تربينا فى الماضى على قيمة الستر، على أن البيوت أسرار، والمشكلة اللى جوة البيت ما تخرجش برة حيطانه، كانت الوصية الأولى للأم ليلة زفاف ابنتها «المشكلة اللى بينك وبينه ما تطلعش براكم، والسر اللى بينك وبينه ما حدش يعرفه»، تربينا على أن الستر قيمة تحافظ على إنسانيتنا، نستر على الضعيف، والمخطئ، نستر على العيوب والعورات، حتى ما نتناوله من طعام نطبق عليه مفهوم الستر، مهما كان كثيرًا أم قليلًا، وليمة ولا «لقمة عيش بشوية ملح وفلفل»، وتعلمنا أن للجار حق فى الأكلة التى نطبخها إن فاحت رائحتها وتسللت خارج حدود جدران البيوت عبر السلالم والمناور، إن عرف الجار ماذا نطبخ فله منها «طبق»، لأنه عرف وقد تشتهيها نفسه.
كل هذا تعلمناه وحرصنا عليه خلال سنوات عديدة ثم ظهرت السوشيال ميديا لتمحيه بين ليلة وضحاها، فأصبح التريند الدائم هو «الفضيحة العائلية»، أصبحت بيوت الناس وتفاصيل حياتهم الشخصية مادة للتجارة، فالكل يفتح الكاميرات فى بيته 24 ساعة وينقل لهم تفاصيل الحياة اليومية «العادية» فيشاهده ملايين ويجمع هو الدولارات، يترك عمله ويصبح هذا هو العمل، مئات، بل آلاف الفيديوهات يوميًا من غرف النوم محتواها يتلخص فى الآتى «صباح الخير إحنا صحينا، فطرنا بصوا الفطار، الولد بيلعب بالألعاب الجديدة اللى اشتريناها امبارح من محل كذا، النهاردة أخت جوزى جات زارتنى وجابت معاها هدية كذا، روحنا صيفنا شفتوا الغرفة الفندقية إللى أنا قاعدة فيها، عيد ميلاد ابنى شوفوا الهدايا اللى جات له».
تفاصيل وتفاصيل لا تثمن ولا تغنى من الجوع، تفاصيل تثير غيرة البعض وحقد البعض وتجعل حياتك دومًا معرضة للسخرية والحقد، تؤثر سلبًا على نفوس من يشاهدون، فالبعض يسخط على حياته ويتمنى لو عاش مثلك والبعض يتمنى لك زوال النعمة التى قد تكون كلها تمثيلا فى تمثيل، وبالطبع يؤثر هذا الأمر على كثيرين من الأطفال الذين يفكرون قبل أن تكتمل سنوات عمرهم عشر سنوات فى عمل قناة ونشر تفاصيل حياته اليومية عليها، وبدلاً من أن يكون حلم الطفل أن يصبح «دكتور أو مهندس أو عالم فضاء» يصبح الحلم هو أن يكون «يوتيوبر» على السوشيال ميديا، لذا أدعو هنا من جديد لمناقشة مشروع قانون ينظم النشر على السوشيال ميديا، خاصة فيما يتعلق بنشر تفاصيل الحياة اليومية والتربح منها، قبل أن تصبح غرف النوم على الهواء مباشرة.