كان بدء الحوار الوطنى مرحلة وفرصة لتوسيع المشاركة، ضمن مرحلة من مراحل البناء والاتجاه إلى سياقات جديدة من العمل السياسى والاجتماعى والأهلى، ومع انطلاق الجلسة الافتتاحية للحوار الوطنى تكون المبادرة قطعت شوطا بعيدا منذ تكليف الرئيس عبدالفتاح السيسى، بالتنسيق مع جميع تيارات وفئات المجتمع لإدارة حوار حول أولويات العمل الوطنى، وكما أشرنا مجلس الأمناء يحمل درجة من التنوع، وخلال الجلسة الافتتاحية تحدث أعضاء مجلس الأمناء، لتحديد سياقات الحوار ولائحته، ونقاط تنظيمية، وأكد الدكتور ضياء رشوان المنسق العام للحوار الوطنى، أن الحق فى المعرفة والمتابعة الفورية والشفافة سيكون مكفولا للرأى العام طوال مجريات وفعاليات الحوار.
كل هذا يؤكد أن الحوار الوطنى يسير بخطى جادة منذ اللحظة الأولى لتكليف الرئيس عبدالفتاح السيسى، وأنه قطع مسافات بعيدة على غير توقعات كثيرين، الدولة قدمت كل الشروط التى تدفع نحو جديته وبناء الثقة والمشاركة فى وضع السياسات، وتظل النقطة الأهم هى بناء الثقة بين أطراف الحوار، ومد جسور الثقة بين الدولة والتيارات السياسية والأهلية، وهى السبيل لنجاح هذا الحوار، بما يضمن فتح المجال لتوسيع المشاركة لكل قطاعات المجتمع.
قطعت مصر مراحل متعددة وواجهت إرهابا ومحاولات تهديد وجودية لحدودها وأمنها، انتصرت عليها مع التقدم فى التنمية إلى الأمام وكلها عوامل تفتح الباب لخطوات ربما تم تأجيلها بسبب حرب الدولة والمجتمع على الإرهاب، ومحاولة بناء أسس الاقتصاد والعمل العام، والآن يمكن أن تسمح أوضاع الاستقرار بالمزيد من الخطوات، وخلق نقاش سياسى حول الأولويات، وفتح الباب لمشاركة أوسع وملء فراغ يفترض أن يكون غير موجود.
تظل أهم خطوة فى الدعوة للحوار الوطنى أنها فتحت الباب لمناقشات وآراء متنوعة، وهذا فى حد ذاته يمثل نقطة إيجابية، والأهم هو بناء الثقة وإقامة جسور بين الدولة والتيارات السياسية والمنظمات الأهلية، وهذه الثقة هى الأرضية التى يمكن أن تمهد لجمع الشمل والبناء على ما تحقق خلال السنوات الماضية، واستعادة وحدة الصف لتحالف 30 يونيو، لأن بناء الثقة يسمح باتساع مجال التفاهم وتحديد نقاط أساسية، وبعد إقامة هذه الجسور يمكن أن تكون هناك مساحات للتفاهم والتحاور.
مع الأخذ فى الاعتبار أن هناك خلافات بين التيارات السياسية والحزبية حسب توجهاتها، لكن نجاح الحوار هو قدرة كل هذه التيارات على تقبل بعضها، بحثا عن مطالب تحظى بتوافق، دون الدخول فى مواجهات واشتراطات قد تشتت الأمر، وأن تكون هذه التيارات مستعدة لتقبل الأسئلة، حول نفسها ووزنها النسبى، وربما أيضا اعتبار الحوار يشمل قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية، بين تيارات لها انتماءات متنوعة، يسارا ويمينا.
الحوار أيضا يفتح المجال للنقاش بين التيارات السياسية وبعضها، وليس فقط بين حكومة ومعارضة، حيث يحمل كل تيار تصوراته السياسية والاقتصادية ورؤيته للأولويات بشكل يتناسب مع أسسه الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، ونقصد يسارا ويمينا، وإن كان الواقع الاقتصادى العالمى اليوم أسقط الكثير من الحواجز التى تفصل بين الأيديولوجيات المختلفة.
يضاف لذلك أن التحولات التى شهدها العالم على مدى العقود الأخيرة من ثورات التكنولوجيا والاتصال ومنصات التواصل الاجتماعى، تغير من شكل السلطة وممارستها فى العالم كله، وأيضا التحولات التى لا تزال تفرض نفسها على السياسة والجغرافيا السياسية، ويفترض أن تضع الأحزاب والتيارات المختلفة هذا كله فى الاعتبار، بعد تحولات كبرى واتساع دوائر الآراء والتوجهات والطموحات، ليكون الحوار بداية لحوارات أوسع للمستقبل.