في عملية نوعية ناجحة، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن سقوط زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري بعد غارة استهدفت منزلاً في العاصمة الأفغانية كابول، كان يأوي زعيم التنظيم وأفراد أسرته، لتكتب دوائر واشنطن الأمنية والاستخباراتية سطر نهاية الطبيب الذي نشأ بحى المعادي الهادئ، وانتهت رحلته صيداً ثميناً في شرفة منزلاً في الحي الدبلوماسي بالعاصمة الأفغانية كابول.
وفى إعلانه عن العملية الاستخباراتية، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن ، الذى لا يزال فى عزل بسبب إصابته بكورونا لكنه أدلى بالبيان علنا عبر شرفة البيت الأبيض: إن الناس حول العالم لم يعودوا بحاجة للخوف من القاتل الشرير، ولا تزال الولايات المتحدة تؤكد عزيمتها وقدرتها على الدفاع عن الشعب الأمريكي ضد هؤلاء الذين يسعون لإلحاق الأذى بها.
بايدن، الذي تعاني إدارته سلسلة من الإخفاقات في الداخل والخارج، وتسعي لاستثمار عملية تصفية الظواهري لجني مكاسب سياسية، تابع في كلمته: العدالة تحققت وهذا الإرهابى (الظواهري) لم يعد موجودا، موضحا أن أيمن الظواهرى تسبب فى مقتل العديد من الأمريكيين فى هجمات مختلفة.
وأوضح أنه وافق على عملية قتل زعيم تنظيم القاعدة فى أفغانستان أيمن الظواهرى لدوره فى عمليات إرهابية ضدنا. وأضاف بايدن أن عملية اغتيال أيمن الظواهرى تمت بدقة عالية، متابعا: سنواصل ملاحقة الإرهابيين حيثما وجدوا.
وتابع الرئيس الأمريكي: سنواصل مراقبة تهديدات القاعدة من أى مكان أتت، وقدمت وعدا للشعب الأمريكى بمواصلة مكافحة الإرهاب فى أفغانستان وخارجها وهذا ما نفعله.
وقال جو بايدن، إنه بعد الاطلاع على المعلومات أعطيت الإذن بالقضاء على أيمن الظواهرى، مشيرا إلى أن زعيم تنظيم القاعدة كان يختبئ مع أفراد من عائلته فى العاصمة الأفغانية كابول.
واستطرد، سنواصل ملاحقة ومراقبة تنظيم القاعدة فى أفغانستان، ولن نسمح لأفغانستان أن تكون ملاذا للإرهابيين.
بلكونة الحي الدبلوماسي كلمة السر
وسردت وسائل الإعلام الأمريكية تفاصيل سقوط الظواهري. وقالت وكالة أسوشيتدبرس إنه فى الوقت الذى كانت فيه الشمس تشرق فى العاصمة الأفغانية كابول يوم الأحد، أطلقت طائرة درون أمريكية صاروخية لينهيا حياة أيمن الظواهرى، وتنتهى معه دورا استمر نحو عقد من الزمان كزعيم لتنظيم القاعدة. لكن بذور تلك العملية التي شنتها الاستخبارات الامريكية، قد تم بذرها على مدار عدة أشهر.
وصمم المسئولون الامريكيون نموذجا لمخبأ الظواهرى، وجلبوه إلى غرفة إدارة الأزمات فى البيت الأبيض لعرضه امام الرئيس جو بايدن. وكانوا يعرفون أن الظواهرى يميل للجلوس فى شرفة المنزل. وكان هذا الأساس الذى تم به استهداف زعيم القاعدة.
وقام المسئولون الامريكيون ببناء نمط حياته بشق الأنفس، على حد وصف أحدهم، وكانوا واثقين أنه فى الشرفة عندما انطلقت الصواريخ.
واستقرت عائلة الظواهرى، التي حظت بدعم من شبكة حقانى طالبان، فى المنزل بعد أن استعادت طالبان السيطرة على أفغانستان العام الماضى بعد انسحاب القوات الأمريكية.
لكن الدليل على مكان وجوده لم يكن سوى الخطوة الأولى. فقد تطلب الامر أشهر لتأكيد هوية الظواهرى ووضع خطة للضربة فى مدينة مزدحمة حتى لا يتعرض المدنيين للخطر، وضمان أن العملية لن تتسبب فى انتكاسة لأوليات أخرى للولايات المتحدة. وتضمنت تلك الجهود فرقا مستقلة من المحللين توصلوا إلى استنتاجات مماثلة حول احتمالية وجود الظواهرى ودراسات هندية للمبنى لدراسة المخاطر والتوصية بالأجماع من قبل مستشارى بايدن للمضى قدما فى العملية.
وأمر بايدن بما وصفه المسئولون غارة جوية مخصصة، مصممة بحيث لا يدمر الصاروخان سوى شرفة المخبأ الذى ظل فيه الظواهرى لعدة أشهر.
من ناحية أخرى، قالت شبكة سى إن إن الأمريكية إن الضربة التي قتلت الظواهرى كانت نتاج أشهر من التخطيط السرى للغاية من قبل بايدن، ودائرة مصغرة من كبار مستشاريه. ومن بين الاستعدادات إعداد مسئولي الاستخبارات نموذج مصغر للمنزل الذى يختبئ فيه الظواهرى ووضعه داخل غرفة إدارة الأزمات كى يفحصه بايدن أثناء مناقشة رأسه.
وتم إطلاع بايدن على المعلومات الاستخباراتية الخاصة بمكان الظواهرى فى إبريل الماضى، وكان المسئولون الامريكيون يعلمون أن هناك شبكة تدعم الزعيم الإرهابى فى العاصمة الأفغانية كابول على مدار أشهر، واستطاعوا تحديد هوية زوجته وابنته وأطفالها من خلال العديد من خلال العديد من مصادر المعلومات الاستخباراتية.
وقالت الشبكة إن نساء الظواهرى استخدموا أدوات هدفها منع أي أحد من تتبعهم للوصول إلى موقع الظواهرى فى الحى الذى يختبئ فيه فى كابول. ولم يغادر الظواهرى نفسه المنزل منذ وصوله إليه فى وقت سابق هذا العام.
وبعد شهر من التتبع، بدأ المسئولون الأمريكيون فى تأسيس نمط الحياة داخل المنزل، بما فى ذلك ظهور الظواهرى على فترات متقطعة بشرفة المنزل.
ومع مواصلة مراقبة أنشطته، بدأت جهود أخرى فى سرية تامة لتحليل هيكل وبناء المنزل، وكان الهدف هو عملية لاستهداف الإرهابى الأول فى العالم دون هدم هيكل المبنى. وكان بايدن وفريقه يسعون لتجنب وفاة مدنيين بمن فيهم عائلة الظواهرى التي تعيش فى المبنى. ونتم الاستعانة بمحللين مستقلين من الحكومة فى تحديد هوية ساكنى المنزل الآخرين.
وكان بايدن يخشى أيضا أن العملية قد تؤثر على الجهود الامريكية لتأمين استعادة مارك فريتشز، الرهينة الأمريكى المحتجز فى أفغانستان منذ أكثر من عامين. وقال أحد كبار مسئولي الإدارة إن بايدن ضغط على فريقه من أجل التخفيف من المخاطر لهذه الجهود، على جانب المحاولات المستمرة لتحديد مكان الأفغان الذين ساعدوا الولايات المتحدة خلال الحرب.
وخلال شهرى مايو ويونيو، ظل بايدن يتابع التطورات. وفى الأول من يوليو، اجتمع مع كبار مسئولي الأمن القومى فى غرفة الأزمات بالبيت الأبيض لتلقى إحاطة عن العملية المقترحة، وكان الموجودون مع بايدن مدير السى أي إيه بيل ررنز ومديرة الاستخبارات الوطنية أفريل هاينز ومستشار الأمن القومى جيك سوليفان ونائبه جون فينر.
وعند عرض نموذج المنزل على بايدن، سأل الرئيس الأمريكي عن الكيفية التي يمكن أن تضىء بها الشمس المنزل، وما هي مواد البناء المستخدمة فيه وكيف يمكن أن يؤثر الطقس على أي عملية، بحسب ما قال المسئولين. وطلب بايدن وفريقه مزيد من المعلومات عن تخطيط المبنى وكيف يمكن أن تؤثر الضربة فيه.
وفى 25 يوليو، وأثناء بقائه فى العزل دخل البيت الأبيض لإصابته بكورونا، جمع بايدن فريقه مرة أخرى لتلقى إحاطة نهائية. ومجددا سأل بايدن أي خيارات إضافية من شأنها أن تحد من خسائر بين المدنيين، وسأل عن وضع الغرف خلف النوافذ والأبواب فى الطابق الثالث، وما الأثر المحتمل الذى ستتركه الضربة.
نشوة الديمقراطيين
واحتفل الديموقراطيون فى الولايات المتحدة بمقتل الظواهرى، وقى مقدمتهم الرئيس الأسبق باراك أوباما، الذى قال إن قتل زعيم تنظيم القاعدة الإرهابى دليل على أنه من الممكن استئصال الإرهاب دون الدخول في حرب بأفغانستان. وكتب أوباما في تدوينة على موقع (تويتر)، "بعد أكثر من عشرين عامًا على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تم أخيرا تقديم أحد العقول المدبرة لهذا الهجوم الإرهابي وخليفة أسامة بن لادن كزعيم للقاعدة - أيمن الظواهري - إلى العدالة"
وقال رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الديمقراطى مارك وارنز إن القاعدة كانت مسئولة دائمة عن هجمات وحشية ليس فقط فى الولايات المتحدة ولكن فى آسيا وأفريقيا وأوروبا. وأشاد بجهود ضباط الاستخبارات ورجال وساء الجي لإسقاط واحدا تحقيق العدالة بحص واحد من آخر القادة الباقين بعد 21 عاما من هجمات سبتمبر الإرهابية.
وقال وزير الدفاع الامريكى الأسبق روبرت جيتس فى بيان إن مقتل الظواهرى هو تذكير قوى للإرهابيين فى كل مكان بأنهم لو قتلوا الأمريكيين أو هاجموا أمريكا، ومهما يمر الوقت، فإن الولايات المتحدة ستجدهم وتقدمهم للعدالة. وأضاف: تهانينا وامتنان دائم لمحاربى بلادنا فى الظل.
وقال السيناتور الديمقراطية إليسا سلولتكين إن استهداف أحد كبار القادة لا ينهى قدرة تنظيم ما على الهجوم، لكنه يبعث برسالة بأنها فى حين أن الأمر قد يستغرق سنوات، إلا أننا لا نسى هؤلاء الذين هاجونا. وهنأت الرئيس بايدن لاتخاذ القرار وهنأت فريق الأمن الوطنى على نجاحه.
كما هنأ السيناتور الجمهورى البارز ليندسى جراهام إدارة بايدن وكل الأمريكيين المشاركين فى العملية الناجحة لقتل الظواهرى. وقال إن هذا حدث هام فى الحرب على الإرهاب، وأضاف أن كل المشاركين بعثوا برسالة قوية بأن أمريكا لا تنسى أبدا.
فيما قال السيناتور الجمهورى تيد كروز إن كل الأمريكيين سيتنفسون بارتياح أكثر اليوم بعد ان عرفوا ان الظواهر زعيم القاعدة ققم تم القضاء عليه. وضاف أن هذه الضربة سنبغى ان تكون رسالة للإرهابيين قريبا وبعيدا، بانهم لو تأمروا لقتل الأمريكيين، فإننا سنعثر عليهم ونقلتهم.
وقال زعيم الأقلية الجمهورية بمجلس النواب كيفين مكارثى إن البيت الأبيض بحاجة لإطلاع الكونجرس على ما إذا كانت القاعدة تستخدم أفغانستان كملاذ أمن لارتكاب عمليات إرهابية.
دفعة لبايدن فى عام الانتخابات النصفية
ويرى بعض المحللين أن نجاح الولايات المتحدة فى تصفية الظواهرى من شأنه أنه يعزز من حظوظ بايدن والديمقراطيين فى الفترة المقبلة، وقبل ثلاثة أشهر فقط من موعد إجراء الانتخابات النصفية، حيث يسعى حزب الرئيس إلى حصد انتصارات سياسية فى ظل تراجع شعبية الرئيس وتوقعات بخسارة الديمقراطيين لأغلبيتهم فى مجلسى الشيوخ أو النواب أو أحدهما. وعلى الرغم من أن قتل الظواهرى قضية تتعلق بالسياسة الخارجية، التي عادة لا يكون لها تأثير كبير على الانتخابات النصفية التي تتعلق أكثر بقضايا الاقتصاد والداخل، إلا أنها قد ترفع شعبية بايدن التي تعانى من تراجع شديد على مدار الأشهر الماضية.
طالبان تدين
من جانبه، قال المتحدث باسم الحكومة الأفغانية، إن القوات الأمريكية استهدفت منزلا في الحي الدبلوماسي وسط كابول بطائرة مسيرة، كما ندد المتحدث باسم الحكومة الأفغانية، بالهجوم الأمريكي واعتبره انتهاكا صريحا لسيادة البلاد.
وقال المتحدث باسم طالبان فى سلسلة من التغريدات إن ضربة جوية تم تنفيذها فى مبنى سكنى فى منطقة شيفور فى مدينة كابول فى 31 يوليو. وقال إن طبيعة الحادث لم تكن واضعة فى البداية، إلا أن أجهزة الامن والاستخبارات تحقق فى الحادث وحددت النتائج الأولية ان الضربة تم تنفيذها بطائرة درون أمريكية.
وأدان المتحدث بشدة الهجوم بأى ذريعة، ووصفه بالانتهاك الواضح للمبادئ الدولية ولاتفاق الدوحة.
وقال محلل فى شئون مكافحة الإرهاب لشبكة سى إن إن، إنه من المستحيل ان يتواجد الظواهرى فى كابول بدون دعوة ومعرفة على الأقل عدد قليل من أعضاء طالبان، سواء من شبكة حقانى أو أي جزء آخر من الجماعة. ووصف المحلل، الذى لم تذكر الشبكة اسمه، الضربة بأنها محركة لطالبان فى الوقت الذى كانوا يزعمون فيه أنه لا يوجد مقاتلين أجانب فى أفغانيتان ولا يوجد عناصر من القاعدة.
والقضية المثارة حاليا الآن هي من سيكون خليفة الظواهرى، فالرجل الثانى فى القاعدة الآن هو سيف العدل.
طبيب الدم والنار
ينحدر أيمن الظواهرى من عائلة متوسطة، حيث مارس مهنته كطبيب قبل أن يتبنى الفكر المتشدد. وبعد مقتل أسامة بن لادن خلفه في زعامة تنظيم القاعدة، حيث كان عقل التنظيم المدبر ومؤسس استراتيجياته.
وولد أيمن محمد ربيع الظواهري في ضاحية المعادي بالقرب من العاصمة المصرية القاهرة في 19 يونيو من العام 1951.
وكان والد الظواهري طبيبا معروفا وجده إماما، ويأتي انخراط الظواهري الابن في المجتمع الإسلامي في سن مبكرة، حيث نشر العديد من الكتب عن الأصولية الإسلامية التي كانت بالنسبة للكثيرين رمزا للحركة الإسلامية المتطرفة.
وكانت المرة الأولى التي سمع فيها العالم عن أيمن الظواهري عندما وقف في قفص بقاعة المحكمة بعد اغتيال الرئيس المصري أنور السادات العام 1981.
حينها أعلى الظواهري صوته إلى جانب المتهمين الآخرين الذين أغضبهم اتفاق السلام الذي أبرمه السادات مع إسرائيل، بالقول إنهم "ضحوا ومستعدون لمزيد من التضحيات حتى انتصار الإسلام".
وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات بتهمة حيازة سلاح دون سند من القانون، لكنه بُرئ من التهم الرئيسية.
وذهب الظواهري، الذي درس الجراحة ليكون أحد الأسماء المستعارة له "الطبيب"، إلى باكستان عند إطلاق سراحه حيث عمل مع الهلال الأحمر في علاج الإرهابيين الجرحى في أفغانستان الذين كانوا يقاتلون القوات السوفيتية.
وفي العام 1999 حكمت محكمة عسكرية مصرية غيابيا على الظواهري بالإعدام بينما كان يعيش إلى جانب بن لادن الذي ساعده في تشكيل القاعدة. وكان واحدا من خمسة موقعين على "فتوى" بن لادن التي تدعو لشن هجمات ضد الأمريكيين.
ولقي أيمن الظواهري حتفه فجر الأحد في كابول بعد عملية تعقب استمرت لسنوات، أطلق صاروخان من طائرة مسيرة أديا إلى مصرعه.