قصد مصطفى النحاس باشا، رئيس الحكومة وزعيم حزب الوفد، القصر الملكى، قبل الموعد المحدد لتحرك موكب الملك فاروق إلى مجلس النواب لتأدية قسم تنصيبه ملكا، فى 29 يوليو، مثل هذا اليوم، 1937، حسبما يذكر النحاس فى مذكراته «ربع قرن من السياسة فى مصر»، تحقيق وإعداد، الكاتب الصحفى أحمد عز الدين.
يذكر النحاس: «ركبت ومررنا فى الطريق المرسوم، وكانت جموع الشعب تهتف «يحيا الملك مع النحاس» و«يحيا الملك مع الوفد»، فيما تؤكد الدكتورة لطيفة سالم فى كتابها: «فاروق وسقوط الملكية فى مصر 1936-1952»: «أحاطت جموع الشعب بالملك من كل مكان، تهتف بحياته دون تصنع أو مجاملة، كما شهد بذلك المعاصرون لهذا الحدث»، يذكر النحاس أنه رأى الامتعاض باديا على وجه الملك من هتافات «يحيا الملك مع النحاس» و«يحيا الملك مع الوفد».. يضيف: «لما وصلنا إلى البرلمان انتهزت الفرصة وأرسلت للجماهير المحتشدة فى الخارج أن تهتف للملك وحده، وحسب ما أظهرته من شعور نحو الوفد ورئيسه».. يؤكد، أنه استقبل قبل الاحتفال رئيس مجلس الشيوخ، ورئيس مجلس النواب، وعرضا عليه برنامج الاحتفال بتولى سلطته الدستورية والكلمات التى ستلقى، فاقترح أن يكتفى بكلمة رئيس الشيوخ، باعتباره رئيس المؤتمر، وأن يقدم الملك بعد ذلك لحلف اليمين التى نص عليها الدستور، ثم يهتف بحياة مصر ثلاثا، وحياة الملك ثلاثا، وينتهى الاحتفال عند هذا الحد.
يذكر الدكتور محمد حسين هيكل باشا، أحد أقطاب حزب الأحرار الدستوريين ورئيس تحرير جريدة السياسة فى الجزء الأول من مذكراته: «بدأ أعضاء البرلمان فى ملابسهم الرسمية يقبلون على دار مجلس النواب، فلما دوت المدافع مؤذنة بمغادرة جلالة الملك قصر عابدين، جعلنا فى البرلمان ننتظر مقدمه، ولما دخل جلالته وقف الجميع حتى أذن لهم بالجلوس، ثم أقسم اليمين الدستورية»، وتذكر لطيفة سالم مشهد التنصيب، قائلة: «دخل فاروق البرلمان وجلس على كرسى العرش، وأمسك بيديه اليسرى الصولجان، بينما وضع يده اليمنى على القرآن الكريم، وأقسم على احترام الدستور وقوانين الأمة، والمحافظة على استقلال الوطن وسلامة أراضيه».
تؤكد «سالم»، أن صيغة القسم أعطت للوفد اعتزازا بنفسه «إذ غمره إحساس الانتصار وتحقق ما سعى إليه، وهو أن يستمد الملك السلطة من البرلمان، خاصة أنه يصطبغ بالصبغة الوفدية».. تشير إلى أن الملك وجه كلماته إلى شعبه، وبدا فى صورة المنقذ والمخلص المنتظر، ووعده وعاهده على خدمته، وأراد أن يمس عواطفه، فأعرب عن أنه كان يود أن يصافح كل فرد منه ليعبر له عن حبه، ثم تمكن وبذكاء من أن يشير إلى أن إرادة الله ألقت على عاتقه فى هذه السن المبكرة عبء تبعات الملك والاضطلاع بالمسؤولية، وتلفت «سالم» النظر إلى أنه «لا بد أن يوضع فى الاعتبار تلك الترتيبات التى أعدها رجال القصر للحصول على الشعبية المتوهجة».
جاء التنصيب بعد التغلب على مشكلة عدم بلوغ «فاروق» السن القانونية لتوليه، وكانت 18 عاما.. يذكر الكاتب والمؤرخ محمد عودة فى كتابه «فاروق.. بداية ونهاية»:«كان هناك جيش من الفقهاء يقدم كل الفتاوى الدستورية، وكان هناك جيش مماثل من شيوخ الإفتاء مستعدين لتزييفها وتغليفها بأحكام من الدين، وتكاتف الاثنان وخرجا بفتوى أن عمر الملك «المسلم»، إنما يحسب بالسنين الهجرية، وبهذا الحساب، فإن جلالة الملك المعظم حفظه الله بلغ سن الرشد فى يوليو 1937 أى باختصار ما يقرب من سبعة أشهر، وقبلت الحكومة الفتوى».
يؤكد النحاس، أنه بهذه الفتوى الصادرة من الشيخ محمد مصطفى المراغى، شيخ الأزهر، بطلب من الملكة نازلى «أم فاروق»، أضيفت عدة شهور هجرية على سن فاروق ليصل إلى 18 عاما مواليد 11 فبراير 1920، ولم تعارض الحكومة الوفدية.. يكشف: «خاطبنى الأمير محمد على «رئيس مجلس الوصاية على العرش» فى الفتوى بشأن بلوغ الملك سلطته الدستورية، وقال: «إن هذا أمر خطير، وأن فاروق طفل لم ينضج، ولم يتعلم، ومن رأيى أن نرفع سن الرشد إلى 21 ميلادية، وذلك لمصلحة البلاد، ولكنى أجبته بأن هذا أمر نفذ ولا أريد أن أصدم هذا الشاب فى مستهل حياته حتى لا تحدث بيننا خلافات فى الرأى».
عاد النحاس باشا إلى القصر الملكى، وعندما استأذن فى الانصراف أشار الملك إلى أنه يريده، يذكر أن الملك قال له: «وقعت مرسوما ملكيا بتعيين على ماهر باشا رئيسا للديوان الملكى، ويهمنى أن تتعاونا فقلت: إن شاء الله، وخرجت وأنا أحدث نفسى بأن هذا أول الغيث، وفى المساء أرسلت استقالة الوزارة إلى القصر طبقا للتقاليد الدستورية».