السيسى، مبادرة الدعوة إلى حوار واسع، خلال افتتاح مشروعات فى توشكى، ثم تأكيد الدعوة أثناء إفطار الأسرة المصرية، ثم ما تبعها من خطوات بإسناد تنظيم الحوار لإدارة «المؤتمر الوطنى للشباب»، ثم تشكيلات أسماء القائمين على تنظيم الحوار، الأطراف الجادة، بشكل يصنع حالة من الحيوية فى الإرسال والاستقبال بين الدولة والمجتمع، وبين الأطراف السياسية والأهلية بعضها البعض، انطلاقًا من إدراك الرئيس والدولة لمطالب كل مرحلة من مراحل التحرك للمستقبل.
الدولة أصبحت الآن فى موقف يسمح بالمزيد من إدارة التنوع سياسيًا ومجتمعيًا، ورسم تصور للعمل العام بأنواعه، خاصة أن بدء الحوار يأتى وسط الاحتفال بثورة 30 يونيو، ضمن عملية إعادة الاصطفاف، وفتح المجال والنظر للمستقبل، وفى هذا إجابة على الأسئلة التى طرحت منذ الدعوة للحوار، أو الآراء التى حاولت التشكيك فى جدية الدولة، وجاءت الخطوات العملية لترد وتؤكد الجدية والسير نحو الحوار.
ومن خلال متابعة التعليقات والتفاعلات التى تمت مع الدعوة للحوار نكتشف أن هناك أطرافا مستعدة أو داعمة للحوار، وتعاملا إيجابيا مع لجنة العفو الرئاسى، وخروج عدد من المحتجزين على ذمة قضايا أو بناء على عفو، وهى تفاعلات واقعية ترى الأمر فرصة لمزيد من المناقشة للمستقبل، بجانب أطراف تعتبر قيام حوار أو أى نقاش سياسى أو أهلى، هو أمر يتناقض مع مصالحهم، أو توجههم، وخوفا من فقدان متابعين على حساباتهم بمواقع التواصل، أو يروجون أن الدولة تلجأ للحوار بسبب ضغوط، مع علمهم أن الدولة على مدى سنوات لم تخضع لإملاءات، وتؤكد أنه تنطلق فى رؤيتها من نسختها المحلية، وتتحرك من مفهومها الخاص وبناء على معطيات ذاتية، وتجربة السنوات التسع الماضية تؤكد هذا، سواء فى تجربة التنمية أو فى التحرك نحو الملفات الأولى بالعناية مثل العشوائيات أو الحقوق الاجتماعية والاقتصادية.
الشاهد فى كل هذا أننا أمام فرصة متاحة لحوار يتم مع الجميع بلا شروط، يمكن أن يقود لمزيد من المشاركة، واستيعاب تجربة 12 عاما، جرت فيها الكثير من التطورات على المستوى المحلى والإقليمى والدولى وما تزال، فضلًا عن تجارب دول أخرى فقدت قدرتها على الاستقرار، وبعد تشكيل مجلس أمناء الحوار، وما تحقق على مدى أسابيع نحن أمام فرصة لمزيد من إدارة التنوع وتوسيع المجال العام للنقاش.