أصدرت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية الدائرة الأولى فى البحيرة، برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، حكما بإلزام الحكومة بصرف 600 جنيه شهريا تكاليف الانتقال لـ 500 مريض فشل كلوى بمختلف قرى ومدن البحيرة، من منازلهم حتى المستشفيات التى يعالجون فيها.
وقضت المحكمة برئاسة المستشار محمد عبد الوهاب خفاجى، وعضوية المستشارين صالح كشك ومحمد فتحى ومحمود النجار وخالد شحاته ووائل المغاورى نواب رئيس مجلس الدولة، بوقف تنفيذ قرار الحكومة السلبى بالامتناع عن صرف تكاليف الانتقال لـ500 مريض بالفشل الكلوى فى مختلف قرى ومدن محافظة البحيرة، بواقع 50 جنيهاً عن كل جلسة غسيل كلوى من منازلهم حتى مقار المستشفيات التى يعالجون فيها لثلاث مرات أسبوعيا، لتصبح 600 جنيه شهريا، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها منحهم تلك التكاليف، وأمرت بتنفيذ الأحكام بمسوداتها وبغير إعلان.
وقالت المحكمة فى حيثياتها إن إجبار الحكومة مرضى الفشل الكلوى، على اللجوء للقضاء لنيل حقوقهم، إساءة لاستعمال حق التقاضى، بعد أن استقر القضاء الإدارى على الفصل فى أصل استحقاقها، وباتت الحقيقة القانونية بشأنها واضحة جلية لا تحتمل لبساً أو غموضا.
وأوضحت المحكمة أنه يجب على الإدارة الرشيدة الواعية أن تنأى بذاتها عن إساءة حق التقاضى مع المرضى، لأنها تفضى إلى غياب مفهوم الدولة الراعية لمواطنيها، وإثقال كاهل القضاة بقضايا نمطية تكرارية تعوقه عن إنهاء منازعات المواطنين مع جهات الإدارة.
وذكرت المحكمة أن دعاوى مرضى الفشل الكلوى باتت غير منتجة، ويكون إلجاء الخصم المريض إليها من قبيل اللّدَد والكيد والتملص من التزام الحكومة الدستورى بحق العلاج المجانى لغير القادرين، أو لتأخير الوفاء بحق نفقات الانتقال لهم، وهم الفئة الأولى بالرعاية والحماية بالنظر لحالتهم المرضية التكرارية الخطيرة، الأمر الذى يعد خروجاً من الحكومة عن الممارسة المشروعة لحق التقاضى، ذلك أن حق التقاضى وإن كان حقاً دستورياً شأنه شأن غيره من الحقوق، تتقيد ممارسته بالغاية منه، وبتحقيق المصلحة التى شرع من أجلها، وهى الفائدة العملية التى تنتج من رفع الدعوى، وتتمثل فى إنهاء نزاع قائم وبيان وجه الحق فيه، فإذا كان الحق واضحاً وقد تجلّى، فما كان يجب على الإدارة أن تتردى عن مد الحماية لمرضاها.
وأضافت المحكمة أن من أخص واجبات الدولة تجاه مواطنيها التزامها بتحقيق العدالة فى الروابط القائمة بينها وبينهم فلا تلجئهم مَطَلاً أو تسويفاً، كرهاً أو عسفاً إلى ولوج سبيل المطالبة القضائية لنيل حقوق لم يعد هناك محل للمنازعة فيها، خاصة الفقراء من المرضى، بعد أن استقر القضاء الإدارى على الفصل فى أصل استحقاقها على وجه معين، وباتت الحقيقة القانونية بشأنها واضحة جلية لا تحتمل لبساً أو غموضاً وعلى القمة منها حق المواطنين المصابين بالفشل الكلوى الذين يعالجون على نفقة الدولة، فى صرف بدل الانتقال من موطنهم إلى المستشفيات التى يجرون فيها هذا الغسيل الكلوى ذهاباً وإياباً، وهو جزء من حق العلاج المقرر دستورياً للمواطنين، والتى بات أمرها أمراً محسوماً باستقرار قضائى.
وما كان يجب على الإدارة أن تتبع هواها وتغفل عن حقوق مرضاها وتنال من أمرهم فرطا، فساءت حالتهم مرتفقاً وهى تملك من سلطة التنفيذ مقتدراً.
وذكرت المحكمة أنه يدخل فى إطار التعسف فى استعمال حق التقاضى الاستمرار فى منازعات من هذا القبيل، بعد أن تبين يقيناً وجه الحق فيها، وهى أخطاء يجب على الإدارة الرشيدة الواعية أن تنأى بذاتها عنها، لأنها تفضى إلى غياب مفهوم الدولة الراعية لمواطنيها، وإثقال كاهل القضاة بقضايا نمطية تكرارية تعوقه عن الفصل بالسرعة اللازمة فى المشكل من الأنزعة الادارية حتى يتفرغ لحسمها، فضلا عما فيه من إهدار وقت ومال الدولة والمواطن المريض على حد سواء فى مثل هذه القضايا، التى لا تعرض على القضاء إلا لتأخير أداء الحقوق المالية لمستحقيها من المرضى المصابين بالفشل الكلوى.
وأشارت المحكمة إلى أن الدولة تتكفل بعلاج المواطنين على نفقتها، والذين لا تشملهم مظلة أى تأمين صحى أو علاجى عام أو خاص، وأعطت أولوية مطلقة لمرضى الفشل الكلوى والفيروسات الكبدية، ويتم العلاج فى حدود الاعتمادات المعتمدة لهذا الغرض سنويا بالموازنة العامة لوزارة الصحة، وأنه إذا كانت قرارات وزارة الصحة المنظمة للعلاج على نفقة الدولة لم تحدد بنصوص صريحة منها، مقدار وأحوال استحقاق المواطن مقابل الانتقال إلى جلسات علاج الفشل الكلوى بالمستشفى التابع له، إلا أنه بمراعاة أن مرض الفشل الكلوى مرض مزمن يحتاج المريض به إلى جلسات أسبوعية منتظمة، وبعض حالات الإعياء الملازمة للمريض تستلزم وسيلة انتقال خاصة ومرافق، مما يستلزم إلزام جهة العلاج وهى المدرج بموازانتها تكاليف العلاج على نفقة الدولة، بأداء هذه النفقات التبعية، لأن الأصل أن تتحمل جهة العلاج انتقال المريض إليها لتلقى العلاج على نفقة الدولة بتوفير وسيلة انتقال مناسبة، بعد أن تبين لها أن حالته الاجتماعية تستلزم تحمل الدولة نفقة علاجه، وأنه من غير القادرين.
وبهذه المثابة فإن عجز المريض عن الانتقال دون مرافق، وتحمله مصاريف انتقال فى وسيلة انتقال خاصة، يفرغ العلاج من مضمونه، ويتنافى مع غرض المشرع من تحمل علاج المريض غير القادر على نفقة الدولة.
واستطردت المحكمة أن المشرع الدستورى جعل الرعاية الصحية للمواطنين من الحقوق الدستورية، وألزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للصحة، لا تقل عن 3 % من الناتج القومى الإجمالى، تتصاعد تدريجياً حتى تتفق مع المعدلات العالمية.
وأنه قد بات مسلماً أن التكاليف المقررة للعلاج لا تقتصر فحسب على نفقات العلاج والإقامة بالمستشفيات وثمن الأدوية، وإنما يستطيل هذا المفهوم ليشمل أية مبالغ خارج دور العلاج أو المستشفيات إبان فترة العلاج دون مجاوزة، وهو الأمر الذى حدا بالمشرع فى بعض الحالات إلى مواجهة ذلك بتقرير صرف بدل السفر إلى العاملين الذين يتقرر علاجهم بالخارج عن الليالى التى تقضى خارج المستشفيات أو بدل انتقال للعاملين بالداخل، باعتبار أن ما يؤدى نظير الإقامة فى هذه الحالة يعد أمراً ضروريا ولازماً لإتمام العلاج خلال فترة التواجد بالخارج.
وتلك النفقات بحكم اللزوم داخلة فى نفقات العلاج التى تتحملها الجهة التى قررت العلاج، باعتبارها نفقات مرتبطة ارتباطا مباشراً بعملية العلاج، مما لا وجه للاستغناء عنه أو اكتمال الوجه الصحيح للعلاج بدونه.
واختتمت المحكمة حكمها بقولها إن 500 مريض بالفشل الكلوى فى حاجة إلى وسائل مواصلات خاصة ذهاباً وإياباً، لنقلهم إلى المستشفى الذى يتلقون به العلاج، ومصاريف الانتقال بوسيلة خاصة لهم هى فرع من مصاريف ومستلزمات علاج الفشل الكلوى، وتأخذ حكمه فى تحمل الدولة تكاليف الانتقال لغير القادرين، وقد تعذر على جهة العلاج تدبير مواصلات خاصة لهؤلاء المرضى، فإنه لا مناص من أن يقوم التنفيذ النقدى محلها، وذلك خصماً من الاعتماد المالى المدرج بموازنة وزارة الصحة للعلاج على نفقة الدولة، دون تقيد بالحد الأقصى للمبالغ الواجب صرفها للمدعين الخمسمائة عن جلسات الغسيل الكلوى، وبهذه المثابة يضحى قرار الحكومة المطعون فيه مخالفاً للقانون.