زيارة هامة يجريها الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة ، وسط تحديات عالمية ضخمة ، ومؤشرات سلبية للاقتصاد العالمي منذ اندلاع الحرب الأوكرانية 24 فبراير الماضي، ورحلة شاقة في معسكر الغرب للبحث عن بديل للغاز الروسي قبل حلول فصل الشتاء ، مقابل صعود متنامي لقوة الصين اقتصادياً وسياسياً، فضلاً عن عدم تأثر روسيا بسلسلة العقوبات الغربية التي تم فرضها تباعاً ضد الكرملين.
وفى ظل الصراع المفتوح بين الغرب والولايات المتحدة مع روسيا ، تسود حالة خاصة من القلق من تنامي النفوذ الصيني في ظل هذا المشهد ، وهو ما تحدث عنه المعهد الأمريكي للبحوث الاقتصادية في تقرير له ، راصداً أسباب تفوق الصين علي صعيد الاقتصاد العالمي ، وعلي صعيد المبادرات والشراكة العابرة للحدود مع الدول النامية.
وسلط التقرير الضوء علي الاجتماع الأخير لمجموعة السبع الصناعية، والذي تم خلاله مناقشة مبادرات من بينها مبادرة الشراكة من أجل البنية التحتية والاستثمار العالمي" التي تراهن عليها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للإسهام في نهضة الدول النامية، وخلق فرص عمل في الدول الصناعية، وتوفير عائدات من الاستثمار الخاص ومن ثم تحقيق السلام العالمي.
وقارن التقرير الذي كتبه الباحث دوج باندو ، بين المبادرة الأمريكية ومبادرة الحزام والطريق الصينية، مشيراً إلى أن مبادرة بايدن "الشراكة من أجل البنية التحتية والاستثمار العالمي" تمثل "تهديدا" للصين التي ينظر إليها باعتبارها "على وشك السيطرة على العالم من خلال مبادرة الحزام والطريق، إذ ستصبح البلدان الفقيرة ـ علي حد وصف الباحث ـ بسببها معدومة من خلال دبلوماسية "فخ الديون"، كما ستسيطر على المشاريع الحيوية في جميع أنحاء العالم، مع بناء المنشآت ذات الاستخدامات العسكرية بشكل سري.
وبناء على ذلك، يرى الكاتب أن الولايات المتحدة والغرب مطالبون بالرد من خلال استثمار أموال شعوبهم في النوع نفسه من المشاريع الخارجية، وإنقاذ السكان المحليين، وهزيمة الشيوعيين الصينيين.
ووفقا للكاتب، لا ينبغي الاستهانة ببكين لكنها في الوقت نفسه ليست بالقوة الذي يتم تصويره، فالاقتصاد الصيني يعاني من التدخل السياسي، وتستحوذ المؤسسات الحكومية على موارد هائلة، وترزح البنوك تحت عبء الديون الثقيلة التي ينضاف إليها تهديد أزمة العقارات، في حين يطمح الشباب إلى مغادرة البلاد.
وأشار إلى أن برنامج مبادرة الحزام والطريق كان طموحا في الأصل، إلا أن بكين قد خففت من توقعاتها، وتدرك أن التركيز على الدول النامية التي تميل حكوماتها إلى أن تكون استبدادية وذات رقابة اقتصادية في الوقت نفسه يحدّ من احتمال تنفيذ المشاريع المتطورة وإدارتها جيدا. وحسب سارة هسو من جامعة "تينيسي"، فإنه "لا يوجد دليل على أن البنوك الصينية تفرط في الإقراض أو تستثمر في مشاريع خاسرة للحصول على موطئ قدم في تلك البلدان".
وحسب الكاتب، لم تقم جمهورية الصين حتى الآن ببناء شبكة من القواعد الأجنبية، حيث زعم أن ممارسات الصين التجارية خلفت ردود فعل سلبية في دول متنوعة مثل ماليزيا وزامبيا وسريلانكا وباكستان وميانمار، وعانت العديد من الدول من مشكلات بسببها علي حد وصفه.
كذلك يعتقد الكاتب أن جو بايدن ملتزم بخطته السابقة لمحاربة التضخم من خلال إنفاق مزيد من الأموال، "وقد أعلن البيت الأبيض إلى جانب بقية قادة مجموعة دول السبع الكبرى مبادرة الشراكة من أجل البنية التحتية والاستثمار العالمي لحشد مئات المليارات من الدولارات وتقديم بنية تحتية عالية الجودة ومستدامة تحدث فرقا في حياة الناس في العالم، وتقوي وتنوع سلاسل الإمداد الخاصة بنا، وتخلق فرصا جديدة للعمال والشركات الأميركية، وتعزز أمننا القومي".
ومن المتوقع أن تسهم الولايات المتحدة بمبلغ 200 مليار دولار لمدة 5 أعوام؛ وذلك "من خلال المنح والتمويل الاتحادي والاستفادة من استثمارات القطاع الخاص"، على أن يستكمل هذا المبلغ "برأس مال إضافي من شركاء آخرين متشابهين في التوجهات ومصارف إنمائية متعددة الأطراف ومؤسسات التمويل الإنمائي وصناديق الثروة السيادية وغير ذلك".
ومن المقرر أن تسهم دول مجموعة السبع الأخرى بمبلغ 400 مليار دولار أخرى في الوقت نفسه، ومن المفترض أن يركز التمويل على 4 أولويات رئيسة، بمقدمتها معالجة أزمة المناخ وتعزيز أمن الطاقة العالمي ، وكذلك تطوير وتوسيع ونشر البنية التحتية لشبكات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الآمنة، بالإضافة إلى عزيز المساواة والإنصاف بين الجنسين، ورابعاً تطوير وتحديث البنية التحتية للنظم الصحية والإسهام في الأمن الصحي العالمي.
وأكد بايدن عند إعلانه المبادرة أن "هذه ليست مساعدة أو صدقة، بل هي استثمار سيحقق عوائد لكل شخص بما في ذلك الشعب الأميركي وشعوب بلداننا جميعا، وسيعمل على تعزيز جميع اقتصاداتنا".
ويواجه البرنامج العديد من التحديات، أولها أن "مبادرة الشراكة من أجل البنية التحتية والاستثمار العالمي" تم تجديدها بعد أن بدأت في السنة الماضية باسم "إعادة بناء عالم أفضل" بهدف الاتساق مع خطة الإنفاق المحلي الكبيرة للإدارة الأمريكية، وإدراكا منها أن المعارضين الجمهوريين من غير المرجح أن يتقبلوا جهدا دوليا مشابها، وأن الحكومات الأجنبية لا تريد أن ينظر إليها على أنها تدعم برنامجا سياسيا حزبيا، وضعت الإدارة مبادرتها القديمة في روح جديدة.
ويوحي الاسم الجديد والإعلان الرسمي بأن جميع المسؤولين توصلوا إليه بعد عام من التفكير والسفر والمشاورات، لكن التقديرات بالدفع بـ200 مليار دولار و600 مليار دولار غير محددة المصادر، ما يطرح تساؤلات حول كيفية تنفيذ المساهمات المالية والوفاء بها، إن مؤتمرات المعونة الدولية تجتمع بشكل روتيني، وتقدم وعودا سخية بالمساعدة، ومع ذلك حتى هذه الالتزامات التي تم التعهد غالبا ما لا يتم الوفاء بها.
وبحسب الدراسة ، فإن "الشراكة من أجل البنية التحتية والاستثمار العالمي" ليست ناقصة فقط بل بالكاد بدأت، والإدارة وأعضاء مجموعة السبع لا يتظاهرون حتى بأنهم قد طوروا شيئا جديدا، بل قاموا بدلا من ذلك بعرقلة بعض المشاريع القائمة، وقاموا بدعوة بعض الوكالات، وأشاروا إلى بعض الأموال الموجودة، وتوقعوا أن تنضم إليها مجموعة من الوكالات العامة والصناديق الخاصة القائمة، ثم توقعوا مشاريع رائعة لم تُحدد بعد، فضلا عن إنشائها، وأشاروا إلى أن كل شيء سيخضع لمعايير لم يتم تطويرها بعد، مع عائدات لم يبرهن عليها بعد، حسب الكاتب.
وأشارت الدراسة إلى أنه من الصعب هزيمة خصم لا تملك شيئا لهزيمته به؛ فقد واءمت بكين مبادرة الحزام والطريق مع الواقع الاقتصادي والسياسي بمرور الوقت، وقدمت أموالا حقيقية لمشاريع حقيقية، وإن تفاوتت النتائج. أما جهود الولايات المتحدة السابقة لمواجهة برنامج الصين فلم تحقق الكثير، في حين تريد الدول الفقيرة الأموال لأن ما يبدو أنه انتقاد أمريكي للتمويلات الصينية لا يخدم مصالحها الذاتية.
وتساءل الكاتب في الدراسة عن كيفية تقديم كل هذه الاستثمارات الضخمة غير المحددة "عوائد للجميع" على حد تعبير بايدن؟ وإذا كان هناك هذا العدد من المشاريع الفريدة ذات التصميم الاجتماعي والاقتصادي السليم، فلماذا لم تموّل بالفعل؟ فكل من البنك الدولي، وبنك التنمية الآسيوي، وبنك البلدان الأمريكية، وبنك التنمية الأفريقي، والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير في حالة انشغال، وكذلك الأمر لدى عشرات وكالات المعونة في جميع أنحاء العالم المتقدم، كما تحتفظ الحكومات بصناديق الثروة السيادية، ويبحث رأس المال الخاص عن فرص اقتصادية مهملة لا تعوض. إذن، ما القيمة الإضافية التي ستقدمها البيروقراطيات الحكومية عبر مجموعة السبع؟
وبحسب الدراسة من المرجح أن تتأثر "الشراكة من أجل البنية التحتية والاستثمار العالمي" بمتطلبات الحذر من التحيز والتمييز العنصري، وقد تكون هناك مزايا سياسية محلية من خلال معالجة قضايا مثل تغير المناخ، وتكنولوجيا المعلومات، والمساواة بين الجنسين، والرعاية الصحية. ولكن من المرجح أن توضع العديد من البرامج الملائمة لتلك الموضوعات بعيدا عن موضوع البنية التحتية الذي من غير المرجح أن يقدم أي عوائد اقتصادية، وقد يكون بعضها مثيرا للجدل سياسيا في الداخل والخارج، كما أن من المرجح تجاهل العديد من مجالات الاستثمار المهمة.
وأخيرا، يختم الكاتب بالتساؤل: كيف يمكن لبرنامج استثمار غير مموّل ولا يخضع للمعايير حاليا النهوض بالديمقراطية؟ وهل سيعمل الحلفاء مع الأنظمة الديمقراطية فقط، حقيقية كانت أو صورية؟ إذا كان الأمر كذلك، سيظل كثير من العالم يعتمد على آليات التمويل الحالية، بما في ذلك مبادرة الحزام والطريق. وإذا لم يكن الأمر كذلك، هل سيكون تقديم الأموال مشروطا على الأقل بسلوك أفضل وتعاون أقل مع السلطات الحاكمة في الدول النامية.
وخلص الكاتب إلى أن من غير المرجح أن يكون برنامج "الشراكة من أجل البنية التحتية والاستثمار العالمي" الجديد الذي قدمته إدارة بايدن أفضل من مبادرات التطوير السابقة، وعلى الأرجح "لن يقدم أي جديد، والأسوأ من ذلك أنه مشروع ذو طابع سياسي يستهدف الصين بالأساس".