من المؤكد، أننا نعيش عصرا ذهبيا بامتياز فى مسار المشروعات القومية الضخمة، التى تعمل فيها الدولة وأجهزتها بالتعاون مع القطاع الخاص، وهى مشروعات غيرت وجه مصر بالكامل، وذلك لأنها ابتعدت عن فكرة المسارات التقليدية، التى كانت تستغرق عشرات السنوات، وتكلف ميزانية الدولة مليارات الدولارات، ولولا جهود الدولة المصرية الناشئة فى 30 يونيو، لما وصلنا لتلك المشروعات القومية الضخمة التى ساعدت فى حل أزمات غير تقليدية، مثل أزمة كورونا وتوابعها، وأزمة الحرب الروسية الأوكرانية، وبين تلك المشروعات القومية، كانت الدولة تعمل على صناعة مفهوم الوعى والإدراك للمنظومة العامة للدولة، وكان ذلك المسار تحديدا له أشكالا متعددة، وربما لا تذكر جميعها فى سياق واحد، لكنها فى الحقيقة متشعبة للغاية وعلى عدة مسارات، وفى عدة اتجاهات حكومية وخاصة.
الوعى القومى الحقيقى يبدأ من معرفة المعلومة
يقينا قد أدركت الدولة أن الوعى الحقيقى للشعب المصرى بكل فئاته، يجب أن يعتمد فى المقام الأول على توفر المعلومة، فكان الإعلان الرئاسى منذ البداية عن فكرة إنشاء قاعدة بيانات قومية للدولة المصرية، وتتوزع تلك القاعدة على عدة مناطق، بحيث تكون مؤمنة بالكامل، ويمكن الاستفادة منها، وفكرة قاعدة البيانات هى الأهم فى مسار دعم وصناعة الوعى الحقيقى، ففى تلك القاعدة يمكن فرز المعلومات الواردة عن الشعب المصرى وقطاعاته، وبالتالى تتمكن الدولة من فهم حقيقى لما تسير فيه من مشروعات قومية أخرى، وبالتالى كان استيعاب الدولة بأنها لو تحركت فى أى مسار يجب أن يكون لديها مدخلات حقيقية، حتى يكون المخرج النهائى حقيقيا، فلا يعقل العمل على ملفات ومبادرات صحية فى مناطق يقل فيها مرض بعينه، ونترك مناطق أخرى يتوطن فيها ذلك المرض، لذلك فالمفهوم الأول فى الوعى كان الوعى الرقمى، الذى يتحقق حاليا عبر إنشاء عقل قومى للدولة المصرية، يضم كل ما تقوم به الدولة من معلومات، يمكن تحليلها والبناء عليها.
التحول الرقمى
فى ملف الوعى القومى، كان هناك فكرة التحول الرقمى، حيث كانت الدولة تعمل على دعم فكرة التحول الرقمى والمنصات الرقمية، التى يمكنها أيضا أن تسجل وترصد وتحدد آليات العمل فى الدولة، ولذلك أيضا، فملف التحول الرقمى يمكنه أن يضىء للدولة مساراتها المختلفة، فعلى سبيل المثال، كانت منصة مصر الرقمية ومركز الوثائق المؤمنة والذكية، الذى افتتحه الرئيس السيسى، بمثابة طوق نجاة لتأمين وثائق الدولة، بحيث يكون هناك استيعاب لفكرة مستندات الدولة وكيفية دعمها، وبذلك يكون لدينا أمور مؤتمنة يعتمد عليها، حتى لا نضيع جهودا فى وسائل التحقق التى تكلف الدولة أموالا وطاقات يمكن استغلالها فى مكان آخر، كما أن التحول الرقمى يمكنه أن يقنن الاقتصاد غير الرسمى، وهو الاقتصاد الأضخم فى جسد الدولة، ولذلك فهذا مفهوم فى غاية الأهمية للدولة، لأن الوعى هنا يعد وعيا اقتصاديا يعود بفائدة على الموازنة العامة للدولة ويستفيد منه المواطن.
مأسسة الدولة
أيضا من وسائل الوعى الحقيقى، التى نتجت عن دولة 30 يونيو، فكرة مأسسة العمل العام بالكامل، حيث أصبح لدى الدولة مؤسسات واضحة المعالم والصلاحيات، وأيضا دعم فكرة الفصل بين المؤسسات ودعم دورها الحقيقى، هو أيضا دور مهم فى مسألة الوعى، حتى يستطيع صانع القرار الاتجاه للمساحة المناسبة، التى تساعده على اتخاذ القرار بشكل عاجل وناجز ومنصف، وبالتالى يلحق بذلك الاتجاه فكرة إنشاء مؤسسات جديدة، يمكنها أن تملأ المساحة المفقودة سابقا، وتلك المؤسسات لها دور رئيسى فى صناعة ونشر الوعى القومى، فعلى سبيل المثال أصبح لدينا مؤسسة حياة كريمة، وهى مؤسسة فى غاية الأهمية فى دعم العمل الأهلى والخيرى بمصرى، وكذلك التحالف الوطنى للعمل الأهلى، وفى ذلك الاتجاه تحديدا، يمكننا أن نتحدث فى كثير من تفاصيله، أيضا مؤسسات مثل بيت العائلة، الذى يساعد على حل كثير من الإشكاليات فى المجتمع المصرى، وهكذا فى عديد من المؤسسات الناشئة والعائدة لممارسة دورها الحقيقى مرة أخرى.
المبادرات الرئاسية
من وسائل الدعم أيضا لصناعة وعى حقيقى فى الدولة المصرية، جاءت فكرة المبادرات التى تطلقها الدولة وكذلك الجهات والمؤسسات على كل المسارات، فعلى سبيل المثال، أطلقت وزارة الشباب والرياضة، بالتعاون مع إدارة الشؤون المعنوية للقوات المسلحة، مبادرة بعنوان «أخلاقنا »، وهى مبادرة قيمة للغاية، تستهدف تذكير جموع الشعب المصرى بالقيم والمكتسبات، التى يتميز بها أفراد الشعب المصرى على كل أشكاله وتنوعاته، بل تعمل تلك المبادرة على استخدام الوسائل الحديثة فى عملية الانتشار، مثل المواد الوثائقية والأفلام وغيرهما، ويلحق بذلك المثال الخاص بمبادرة أخلاقنا، أيضا تنوعت المبادرات فى القطاع الخاص والعمل السياسى، مثل مبادرة «سوا هنعدى » التى أطلقتها تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، وهى مبادرة فى غاية الأهمية وجاءت فى وقت مناسب تماما، وتعتمد فى جوهرها الرئيسى على فكرة الوعى، باعتباره عنصرا أساسيًا لتوضيح الأفكار للمواطنين عبر عدة وسائل، تضمنتها المبادرة التى أطلقتها التنسيقية.
«الدراما والإعلام» من أدوات الدولة الوطنية لشرح أفكارها
تعتبر الدراما المصرية والإعلام المصرى، من أهم أدوات الدولة الوطنية الجديدة فى فكرة دعم وصناعة وعى قومى حقيقى، ونجحا بشكل كبير فى تدعيم رؤية الدولة الجديدة، وذلك بالبعد عن الأكلشيهات والصور المشوشة القديمة، حيث اعتمدت الدراما على وقائع حقيقية بلسان أصحابها، مثل مسلسل الاختيار الأخير، والذى أكد الرئيس السيسى نفسه أن كل الوارد على لسانه فى المسلسل حقيقى بالكامل، وهو تطور كبير فى دعم الدراما بشكل متجرد للغاية، بهدف إبراز الحقيقة ونقلها من المصدر مباشرة، ثم إن الإعلام المصرى أيضا هو عنصر مهم فى صناعة الوعى، عبر ما يقوم به من إبراز ما تقوم به الدولة المصرية من مشروعات قومية، فى ظل التحديات العالمية والإقليمية والمحلية، كما كان الإعلام أيضا له دور كبير فى ثورة 30 يونيو، حيث ساهم فى كشف حقيقة جماعة الإخوان وما تقوم به فى سبيل تغيير الهوية المصرية بالكامل، ولذلك حديث أيضا منفصل فى وقته.
الرئيس السيسى.. الداعم الأول لمفهوم الوعى اعتمادا على اشتراك المواطن فى المعلومة
من بين كل أشكال الوعى الحقيقى، الذى ظهر معناه وفلسفته فى السنوات الأخيرة، كان دور الرئيس عبدالفتاح السيسى نفسه فى دعم ذلك المفهوم، عبر وسيلة مباشرة وواضحة للغاية، وهى إشراك الناس فى المعلومة وتبسيطها عليهم، بل إنه كرر فى أكثر من لقاء توقيفه لأحد المسؤولين، الذى يتحدث بسرعة أو بلغة رقمية متداخلة، طالبا منه تبسيط ما تقوم به الدولة، حتى يعلم المواطن قيمة الجهد والعمل المبذول، وحتى لا يظن أن الدول تقام بالأمنيات وإن كانت ضرورية، بل إن الدول تبنى بالعمل والجهد، وهى كلمات فى الحقيقة تعبر عن فلسفة الرئيس السيسى، منذ إعلان ترشحه فى الفترة الأولى، وهى معركة تمثل جوهر الوعى الحقيقى، الذى يعتمد على قيمة التشاركية مع المواطن فى فهم المعلومة واستيعاب التحديات الطارئة، وكذلك معرفة الإمكانيات المتاحة فى مصر، والواقع الحقيقى الذى يفرض علينا سياسات بعينها، لذلك كان الرئيس السيسى هو أول الداعمين لفكرة صناعة وعى قومى حقيقى يساعد فى بناء الدولة، أو كما قال فى أحد لقاءته، فالدولة والمواطنون ليسا طرفين بل هما طرف واحد، يجب أن يكونا شركاء فى المسؤولية وشركاء فى القرار وشركاء فى تحمل تبعاته.