عبرت الباخرة «كوين إليزابيث 2» ميناء «ساوثهامبتون» البريطانى فى طريقها إلى إسرائيل وعلى متنها أسر يهودية أمريكية استأجروها لتبحر بهم إلى إسرائيل للمشاركة فى الاحتفالات بالذكرى الخامسة والعشرين لتأسيسها «15 مايو 1948»، وقرر أحد القادة العرب نسفها، لكن الرئيس السادات منع العملية التى كشف عنها لأول مرة فى حواره مع محطة التليفزيون البريطانى «بى.بى.سى»، مساء 17 يوليو، مثل هذا اليوم، 1974، ونشرت الأهرام مقتطفات منه يوم 18 يوليو 1974.
لم يكشف «السادات» عن اسم القائد العربى، وذكر القصة فى سياق رفضه ممارسة العنف ضد المدنيين، وقال: «السفينة العربية كانت تعبر البحر المتوسط وعليها 500 أسرة يهودية أمريكية فى طريقها للاحتفال بمرور 25 عاما على إنشاء إسرائيل، وأحد القادة العرب فكر فى نسفها، ولحسن الحظ أن القائد العربى حاول استخدام غواصة مصرية، وأصدر الأمر فعلا، وكان على قائدها أن ينفذ الأمر، واتجه إلى عرض البحر لاعتراض السفينة «كوين إليزابيث»، وأُبلغت فى الساعة الواحدة والنصف صباحا بذلك، وكان على أن أظل مستيقظا حتى الساعة الثالثة والنصف صباحا لكى أعطى أمرا آخر إلى قائد الغواصة بإلغاء ذلك الأمر والعودة إلى الإسكندرية».
بعد شهور قليلة مما قاله السادات، ذكر الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل القصة بتفاصيلها فى كتابه «الطريق إلى رمضان» الصادر عن «دار النهار، بيروت، 1 يناير 1975»، مشيرا إلى أن الـ500 شخصية كانوا من أثرياء اليهود من أوروبا وأمريكا، وأنهم استأجروا السفينة ، وكشف أن القائد العربى هو الرئيس الليبى العقيد معمر القذافى، وقال، إنه فى 17 إبريل، 1973 تلقى قائد غواصة مصرية راسية فى ميناء طرابلس الليبى إشارة تطلب توجهه لمقابلة القذافى، وراح الضابط المصرى الشاب يسائل نفسه فى عجب عما يمكن أن يكون الغرض من وراء هذا الطلب، لكنه نفذ الأمر، وذهب.
يذكر هيكل: «بسط الرئيس القذافى أمام الضابط الشاب خريطة لمنطقة شرق البحر المتوسط، وقال له فى لهجة بدا فيها الود الشديد: «إنى أتحدث إليك بصفتى مواطنا عربيا وقائدا للقوات المسلحة الليبية، أنت الآن تعمل هنا، معنا، فهل تستطيع أن تحدد موقع الباخرة «كوين إليزابيث 2» فى البحر المتوسط؟.. هل من الممكن ذلك بسهولة؟.. رد الضابط بأن ذلك سهل، فكان السؤال الثانى من القذافى: «فى مثل هذه الحالة، هل يمكنك أن توجه إلى الباخرة طوربيدين وتغرقها؟ ..رد الضابط بأن ذلك ممكن من الناحية النظرية، لكنه عمل خطير، ولا بد أن يصدر له أمر مباشر، فقال القذافى: «حسنا، إنى أصدر الأمر إليك، وإن شئت أن يكون أمرا كتابيا فأنا مستعد لأن أكتبه لك».
يوضح هيكل، أن «القذافى» أقدم على هذا ردا على إسقاط إسرائيل للطائرة المدنية الليبية التى ضلت مسارها إلى سيناء وهى فى طريقها إلى القاهرة يوم 21 فبراير 1973، وقتل 111 راكبا من بينهم وزير الخارجية الليبية السابق صالح بويصير، والمذيعة التليفزيونية المصرية اللامعة سلوى حجازى.. يؤكد هيكل: «استشاط القذافى غضبا، وكان تفكيره بالغريزة أن يرد بعمل انتقامى سريع، وصمم على ألا تصبح ليبيا واحدة من تلك الدول العربية التى تخضع بضعف لأعمال العدوان الإسرائيلى، وكان الرد الانتقامى السريع الذى اقترحه هو ضرب «حيفا» بالطائرات الليبية..وحاول السادات تهدئته، وقال له إننا نستعد لمعركة مع إسرائيل ستكون خير انتقام لحادث الطائرة، ولغيره من أعمال الإهانة الكثيرة التى تعرض لها العرب، وأوضح له أنه إذا قامت الطائرات الليبية بضرب حيفا، فإن أكثر النتائج احتمالا أن تقوم الطائرات الإسرائيلية بضرب آبار البترول الليبية، وما يترتب على ذلك لا يمكن أن يساعد قضية العرب».
كان ما طرحه القذافى على الضابط المصرى استمرارا لتصميمه على الانتقام..يذكر هيكل: «عاد الضابط إلى غواصته، وأصدر الأمر إلى رجاله بأن يستعدوا للإبحار فى عملية عاجلة وسرية، وبعث برسالة بالشفرة إلى قيادته فى قاعدة الإسكندرية بالأمر الصادر إليه، وذُهل قائد البحرية فى الإسكندرية، واتصل بالفريق أحمد إسماعيل القائد العام للقوات المسلحة، فاتصل بدوره بالرئيس السادات الذى أعطى تعليماته بإصدار الأوامر إلى الضابط بعودة الغواصة إلى الإسكندرية».
يؤكد هيكل أن السادات اتصل به، قائلا: «يبدو أن القذافى يريد أن يضعنا فى مأزق، وشرح له أن عملا مثل هذا ستنجم عنه مضاعفات دولية، وأنه لن يبلغ القذافى بالإجراء الذى اتخذه، بل سيقول له إن قائد الغواصة لم يستطع أن يحدد موقع الباخرة فى البحر، وبالتالى لم يستطع تنفيذ الأمر الصادر إليه بإغراقها».. يؤكد هيكل: «الرواية لم تنطل على القذافى، ولم يستطع أن يفهم كيف يسمح لإسرائيل بأن تسقط طائرة مدنية فى رحلة بريئة ويمنع الرد عليها بالمثل، وكان شديد التأثر لما حدث».