ونحن نتحدث عن العام التاسع لثورة 30 يونيو، فإننا لا يمكن أن نغفل حجم ما تعرضت له مصر من تهديدات، وهجمات إرهابية، ممولة ومدعومة، وخلفها منصات دعاية تبث على مدار الساعات الأكاذيب والشائعات، وتضخ هذه التفاصيل من خلال منصات مدربة، قنوات ومواقع وحسابات افتراضية، فقد كان تنظيم داعش عندما صعد فى الشام والعراق، تنظيما تليفزيونيا يقوم على الدعاية والرعب، من خلال توظيف أدوات العصر من كاميرات ومونتاج، وهى طريقة صنعت صورة التنظيم فى الإقليم، كانت عملية إخراج صعود الخليفة الوهمى البغدادى، مصنوعة باحترافية، تحمل رسالة خراب متلفزة.
وفى مصر بعد يناير كانت هناك عمليات تجميع وتشبيك للتنظيمات، لدرجة وجود عمليات استعراض قوة من الإرهابيين أثناء حكم الإخوان، بجانب إرهابيين احتلوا الصورة وقتها، ولدينا اليوم تفاصيل أكثر رعبا عن اتصالات وتحالفات ونيات لبناء ميليشيات خاصة من الإرهابيين ضمن خطط التنظيم.
لكن الواقع أن أخطر ما وجهته مصر بعد 30 يونيو، هو تحالف واسع بين تنظيم الإخوان السرى والعلنى، مع أجهزة وتمويلات ضخمة، وكانت التهديدات واضحة، والرهانات ظاهرة، وبجانب الإرهاب الذى فكك دولا وأفقدها قدرتها وأدخلها فى حرب أهلية، كانت الحرب الدعائية غير المسبوقة، التى تمثلت فى توظيف أدوات التواصل ومنصات عصر المعلومات.
وبالتالى فإن أهم نقطة فيما حققته الثورة من بناء وتخطيط، كانت أولا الحفاظ على وحدة المصريين، والخروج من الريبة للمستقبل، بعد السنوات الأولى للثورة، وإنهاء بؤر الإرهاب بالداخل، بدأت هجمات الإرهاب على كل مكان فى مصر، ومن يريد عليه الرجوع الى أرشيف التفجيرات التى وصلت لمديريات الأمن والشوارع والجامعات ومحطات الكهرباء.
كان اختبارا صعبا، الدولة نفسها مهددة، والأخطار ظاهرة، ليس من إرهاب واضح، ولكن من حروب المعلومات التى تلعب دورا أخطر مما يمكن أن تلعبه الأسلحة، تقوم على الارتباط والضخ المعلوماتى بشكل يفقد الجمهور يقينه وثقته فى نفسه، وهناك أمثلة لدول تم تفجيرها من الداخل، من خلال إثارة النعرات الطائفية والعرقية، ليدخل المجتمع فى صراع وصدام، وهى تجارب نجحت فى دول من حولنا لم تستعد توازنها حتى الآن.
كان هدف عشرات القنوات الفضائية، وآلاف من اللجان، يخلط الشائعات بالأكاذيب مستغلا شاشات الفضائيات وأجهزة الكمبيوتر والموبايل، وعمليات بث تحاصر المواطن فى الشارع والمنزل، وفى كل ركن، حيث خلقت سيولة مواقع التواصل حالات وحسابات تتبع بلا عقل أو تعيد النشر بلا تفكير، كان هدف قنوات ومواقع ومنصات التنظيم بالخارج والداخل، خلق حالة من التشابك، وأحيانا الضبابية والارتباك والتشكك والريبة.
ولهذا فإننا ونحن نعد ما تحقق على مدى 9 سنوات، علينا أن نستعيد أرشيف الإرهاب وهجماته، وكم الشائعات والدعايات المضادة، ومثلما نجحت مصر فى مواجهة أكبر هجمات إرهابية جرت فى العقود الأخيرة، مدعومة بالمال والسلاح والمرتزقة، ونجحت فى تحييد التنظيمات الإرهابية فى الغرب والشرق، والأهم هو إفساد الحرب الدعائية الأقوى.
ومن يريد أن يعرف عليه مراجعة آراء وتحليلات وتوقعات منصات الدعاية السوداء، وكيف حاولت استغلال الإصلاح الاقتصادى لإثارة الشك، وصناعة حرب داخلية من الارتياب، حيث أعلنوا بكل ثقة أن الدولار سيصل إلى 150 جنيها، وأعلنوا بنفس الثقة أن خط مصر الأحمر ادعاء لا يمكن تطبيقه، لكن نتائج الإصلاح ظهرت عندما صمد الاقتصاد فى أزمة كورونا التى هزت اقتصادات دول كبرى، وظل الخط الأحمر شاهدا على تحويل مسارات النفوذ والسياسة الإقليمية.
وبناء عليه يمكن لمن يريد أن يعرف شكل المستقبل أن ينظر إلى مصر قبل 9 سنوات، وخلال هذه السنوات، وكيف عبرنا ليس فقط معركة الاقتصاد والتنمية، لكن أيضا مواجهنا أحد أكثر حروب الدعاية والتضليل فى العصر الحديث.
بالإرادة والصبر، وهى دليلنا للمستقبل.