أحمد شوقى اعتذر للخديوى بأجمل قصيدة عن الحج.. ولماذا رفضت الإذاعة تسجيل الأغنية بصوت أم كلثوم
علاقة طلعت حرب وبنك مصر بأغانى الحجاج وحكاية سفينتين غنى لهما كبار المطربين
عليك صلاة الله وسلامه غناها فريد قبل أسمهان.. وإلى عرفات الله الأصلية غنتها نجاة الكبيرة قبل كوكب الشرق
مطرب وحوى يا وحوى حطم الرقم القياسى بأسطوانة الحج.. وهكذا أبدع الفنانون المسيحيون أجمل أغانى المناسك
يامعشر الحجاج بشرة خير فى أول مشوار الطفلة نجاة الصغيرة.. وليلى مراد اتحرمت من الحج فأبدعت يارايحين للنبى الغالى
مع اقتراب عيد الأضحى المبارك وحلول أفضل أيام الله التى يؤدى فيها المسلمون فى مشارق الأرض ومغاربها فريضة الحج وينطلقون من بلادهم قاصدين بيت الله الحرام فى أطيب وأجمل رحلات العمر، تفيض المشاعر والدموع وتتجه القلوب والأنظار إلى مكة، ويفرح الحجيج فرحة لا توصف، وارتبط المصريون منذ دخول الإسلام وانتشاره فى مصر بفريضة الحج ، التى تكاد تكون الأمنية الموحدة لدى كل المصريين المسلمين، الذين اعتادوا الاحتفاء بمن فاز بهذه الفريضة وتمكن من أدائها، ولعل المصريون أكثر الشعوب التى أبدعت الشعر والأغانى والأعمال الفنية للتعبير عن ارتباطهم وتعلقهم وشوقهم وفرحتهم بالحج وزيارة الأراضى المقدسة، ويرددون هذه الأغانى الجميلة فى وداع واستقبال الحجاج الذين أنعم الله ويسر لهم أداء هذه الفريضة، وردد المصريون الأشعار والأغانى المعبرة عن هذه المشاعر وعن الفرحة بالحج من قبل اختراع الإذاعة والتليفزيون، وربما منذ عرفوا الإسلام. وعرف التراث الشعبى المصرى أغانى الحج منذ زمن بعيد، ولا تزال بقايا هذا التراث تتردد فى الريف والمناطق الشعبية.
بنك مصر والإذاعة وأغانى الحج
بدأ اهتمام الإذاعة المصرية بتقديم أغانى الحج، عندما اهتمت شركة مصر للتمثيل والسينما وهى إحدى شركات بنك مصر بإنتاج مجموعة من أغانى الحج، التى لحنها عمالقة الموسيقى ومنهم: الشيخ زكريا أحمد، وأحمد عبدالقادر، محمد الكحلاوى وغيرهم.
وكانت أغنية «اشتياق الحجيج»، للفنان محمد الكحلاوى، من أولى أغانى الحج فى الإذاعة المصرية، وكانت من تأليفه وتلحينه، وقدمتها الإذاعة عام 1936.
وفى عام 1937 أقام بنك مصر حفلا نقلته الإذاعة المصرية، وتضمن العديد من أغنيات الحج التى غنتها المطربة نجاة على، وكانت معظم هذه الأغانى التى أنتجتها شركة مصر للتمثيل والسينما تتضمن دعاية لباخرتى « كوثر وزمزم» وهما الباخرتان التابعتان لشركة مصر للملاحة إحدى شركات بنك مصر واللتان كانتا تنقلان الحجاج إلى الأراضى المقدسة، وكان اسم الباخرتين يأتى ضمن كلمات أغانى الحج، وقدم المطرب صالح عبدالحى، فى نفس الحفل أغنية «ضيف النبى مكروم» كلمات بديع خيرى، ألحان محمد القصبجى.
وفى نفس العام قدمت المطربة حياة محمد للإذاعة المصرية أغنية «يوم عرفات» التى تقول كلماتها: «ما أحلى وقوفنا يوم عرفات ودخولنا فى روضة الهادى، ورحنا ويانا حاجات واليسر فى الركب يحادى، الحمد لك يا رب وفقت طلعت حرب أنشأ بواخر مصرية كوثر وزمزم فى المية.. يمشوا على كفوف الراحة والشيلة دايما مرتاحة».
لتعبر هذه الأغانى عن فرحة الحج والفرحة بالبواخر المصرية التى تنقل الحجيج وبمشروعات وشركات وطنية أسست للنهضة الاقتصادية المصرية.
وكانت المطربة الكبيرة نجاة على من أكثر المطربات اللاتى غنين للحج والحجاج، حيث غنت عن ذهاب وعودة الحجاج، من كلمات بديع خيرى وألحان زكريا أحمد وأغنية يارايح جدة على زمزم، ألحان محمد القصبجى ، وعدد من المواويل عن الحج، هما «سيرى يا زمزم» و «يا اللى رايح تحج البيت»، وزمزم هى إحدى السفينتين التى كانت تنقل الحجاج والتابعة للشركة المصرية للملاحة.
محمل الحجاج من فريد لأسمهان
فى عام 1938 أسندت الإذاعة للفنان فريد الأطرش أغنية كتبها بديع خيرى بعنوان «محمل الحجاج» ليقوم بتلحينها وغنائها وكانت كلماتها تقول: «عليك صلاة الله وسلامه شفاعة يا جد الحسنين دا محملك رجعت أيامه هنية واتهنت به العين»، وبالفعل لحنها فريد وغناها بصوته وظلت تذاع على مدى عام كامل، لكن بعد مرور عام وتحديدا فى عام 1939 تم طلاق شقيقته أسمهان من زوجها الأمير حسن الأطرش، وعادت لمصر من جديد، لتستأنف حياتها الفنية، واقترح عليها شقيقها إعادة غناء أغنيته «محمل الحجاج»، وبالفعل سجلت أسمهان الأغنية بصوتها لتذاع عام 1939 وتشتهر باسم «عليك صلاة الله وسلامه»، وتحوز الأغنية بصوت أسمهان شهرة أكبر من الأغنية الأصلية بصوت فريد الأطرش.
فترات الازدهار وأغانى الكبار
شهدت فترة الأربعينيات والخمسينيات انتعاشة كبيرة لأغانى الحج التى غناها عدد من كبار المطربين ومنهم أحمد عبدالقادر والكحلاوى وشافية أحمد وكارم محمود، وسيد إسماعيل، وعبده السروجى وفايدة كامل، حيث اعتاد الفنان الكبير محمد الكحلاوى أن يحج مع فرقته كل عام وأن يغنى أغانيه الخاصة بالحج، فقدم ما يقرب من 20 أغنية دينية عن الحج ومناسكه وفرحة الحجاج، كما غنى كارم محمود أغنيته الشهيرة «يا مسعد الحجاج» ، وغنى سيد إسماعيل «بشاير من الحبيب» كلمات مرسى جميل عزيز وألحان عبدالعظيم عبدالحق.
وكان الموسيقار الكبير رياض السنباطى أحد أهم الملحنين الذين لحنوا أغانى الحج ومنها أغنية غناها المطرب أحمد عبدالقادر، الذى غنى أغنية «وحوى يا وحوى» الشهيرة، وكانت كلمات أغنية الحج تقول: «إمتى نعود لك يا نبى ونمتع الأنظار، والفرح يرجع يا نبى والطبل والمزمار»، وعندما غنى أحمد عبدالقادر هذه الأغنية، بيع منها أكثر من مائتى ألف أسطوانة، وكان هذا رقما قياسيا بالنسبة لأى أغنية سجلت فى هذا التوقيت المبكر من القرن الماضى، بالرغم من أن تسجيل الأغنية لم يكن متقنا، وأعادت الإذاعة تسجيلها.
إلى عرفات من نجاة على لكوكب الشرق
«إلى عرفات الله ياخير زائر.. عليك سلام الله فى عرفات».. هذه الأغنية التى أصبحت علامة من علامات الحج ويوم عرفة والتى يستمع إليها المسلمون فى بقاع الأرض بصوت كوكب الشرق أم كلثوم فتترقرق الدموع وتهفو الأرواح شوقاً لزيارة بيت الله الحرام ، وقد يتعجب الكثيرون حين يعرفون قصة هذه الأغنية التى لم تكن كوكب الشرق أول من غنتها، بل سبقتها المطربة نجاة على بغنائها.
فهذه القصيدة كتبها أمير الشعراء أحمد شوقى عام 1910، وأهداها للخديو عباس حلمى الثانى الذى ربطته به علاقة صداقة قوية ودعاه الخديو لمرافقته فى رحلة الحج ولكن شوقى اعتذر متعللاً بضعفه وعدم قدرته على السفر، وكتب هذه القصيدة وأهداها للخديو، وكان مطلع القصيدة التى تكونت من 63 بيتاً يقول : «إلى عرفات الله يابن محمدٍ عليك سلام الله فى عرفات»، وتضمنت اعتذار شوقى عن السفر الذى خيره الخديو هل يكون بالبحر أم البر قائلاً: «دعانى إليك الصالح ابن محمد فكان جوابى صالح الدعواتِ..وخيرنى فى سابحٍ أو نجيبةٍ إليك فلم أختر سوى العبراتِ.. وقدمت أعذارى وذلى وخشيتى وجئت بضعفى شافعا وشكاتى.. ويا رب هل تغنى عن العبد حجة وفى العمر ما فيه من الهفوات».
وفى عام 1949 اختارت المطربة نجاة على هذه القصيدة لتغنيها، وبالفعل لحنها الموسيقار عبدالفتاح بدير وسجلتها للإذاعة فى نفس العام، وفى عام 1951 أعجبت أم كلثوم بالقصيدة وأرادت غناءها، ولكن بلحن غير الذى وضعه عبدالفتاح بدير فأسندت اللحن إلى الموسيقار الكبير رياض السنباطى، وذلك بعد أن طلبت من الشاعر أحمد رامى تغيير بعض الكلمات للخروج بالنص من الخاص إلى العام، ولتعديل بعض الأبيات التى تمدح الخديوى وتصف موكبه، فعدل رامى مطلع القصيدة من : «إلى عرفات الله يا بن محمد»، لتكون «إلى عرفات الله يا خير زائر»، واختار 25 بيتا من القصيدة، بزيادة 12 بيتا عن الأبيات التى اختارتها نجاة على.
ولكن الغريب أن الإذاعة رفضت فى البداية تسجيل أغنية إلى عرفات الله مرة ثانية بصوت أم كلثوم لأنه سبق وسجلتها زميلتها نجاة على ودفعت الإذاعة أجر اللحن والكلمات والتسجيل.
و فى عام 1963 صورت كوكب الشرق أغنية إلى عرفات الله للتليفزيون بطريقة الفيديو كليب، الذى صممه شادى عبدالسلام، وصوره وحيد فريد، وأخرجه أحمد بدرخان.
بداية خير للطفلة نجاة الصغيرة
قد لا يعرف الكثيرون أن الفنانة الكبيرة نجاة الصغيرة التى بدأت مشوارها الفنى فى سن الطفولة المبكرة بتقليد وحفظ أغانى أم كلثوم، غنت أول أغانيها الخاصة عن الحج وكان عمرها لا يتجاوز 11 عاما، ففى عام 1946 كانت الطفلة نجاة تغنى على مسرح حديقة الأزبكية أغنية حبيبى يسعد أوقاته لأم كلثوم، وسمعها الإذاعى الكبير محمد محمود شعبان الشهير بـ«بابا شارو»، وأعجب بصوتها، ودعاها ووالدها لزيارته فى مكتبة بالإذاعة، واصطحبها بابا شارو إلى ملحن ركن الأطفال الموسيقار أحمد خيرت، الذى أعطاها أغنية للحج كان قد ألفها ولحنها بعنوان: «طوفوا ببيت الله يا معشر الحجاج»، وبعدما كبرت واشتهرت قدمت نجاة أغنية «لبيك اللهم لبيك» من كلمات أحمد شفيق كامل وألحان محمد عبدالوهاب، وأغنية «يا رايحين أرض الكرامة» التى كانت آخر لحن للشيخ زكريا أحمد حيث رحل وهو يلحن هذه الأغنية، لتكون من نصيب نجاة وإحدى أغنياتها النادرة.
يا رايحين للنبى الغالى
كانت - وما زالت - أغنية ليلى مراد «يا رايحين للنبى الغالى»، التى غنتها خلال أحداث فيلم «ليلى بنت الأكابر»، إحدى أهم أغانى الحج، والتى نسمعها ونرددها دائما خلال أيام الحج، ويوم وقفة عرفات، وكان لهذه الأغنية قصة، حيث أرادت ليلى مراد الذهاب لأداء فريضة الحج، وكان وقتها يتم تصوير أحداث فيلم «ليلى بنت الأكابر»، فأخبرتها إدارة استوديو مصر أنه يجب الانتهاء من تصوير الفيلم خلال أسبوعين، وأن سفرها لأداء الحج خلال هذه الفترة سيعطل التصوير، ويتسبب فى العديد من الخسائر، فرضخت ليلى مراد ولم تسافر، ولكنها طلبت من أبوالسعود الإبيارى تأليف أغنية تودع فيها المسافرين للحج، كما طلبت من الموسيقار الكبير رياض السنباطى تلحين الأغنية، لتعبر من خلالها عن شوقها للحج.
مسلم ومسيحى فى أغانى الحج إيد واحدة
لم يقتصر غناء أغانى الحج على المطربين والمطربات الذين يدينون بالإسلام خلل هذه الفترات التى لم تعرف الفوارق الدينية وسادت فيها روح التسامح حيث غنت المطربة نور الهدى وهى مسيحية الديانة عام 1950 فى فيلم «أفراح»، الذى قامت ببطولته أغنية «مبروك يا حج وعقبالنا، نحجها ويرتاح بالنا» كلمات حسن توفيق، وألحان عبدالعزيز محمود، وغنت فيروز فى الستينات رائعتها «غنيت مكة» للشاعر سعيد عقل وألحان الرحبانية، ليكون كل صانعى هذه الأغنية مسيحيى الديانة.
رايحة فين ياحاجة
من أشهر أغانى الحج فى العصر الحديث والتى استمدت كلماتها من التراث القديم أغنية رايحة فين ياحاجة ياأم الشال قطيفة والتى غنتها المطربة الشعبية فاطمة عيد حيث تتسم هذه الأغنية بالطابع الشعبى وحازت شهرة وجماهيرية واسعة خلال الاحتفالات بسفر الحجيج.