أكدت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية الدائرة الأولى البحيرة، برئاسة المستشار محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، أن تعليمات وزير التعليم بحظر منح الطلاب ما يستحقونه من درجات عند تظلمهم، إلا بعد الرجوع لمدير تنمية المادة، إهدار لحقوقهم واغتيال لجهدهم ووأد لنبوغهم وعدوان على ضمير المصحح.
وقضت المحكمة برئاسة المستشار محمد عبد الوهاب خفاجى، وعضوية المستشارين صالح كشك ووائل المغاورى نائبى رئيس مجلس الدولة، بوقف تنفيذ قرار وزير التربية والتعليم فيما تضمنه من إعلان نتيجة الثانوية العامة فى العام الدراسى 2014/2015 فى مادة الكيمياء، للطالب أيمن منصور عكاشة، وما يترتب على ذلك من آثار أخصها إضافة درجة واحدة له فى تلك المادة، وبتعديل المجموع الكلى لدرجاته بعد إضافة الدرجة، لتصبح 403، وأمرت بتنفيذ الحكم بمسودته دون إعلان.
وقالت المحكمة إن تعليمات وزير التربية والتعليم بشأن عدم تزويد طلاب الثانوية العامة أية درجات عند النظر فى تظلمات النتائج إلا بعد الرجوع لمدير تنمية المادة، وهو مستشار العلوم، يعد فى حقيقته وجوهره غصبًا لضمير المصحح، يحيل أصلها عدمًا بل اغتيالا لجهد الطلاب، ووأدا لنبوغهم، ويمثل أسوأ صور العدوان على حقوقهم، لاتخاذه الشرعية ثوبًا وإطارًا، وانحرافه عنها معنى ومقصدًا، وبهذه المثابة تؤدى هذه التعليمات للمصححيين بمديريات التربية والتعليم على مستوى الجمهورية حال سريانها، إلى سرطنة التعليم، فلا أمل فى شفاء ولا يرجى اعتفاء، فلا تكون حقوق الطلاب التى كفل الدستور صونها إلا وهما و سرابًا، ما يستنهض عدل هذه المحكمة بأن تحق الحق وتبطل الباطل، وتأمر بمحو تلك التعليمات الصادرة من وزير التربية والتعليم ومحقها من الوجود.
وأضافت المحكمة أن الأوراق التى قدمتها الإدارة كشفت أيضا أن لجنة المراجعة بمديرية التربية والتعليم بالبحيرة، الممهورة بتوقيع موجه عام المديرية المركزية، والذى لم تأخذ به لجنة المراجعة بوزارة التربية والتعليم بالقاهرة وطرحته جانبا، لم تطبق تعليمات وزير التعليم بحق، ونظرت ورقة إجابة الطالب وانتهت بعد اطلاعها على ورقة إجابته، إلى استحقاق الطالب درجة واحدة، وأثنت على الطالب بفهمه الكامل للسؤال، وهو الطالب المتفوق من الأصل، لحصوله فى مادة الكيمياء المتظلم منها على 58,50 /60 درجة بل، وفى المجموع الكلى أيضا على درجة 402/410 وورد بتقرير لجنة البحيرة ما نصه : "السؤال الرابع فى ثانيا رقم 2 الإجابة صحيحة ولا ينقصها شئ، وتنم عن فهم كامل للطالب ويستحق الدرجة الناقصة، وتكون درجة الطالب فى هذا السؤال 15/15وتعدل الدرجة الكلية للورقة الى 59,5 /60 ".
والمحكمة يطمئن وجدانها إلى تقرير لجنة المراجعة بالتعليم بالبحيرة، ولا تطمئن إلى تقرير لجنة المراجعة بالوزارة بالقاهرة، ولا تطمئن أيضا لتقرير اللجنة الفنية المنتدبة فى الدعوى، بل تطرحهما، لعدوانهما على حقوق الطلاب واستجابتها لتعليمات وزير التعليم الصادرة بحظر تعديل درجات الطلاب إلا بعد الرجوع لمدير تنمية المادة، ما يتعين إهداره واعتباره والعدم سواء.
وذكرت المحكمة أنه يجب أن يعلم القائمون على أمور التربية والتعليم فى مصر أن إبداع طلاب الثانوية العامة علميًا كان أم أدبيًا أم فنيًا أم ثقافيًا، ليس إلا موقفًا حرًا واعيًا يتناول ألوانًا من الفنون والعلوم تتعدد أشكالها، وتتباين طرائق التعبير عنها، فلايكون نقلاً كاملاً عن المنهج العلمى، ولاترديدًا لآراء وأفكار يتداولها الأساتذة فيما بينهم دون ترتيبها أو تصنيفها، أو ربطها ببعض وتحليلها لأن العمل الإبداعى للطالب، هو فى الأصل يجب أن يكون بعيدا عن التقليد والمحاكاة، فلا ينغلق الطالب استئثارًا، بل يتعداه انتشارًا ليكون مؤثرًا فى تقدم القيم الإنسانية والروحية فى المجتمع، وتلك أمور تخضع لضمير المصحح لا ينال من هذا الضمير المهنى والوطنى قرار إدارى، ولو صدر ممن ناط به القانون مسئولية رأس التربية والتعليم فى مصر.
واستطردت المحكمة أن تعليمات الوزير بعدم إجراء أى تعديلات سواء داخل اصل ورقة اجابة الطالب إلا بعد الرجوع إلى مدير تنمية المادة (مستشار العلوم)، تعليمات جد خطيرة وغير مسبوقة فى مصر أو أية دولة تسعى إلى أن يكون التعليم ترسيخا للقيم الحضارية والروحية، وهدفا لبناء الشخصية، لكونها تنتقص من حقوق الطلاب، بما يستحقونه حقا وعدلا من درجات، ترسم حدود مستقبلهم الجامعى حال أحقيتهم عند نظر تظلماتهم، وتنال من المبدأ الدستورى فى تأصيل المنهج العلمى فى التفكير، وتحول دون تنمية المواهب وتعطل تشجيع الابتكار.
فضلا عن أن تلك التعليمات لم تتضمن ثمة قواعد موضوعية، بل جعلت الرجوع إلى مدير تنمية المادة هو المعيار، ما يكون مدعاة للمحاباة والمحسوبية، وهو ما يفرغ التعليم من مضمونه، ويؤدى إلى أن يكون منح الدرجات للطلاب مرهونا بمشيئة مدير تنمية المادة، إن شاء منح بعض الطلاب وإن رغب منع بعضهم الآخر، ما يمثل عدوانا صارخا على حقوق الطلاب ينال من الالتزام الدستورى الذى حفل به دستور مصر من إلزام الدولة بمكافحة الفساد، وتعزيز قيم النزاهة والشفافية ضمانا لحسن أداء الوظيفة العامة بمرفق التعليم .
واختتمت المحكمة حكمها بقولها إن الدولة القانونية هى التى تتقيد فى ممارستها لسلطاتها بقواعد قانونية تعلو عليها، وتردها على أعقابها إن هى جاوزتها، فلا تتحلل منها، ذلك أن سلطاتها هذه - وأيًا كان الوزراء القائمون عليها - لاتعتبر امتيازًا شخصيًا لمن يتولونها ولا هى من صنعهم، بل أسستها إرادة الجماهير فى تجمعاتها على امتداد الوطن، وضبطتها بقواعد آمرة لايجوز النزول عنها. ومن ثم تكون هذه القواعد قيدًا على كل أعمالها وتصرفاتها ، فلا تأتيها إلا فى الحدود التى رسمها الدستور، وبما يرعى مصالح مجتمعها ، فلايكون الخضـوع لها إلا ضمانًا لحقوق مواطنيها وحرياتهم، بما يكفل تمتعهم بها أو مباشرتهم لها دون قيود جائرة تنال من معناها ومحتواها أو تعطل جوهرها وفحواها.