وصلت قوات الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت إلى الإسكندرية أول يوليو 1798، بعد شهر ونصف الشهر، من إقلاعها من طولون، حسبما يذكر عبدالرحمن الرافعى فى الجزء الأول من كتابه «تطور نظام الحكم فى مصر»، مضيفا: «أخذ جنود الحملة ينزلون غرب الإسكندرية ليلة 2 يوليو، مثل هذا اليوم، 1798، وزحفوا على المدينة فاحتلوها فى ذلك اليوم، وبعد أن ثبت نابليون قدمه فى الإسكندرية، أخذ يزحف على القاهرة بطريق دمنهور».
يذكر «الجبرتى» فى الجزء الخامس من موسوعته «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار»، مكتبة الأسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب»: «فى يوم الاثنين، 2 يوليو 1798، وردت مراكب وعمارات الفرنسيين كثيرة فأرسوا فى البحر، وأرسلوا جماعة يطلبون القنصل الفرنسى وبعض أهل البلد، فلما نزلوا إليهم عوقوهم عندهم، فلما دخل الليل تحولت منهم مراكب إلى جهة العجمى، وطلعوا إلى البر ومعهم آلات الحرب والعساكر، فلم يشعر أهل الثغر وقت الصباح إلا وهم كالجراد المنتشر حول البلد فعندها خرج أهل الثغر، وما انضم إليهم من العربان المجتمعة، وكاشف البحيرة، فلم يستطيعوا مدافعتهم ولا أمكنهم ممانعتهم، ولم يثبتوا لحربهم، وانهزم الكاشف ومن معه من العربان، ورجع أهل الثغر إلى التترس فى البيوت والحيطان، ودخلت الإفرنج البلد، وانبث فيها الكثير من ذلك العدد، كل ذلك وأهل البلد لهم بالرمى يدافعون، وعن أنفسهم وأهليهم يقاتلون ويمانعون، فلما أعياهم الحال، وعلموا أنهم مأخوذون بكل حال، طلب أهل الثغر الأمان فأمنوهم ورفعوا عنهم القتال، ومن حصلوهم أنزلوهم، ونادى الفرنسيس بالأمان فى البلد، ورفع بنديراته - أعلامه - عليها، وطلب أعيان الثغر فحضروا بين يديه، فألزمهم بجمع السلاح وإحضاره إليه، وأن يضعوا الجوكار - شارة الثورة الفرنسية - فى صدروهم فوق ملبوسهم، والجوكار ثلاث قطع من جوخ أو حرير أوغير ذلك مستديرة فى قدر الريال، سوداء وحمراء وبيضاء، توضع بعضها فوق بعض، بحيث تكون كل دائرة أقل من التى تحتها حتى تظهر الألوان الثلاثة كالدوائر المحيط بعضها ببعض».
يذكر «نقولا الترك» فى مذكراته «أخبار المشيخة الفرنساوية فى الديار المصرية»، أنه بعد أن بانت أثر مراكب الفرنساوية، دخل مركب منهم البوغاز ونزل قبطانه إلى البر، وطلب قنصل الفرنساوية الذى كان موجودا فى الإسكندرية فى ذلك الوقت، وضجت البلاد وعقدوا ديوان، واتفق الرأى على عدم تسليم القنصل.. يضيف، أنه فى ذلك الوقت كان موجود مركب أمير البحر العثمانى وعظم عنده الوهم، فقال لأهل البلد أعطوهم قنصلهم، وإن حصل سؤال عن ذلك فعلى الجواب، فسلموهم القنصل.
يذكر ج. كروستوفر هيرولد، فى كتابه «بونابرت فى مصر» ترجمة فؤاد أندراوس، مراجعة دكتور محمد أحمد أنيس، أنه بينما كان الأسطول الفرنسى لا يزال يلقى الرعب فى قلوب من كانوا يشهدونه على البر، أرسل قائد تركى لسفينة راسية فى الميناء، ضابطا إلى البارجة «لوريان» يحمل خروفين هدية، واستفسارا عما يصنع الفرنسيون هناك، تسلم الضابط التركى نسخة من المنشور العربى المطبوع والموجه إلى أهل مصر، فهز رأسه قائلا، أنه لا يقرأ العربية، فترجموا له المنشور، وعند سماعه كل فقرة تنال من قدر الأمراء المماليك يطفر سرورا، فطلب مزيدا من نسخ المنشور لتوزيعها، وابتلع قدرا وفيرا من القهوة والحلوى، ثم رجع بخطاب من بونابرت إلى قائده يقول فيه: «سأكون فى الإسكندرية غدا، فلا تخش بأسا، لأنك من رجال السلطان صديقنا العظيم، فاسلك كصديق، ولكنى سأعاملك معاملة العدو لو بدرت منك بادرة عداء للجيش الفرنسى، وستكون أنت الملوم، لأن هذا أبعد الأشياء عن نواياى».
يؤكد «الترك» أن عدد المراكب الفرنسية كان 380 مركبا، ويذكر: «أهل الإسكندرية ما عادوا نظروا بحرا بل سماء مراكب، فوقع عليهم خوف عظيم ووهم جسيم، ففى الحال والساعة ضاجت البلد وعملوا ديوان، وكتب محمد كريم إلى أمير البلاد بمصر يعرفه عن حضور العمارة - المراكب الفرنسية - فى هذه الألفاظ: «سيدى أن العمارة التى حضرت مراكب عديدة، ما لها أول يعرف ولا آخر يوصف، لله ورسوله داركونا بالرجال».
يضيف «الترك»: «بات أهل الإسكندرية فى تلك الليلة فى خوف لا يوصف، وثانى يوم حين لاح الصباح نظروا عساكر الفرنساوية على البر جيوشا ما لها عدد، فاستعدوا إلى الحرب وقصدوا يحاصروا - يتحصنوا - فى البلد، فهجمت عليهم عساكر الفرنساوية هجمة واحدة ودخلوا البلد فقتل من أهل البلد نحو أربعين نفرا، ومن الفرنساوية أقل من ذلك، وانجرح الجنرال كليبر، وتملكوا الإسكندرية، وثانى يوم أطلق المنادى فى البلد الجنرال بونابرتة بالأمن والأمان وقلة المعارضة، وفى الحال سرح العساكر الفرنساوية على دمنهور لناحية مصر، وعلى بندر رشيد، فوصلوا إلى رشيد، وأخذوها وملكوها، وحين تملك الجنرال بونابرتة الإسكندرية أرسل فرمانا مطبوعا إلى أهل مصر يعرفهم سبب حضوره».