عنبر واسع محكم الإغلاق.. صناديق زجاجية تشبه التوابيت الصغيرة متراصة بشكل هندسى.. لحوم حمراء ساكنة داخل الصناديق.. أجهزة طبية وأنابيب تخرج منها خراطيم رفيعة تخترق الجلد الرقيق لأجسام لا تزال قيد التكوين.. إنها حضانات الأطفال.
بعد 9 أشهر من الأمل يحياها الزوجان، حالمين بمولود يملأ حياتهما سعادة وبهجة وطموح فى غدٍ أفضل وأكثر إشراقاً مع حلول ضيف جديد للدنيا، تتحول كل تلك الأحلام والطموحات إلى واقع مأساوى، مع حديث طبيب الولادة عن حاجة المولود لحضانة عاجلة لعدم اكتمال أجهزته الداخلية.
فى اللحظة التى تكون فيها الأم طريحة الفراش، تستكمل رحلة العلاج ما بعد عملية الولادة، يبدأ الوالد رحلة شقاء طويلة للبحث عن صندوق زجاجى شاغر داخل إحدى الحضانات لاستضافة مولوده الصغير، الذى لم يستكمل مراحل نموه الطبيعية داخل رحم أمه.
بعد رحلة طويلة من البحث لا يجد الأب المسكين أمامه سوى 3 حلول، الأول النجاح فى الحصول على مكان شاغر فى إحدى الحضانات الحكومية المدعمة، وهذا أمر من وحى الخيال، الثانى حجز مكان داخل حضانة خاصة تصل سعرها إلى 1000 لكل ليلة، وهذا الأمر محصور على القادرين وميسورى الحال، الأمر الثالث التسليم بقضاء الله وقدره، وهذا الحل هو السبيل الأفضل أمام الغالب الأعم من المصريين المعدمين.
لغة الأرقام لا تكذب، فى آخر إحصائية غير رسمية عن أزمة الحضانات فى مصر أكدت الدراسة أن 10% من الأطفال حديثى الولادة يحتاجون إلى حضانات، وقد تصل النسبة إلى 200 ألف طفل سنوياً، ومع نقص أعداد الحضانات، مع تزايد حالات الولادة، ترتفع حالات وفيات الأطفال فى مصر بشكل ملحوظ .
وكان الدكتور هشام شيحة، رئيس القطاع العلاجى بوزارة الصحة سابقاً، قد صرح بأن عدد الحضانات المتوفرة فى المستشفيات الجامعية وأمانة المراكز الطبية المتخصصة والطب العلاجى وهيئة المستشفيات والمعاهد التعليمية، والتأمين الصحى، حوالى 3689 حضانة، وتخدم 30 ألف طفل سنوياً، وهذا يدل على أن أكثر من 127 ألف طفل ليس لهم مكان فى الحضانات الحكومى.
مسئولون بالصحة أكدوا أن أزمة نقص الحضانات لا تقتصر على توفير المكان الشاغر، بل تتخطى ذلك إلى توفير الطاقم العلاجى المتخصص لمتابعة الحالات داخل الحضانات، لافتين إلى أن الشروط العالمية تطالب بضرورة توفير ممرضة خبيرة لكل حالتين داخل الحضانة، فى الوقت الذى نجتهد فيه لتوفير ممرضة واحدة لكل 8 حالات.
أى كارثة نواجهها إذا وقفنا عاجزين عن تقديم المساعدة لأب مكلوم يصرخ ويستغيث، لإعطاء قبلة الحياة لمولوده الذى خرج لحياة قاسية لا ترحم.. أى كارثة أكبر من الصدمة التى تلقيناها مع الكشف عن تفاصيل الموازنة العامة للدولة بشكل أكثر حدة بعد اعتماد موازنة الدولة للسنة المالية 2016 – 2017، والتى خفضت من مخصصات الصحة مليارين جنيه لتصل إلى 62 مليار جنيه.