منذ بداية عام 2022، تشهد الأوساط الأدبية والأكاديمية، وتحديدًا فى دول المملكة المتحدة، حالة من الجدل، بشأن بعض الدعوات التى تطلقها إما حركات أو جامعات تطالب بمنع دراسة بعض أعمال رموز الأدب الكلاسيكى، أمثال الإنجليزى ويليام شكسبير، والأيرلندى جوناثان سويفت، جين أوستن، والفرنسي موليير، أو أعمال رواد الفكر والتنوير من رموز الفلسفة أمثال هيوم وكانط وجورج فريدريش هيجل وجون لوك.
أولى هذه الدعوات، كان مبررها الأساسى، هو معاقبة روسيا، بسبب حربها مع أوكرانيا، فبعدما بدأ الأمر بالعقوبات الاقتصادية، امتدت إلى المجال الرياضى، ومن ثم إلى الأدب الروسى، حينما قررت جامعة ميلانو بكوكا الإيطالية منع تدريس أدب الكاتب الروسى الشهير فيودور دوستويفسكى، تضامنًا مع أوكرانيا، وهو ما أثار جدلاً بين الأوساط الثقافية فى أوروبا، وبخاصة بريطانيا، بعدما أعلن عدد من المثقفين والسياسيين غضبهم، معتبرين أنه ليس هناك علاقة بين دوستويفسكى والغزو الروسى لأوكرانيا، الأمر الذى دفع إدارة الجامعة إلى التراجع عن قرارها، بعد أن وصفه برلمانيون بريطانيون بأنه نوع من الجنون.
لكن الأمر تطور بعد ذلك، وأخذ بعدا آخر، بعدما أصدرت الجامعة المفتوحة، فى المملكة المتحدة، أصدرت تحذيرا للمدرسين والطلاب، بشأن قراءة مجموعة محددة من أشهر الأعمال الكلاسيكية فى تاريخ الأدب العالمى، حذرت فيه طلاب الجامعة من قراءة هذه الأعمال بزعم الخوف على مشاعرهم من قراءة مشاهد أو نصوص تتعلق بأشكال متنوعة من الخوف.
وتمثلت هذه المخاوف من أعمال الأدبية التى ذكرتها "ديلى ميل" وهى: "هاملت" لأيقونة الأدب الإنجليزى ويليام شكسبير، و"رحلات جاليفر" للأيرلندى جوناثان سويفت، و"إقناع" للإنجليزية جين أوستن، والليالى العربية للكاتب الفرنسي موليير.
وتعليقًا على مزاعم الجامعة المفتوحة فى المملكة المتحدة، وصف بعض النقاد هذا التحذير، حسبما ذكرت "ديلى ميل" بأنه "ذروة الغباء"، وذلك لأن الجامعة فى تحذيرها ذكرت أنها تخشى من تأثير أشكال العنف الذى قد يسبب "صدمة" للطلاب، بينما علق النقاد بأن هذا التحذير يحرم الطلاب من اكتشاف بعض الكنوز الأدبية في العالم.
وفى المقابل، قال فرانك فوريدي، الأستاذ الفخري لعلم الاجتماع بجامعة كنت: "بصرف النظر عن غباء استخدام هذه التحذيرات، فإنها تتعارض بشكل مباشر مع الرحلة الأكاديمية التي تنطوي عليها قراءة الأدب. يجب أن تكون قراءة الأدب رحلة استكشافية حيث يستجيب الطالب لمحتواه بطريقة شخصية.. مثل هذه التحذيرات تقصر رحلة الاكتشاف الفكري هذه".
وعلى الجانب الآخر، قال متحدث باسم الجامعة المفتوحة: "نريد أن يستمتع طلابنا بدراسة هذه الروايات الكلاسيكية، ولهذا نقوم بتعليمهم. لن يكون لدى معظم الطلاب أية مخاوف، ومع ذلك، فقد يكون من بينهم عدد قليل قد عانى من صدمة في الماضي وقد يستفيد من تحذير مسبق. مع وضع هؤلاء الطلاب في الاعتبار، نعتقد أنه من المنطقي وضع علامة على بعض محتوى الدورة التدريبية والعمل معهم حتى تتاح لهم أيضًا فرصة الوصول إلى هذه النصوص الكلاسيكية".
وردًا على هذه المزاعم، رأى كاتب السيرة والناقد الأدبي أندرو ليسيت، بأن التحذيرات قد تأتي بنتائج عكسية على الجامعة، وعلى الطلاب أيضا، وبالتالى فمثل هذه التحذيرات تضر أكثر مما قد يتوقع البعض أنها تنفع.
وفى تطور آخر، ومغاير لدعوات منع قراءة أعمال الأدباء، أو رموز الفكر، أطلقت جامعة نوتنجهام ترنت Nottingham Trent University والتى يعود تاريخ إنشائها إلى عام 1843، تحذيرا للطلاب بشأن دراسة بعض أعمال رواد الفلسفة والفكر، بسبب ما وصفته بالآراء "المروعة" المتعلقة بشأن العرق.
وحذرت الجامعة الطلاب الذين يدرسون أعمال كتاب مثل ديفيد هيوم، وإيمانويل كانط، وجون لوك، قبل قراءة ما تسميه الجامعة بمؤلفى "التنوير المفترض"، وقالت الجامعة حسبما ذكرت صحيفة "ديلى ميل" البريطانية، إن هناك مخاوف بشأن "العنصرية العلمية" فى كتابات مفكرى عصر التنوير.
وقالت الجامعة فى بيان لها: "هناك تحذير مضمون عند استكشاف بعض أعمال علماء التنوير المفترضين الذين لديهم بعض الآراء المروعة حول "العنصرية العلمية". كان التنوير فترة ثورية للأدب والفلسفة فى القرنين السابع عشر والثامن عشر والتى تحدت معايير وقيم الدين والملكية الراسخة.
وذكرت الصحيفة فى تقريرها أن الفلاسفة أمثال هيوم وكانط وآخرين يُنسب إليهم الفضل فى الأفكار الحديثة الرائدة حول الأخلاق والحرية الفردية، لكن التوجيه الجديد من جامعة نوتنغهام ترنت يستهدف أمثال هيوم وكانط وجورج فريدريش هيجل وجون لوك.
وفى السنوات القليلة الماضية، عكفت حركة Black Lives Matter على دراسة أعمال هؤلاء الفلاسفة، ووجهت انتقادات إليهم، من بينهم الفيلسوف الليبرالى جون لوك، الذى يُنسب إليه الفضل فى إلهام الدستور الأمريكي، وذلك بعدما ثبت استثماره فى شركة رويال أفريكان لتجارة الرقيق.
كما أدين الألمانى إيمانويل كانط لاقتراحه تصنيف الأجناس التى تفضل الأوروبيين البيض. كما تم تضمين المحامى ضد تجارة الرقيق والمفكر الفرنسى فولتير فى وثائق نوتنجهام ترنت.
وتُستخدم تحذيرات المحتوى عادةً لتحذير الطلاب بشأن المواد الحساسة أو المزعجة. ومع ذلك، فقد أدانت شخصيات أكاديمية بارزة استخدامها فيما يتعلق ببعض أعظم مفكرى التاريخ على أنها "منحرفة" ومعيبة بشكل خطير.
وقال المؤرخ الاسكتلندى الأعلى السير توم ديفين لصحيفة The Telegraph إن هذا مثال آخر على كيفية وقوع بعض جامعات المملكة المتحدة فى فخ المفارقة التاريخية الوقحة من خلال تشجيع الطلاب على الحكم على الأفراد فى الماضى وفقًا للمعايير والقيم الأخلاقية الحالية.
وأضاف: هذه المبادرات فى طريقها لتزويد الطلاب الجامعيين بتدريب وخبرة فكرية معيبة بشكل خطير. وتقع على عاتق أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، وخاصة فى العلوم الإنسانية والاجتماعية، تحدى هذه السخافات فى كل منعطف.