كانت الساعة التاسعة إلا ربع من صباح 20 يوليو، مثل هذا اليوم، 1973، حين وصلت المسيرة الليبية عند بداية الحدود المصرية، واشتركت فيها حوالى 5 آلاف سيارة وأتوبيس، تتقدمها عربة «بلدوزر»، تحلق فوقها طائرة هليكوبتر ليبية، وأزالت البلدوزر البوابتين المصرية والليبية على الحدود، كما أزالت منشآت مصرية، ودعا مكبر الصوت، الذى يسير فى المقدمة، المسيرة إلى التوجه للقاهرة، حسبما تذكر «الأهرام، 21 يوليو 1973».
حملت المسيرة وثيقة مكتوبة بالدم، تطالب بتحقيق الوحدة الفورية مع مصر، وبدأت فى الساعة الثالثة صباح 18 يوليو 1973 من قرية صغيرة على الحدود الليبية التونسية معروفة باسم «رأس جدير»، وضمت عددا محدودا من السيارات الخاصة والأتوبيسات، التى تحمل أعضاء اللجنة الشعبية الليبية، وأبناء القرية الذين قرروا الاشتراك فى المسيرة، وفقا لـ«الأهرام، 19 يوليو 1973»، وتضيف، أن السيارات مضت على الطريق الساحلى، الذى يمتد بمحاذاة البحر المتوسط، وتوقفت فى مناطق زوارة ومصراتة والزاوية وعدد آخر من القرى، وعند كل مدينة وقرية، كان الركب يستقبل بموجة حماس عارمة وزغاريد من النساء الليبيات، ويتزايد عدد السيارات بعد أن انضم جموع الليبيين إلى الركب، وفى الواحدة ظهرا، وصلت المسيرة إلى طرابلس، وقدرت عدد السيارات التى دخلت المدينة بـ500 سيارة ارتفعت إلى 2000 عندما وصل الركب إلى مدينة بنغازى.
أوفد الرئيس السادات إلى ليبيا الدكتور محمد حافظ غانم، الأمين الأول للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى، وحمل معه رسالة إلى الرئيس الليبى، العقيد معمر القذافى، طالبه فيها بأن يتخذ موقفا حاسما وحكيما من هذه المبادرة، مؤكدا: «لا نشك فى نقائها وإخلاصها، ولكننا مع ذلك نتوقف كثيرا فى قبولها كإجراء ثورى مقبول فى هذه المرحلة الدقيقة من مراحل مسيرتنا الثورية»، وبالرغم من غضب السادات خلف هذه السطور، فإنه تقرر أن تشهد مرسى مطروح لقاء شعبيا كبيرا فى سرداق ضخم يقام عند مشارف مطروح، لحوار بين قيادات الشعب العاملة فى مصر، وقيادات المسيرة، وفقا للأهرام، 20 يوليو 1973.
شهد يوم 20 يوليو 1973 التطور الأهم فى هذا الحدث، وتذكر أهرام 21 يوليو، أنه فى الساعة العاشرة وعشر دقائق وصلت المسيرة إلى الكيلو 177 شرقى السلوم فى طريقها إلى مرسى مطروح، واتجه وفد كبير من القيادات السياسية والتنفيذية، يتقدمهم الدكتور أحمد كمال أبوالمجد، وزير الشباب، إلى خارج مدينة مطروح، للقاء اللجنة المنظمة للمسيرة للتوقف فى مرسى مطروح، واستجاب عدد من المشتركين فيها لدعوة الحوار، غير أن 400 سيارة خالفت التعليمات، وتجاوزت مطروح فى طريقها إلى الإسكندرية، مما دفع الرئيس السادات إلى بعث رسالة جديدة فى هذا اليوم «20 يوليو» إلى القذافى يدعوه للتدخل شخصيا لوقف المسيرة فى مرسى مطروح «بعدما ظهرت بوادر توقعناها وتجاوز البعض مكان الاجتماع الشعبى، وحتى تفوت على أعداء الوحدة أن يركبوا موجة المسيرة وينحرفوا بها إلى ما يخربها ويسىء إليها».
رد القذافى بمفاجآت، وكانت حسب نص الرسالة: «سيادة الرئيس، أنت تعلم أننى مستقيل منذ 11 يوليو الجارى، وأكدت هذا مرارا وتكرارا بالقاهرة والإسكندرية، وأعلنت ذلك فى لقاء قيادات الاتحاد الاشتراكى، وكان هو ردى لمبعوثكم الخاص، الدكتور حافظ غانم، ولا بد أنه نقل إليكم الرد بأمانة، وضباط القوات المسلحة الليبية يعلمون هذا، وحاولوا جميعهم معى دون جدوى، وتعلمون سيادتكم أننى استقلت تنفيذا للوحدة وتهيئة المجال لها، وإزالة معوقاتها التى أولها منصبى بطبيعة الحال، وغالبية الشعب الليبى يعلمون هذا».
يضيف القذافى: «من ناحيتى كمواطن، أؤكد لكم أننى علمت بالمسيرة من الإذاعة كما فوجئتم أنتم، وبالرغم من أنها مسيرة خير وشرف، وأن دوافعها هى عين الدوافع التى حركتكم فى طريق الثورة، وكلفتكم كل وقتكم طيلة السنين الطويلة الماضية وحتى الآن، جهادا لتحقيق أهداف ذلك الجهاد الذى كنتم الرواد المعلمين لنا فيه، وبالرغم من هذا كله، فإنى أضم صوتى لصوتك ونقدر ما تقدرون، حيث إننى يا سيادة الرئيس خالى المسؤولية، فلا أملك الآن إلا أن أوجه ندائى العاجل كمواطن إلى كل المواطنين الشرفاء فى المسيرة الوحدوية أن يكونوا حماية وجندا لها، وأن يتقيدوا بأوامركم باعتبارهم طلائع وحدوية لها التزام أخلاقى ولها ضبط الجنود.. جنود هذه الأمة وحماتها».
انتهى الحدث يوم 21 يوليو 1973، بوصول ممثلى قيادة المسيرة إلى القاهرة، لتسليم الوثيقة المكتوبة بالدم الداعية للوحدة، وتذكر الأهرام يوم 22 يوليو، أن المسيرة عادت من مرسى مطروح إلى ليبيا، وبدأت تحركها فى الساعة الرابعة صباحا، وتضيف: «كانت إذاعة برقية القذافى، التى دعا فيها إلى الالتزام بتعليمات القيادة المصرية، وإعلان نبأ استقالته عاملا حاسما فى عدول المسيرة عن مواصلة طريقها إلى القاهرة».