دعا الخديو توفيق إلى عقد مجلس عام يضم الوزراء وكبار رجال الدولة، ليستشيرهم فى الموقف الذى فرضه وجود الأسطول البريطانى قبالة مدينة الإسكندرية.
جاء الأسطول فى مايو 1882 بقيادة الأميرال سيمور بحجة إخماد الثورة العرابية، لكن المهمة الحقيقية له كانت احتلال الإسكندرية كمقدمة لاحتلال باقى مصر، وكان قائده ينتظر اللحظة المناسبة لتنفيذ خطته، حتى وجدها فى البطاريات المنصوبة فى الحصون القائمة بالمدينة وهو إجراء دفاعى طبيعى، لكن «سيمور» وجد فيه الفرصة لتنفيذ مخططه، حسبما يذكر عبد الرحمن الرافعى فى كتابه «الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزى»، مضيفا: «فى صبيحة 10 يوليو، مثل هذا اليوم، 1882» أرسل الأميرال سيمور قائد الأسطول البريطانى فى البحر المتوسط إنذارا نهائيا إلى طلبة باشا القائد الحربى للإسكندرية، يطلب فيه تسليم البطاريات المنصوبة فى الحصون القائمة بشبه جزيرة رأس التين على ساحل ميناء الإسكندرية الجنوبى وإلا ضرب الحصون فى صبيحة الغد (11 يوليو).
بعد هذا الإنذار أرسل نائب القنصل البريطانى العام خطابا إلى إسماعيل باشا راغب رئيس النظار وناظر الخارجية يعلنه فيه قطع علاقاته مع الحكومة المصرية، وبهاتين الخطوتين «الإنذار وقطع العلاقات» كانت بريطانيا تهيئ الظرف تماما لضرب الإسكندرية كخطوة أولى لاحتلال مصر، وتأكد ذلك من فشل محاولات راغب باشا لدى الأميرال سيمور، وطبقا للرافعى، فإن راغب دعا قناصل فرنسا وألمانيا والنمسا وروسيا ليقوموا بمساعيهم يوم 10 يوليو، لكنهم لم يفعلوا شيئا لأنهم كانوا على يقين بأن الضرب واقع لا محال فى اليوم التالى، وذهب راغب بنفسه إلى البارجة «أنفنسيل» الراسية فى الميناء وقابل الأميرال، فوجد إصراره على إنذاره بإنزال المدافع التى فى الحصون.
بعد أن فشلت مساعى راغب باشا ، توجه إلى سراى رأس التين وعرض على الخديو توفيق نتيجة مساعيه، فدعا الخديو مجلسا عاما يضم الوزراء وكبار رجال الدولة، لمناقشة الأمر، وحضر الاجتماع، الخديو توفيق، درويش باشا المندوب العثمانى، إسماعيل راغب رئيس النظار وناظر الخارجية، قدرى بك عضو الوفد العثمانى، الشيخ أحمد أسعد عضو الوفد العثمانى، أحمد رشيد باشا ناظر الداخلية، عبدالرحمن بك رشدى ناظر المالية، أحمد عرابى باشا ناظر الجهادية والبحرية، على باشا إبراهيم ناظر الحقانية، سليمان باشا أباظة، ناظر المعارف، محمود باشا الفلكى ناظر الأشغال، حسن باشا الشريعى ناظر الأوقاف، لطيف باشا من وزارة البحرية السابقين، محمود باشا فهمى مفتش الاستحكامات العام، طلبة عصمت القائد الحربى للإسكندرية.. يؤكد الرافعى أن الآراء اختلفت، فذهب بعض الأعضاء إلى التسليم بشروط الأميرال وكان من هؤلاء درويش باشا.
يذكر أحمد عرابى فى مذكراته: «تقرر بالمجلس المذكور بأنه لا يمكن إجابة طلب الأميرال سيمور، لما فى ذلك من الخزى والعار الذى يلحق بالمصريين إلى الأبد حيث أن الاستحكامات والطوابى المذكورة ما أنشئت إلا لحفظ الثغور، والعساكر ما وجدت إلا للدفاع عن الوطن العزيز والذود عن حياضه، ولكن قفلا لباب الشر رؤى أن يرسل لسيمور وفد مؤلف من عبدالرحمن بك رشدى ناظر المالية، وقاسم باشا وكيل البحرية السابق ومحمد كامل باشا وكيل البحرية حينذاك وتكران بك باشكاتب مجلس النظار ويتلطفوا معه فى المقال، ويوضحوا له بأن المصريين ليسوا أعداء للإنجليز، وأنه لايمكن سد البوغاز بالأحجار كما قيل، وأما إنزال المدافع فهذا أمر لايمكن قبوله لما فيه من مخالفة قوانين البحرية، ولما يتبع ذلك من الإهانة والذلة، وأنه يمكن إجابة لطلبه تنزل ثلاثة مدافع من ثلاث طوابى».
يؤكد عرابى، أن الوفد بلغ الرسالة ثم رجع وأخبر بأن «سيمور» رفض، وأصر على إنزال جميع المدافع فى جميع الطوابى وزاد بأن طلب تسليمه حصون «المكس» و«العجمى» و«باب العرب» وما وراء طابية المكس من الأراضى لاتخاذها معسكرا للجنود الإنجليزية، وأنه إذا لم يجب لطلباته باشر القتال عند طلوع شمس الغد، فتقرر رفض طلباته مع الاستعداد للحرب، وصدرت الأوامر إلى رؤساء الاستحكامات وأمراء الآلايات وفروع الجهادية بالاستعداد للحرب والمدافعة عن البلاد، وسهرنا طوال الليل فى ترتيب ما يلزم إجراؤه للقتال».
يؤكد «الرافعى»، أنه من البيانات والمراسلات يتضح أن الإنجليز كانوا مصممين على احتلال الإسكندرية سواء ضربوها أم لم يضربوها، وسواء قبلت طلباتهم فى الإنذار النهائى أو لم تقبل، ولو قرر المجلس العام الذى عقده الخديو التسليم بجميع مطالب الأميرال سيمور لما كان تسليمه ليحول بين الإنجليز واحتلالهم المدينة.
يذكر «الرافعى»: «فى أصيل يوم 10 يوليو انتقل الخديو بموكبه من سراى رأس التين إلى سراى الرمل وظل بها إلى أن وقع الضرب فى اليوم التالى، وانهزم العرابيين» واحتل الإنجليز الإسكندرية.