شخصيات ورموز مصرية كانت وما زالت مؤثرة، ولها صيت كبير، سواء على المستوى المحلى أو العربى والعالمى، أثرت وتؤثر فينا، فى مجالات كثيرة ومتنوعة سواء فنية أو علمية أو دينية أو اقتصادية أو سياسية وغيرها الكثير والكثير.
وتحرص «انفراد» على إعادة حكايات تلك الرموز وتاريخها المُضىء، وفى إطار حرص الدولة وتوجُهها بإحياء الهوية المصرية ورموزها، حفاظا على تاريخنا العريق وللاستفادة من تلك القصص المُلهمة، وتقديم القدوة الحسنة للشباب والأجيال القادمة، وذلك من خلال تناول بروفايل لأبرز الشخصيات المُتميزة فى مصر، أسبوعيا على صفحات «انفراد».
الشهيد الصائم المستشار هشام بركاتاسم النائب العام الأسبق سيظل خالدا وقتلته فى طى النسيان
لا خلاف على أن اسم المستشار هشام بركات النائب العام سيظل خالدا بعد استشهاده وهو صائم أمام مرأى ومسمع العالم، بينما طويت صفحة قتلته إلى الأبد فى طى النسيان بعد إعدامهم، ولن يكون ذكرهم حاضرا طالما لم يذكر اسم المستشار هشام بركات.
فى 7 نوفمبر 2013 عقب تولى المستشار الشهيد البطل هشام بركات النائب العام الأسبق منصبه بخمسة أشهر، تلقيت اتصالا منه حول قراره بتكليف المكتب الفنى للنائب العام بفحص ومراجعة حالات المحبوسين احتياطيا بمختلف أنحاء الجمهورية على ذمة قضايا العنف التى شهدتها البلاد والمتهم فيها أحداث وشباب وكبار السن، لتحديد موقفهم القانونى ومدى ضلوعهم فى ارتكاب الجرائم محل التحقيق، حرصا منه على مستقبل الطلبة العلمى والظروف الصحية للمسنين.
ظل المكتب الفنى للمستشار هشام بركات منذ عام 2013 وحتى عام 2015 يفحص حالات المحبوسين احتياطيا، حيث انتهى من فحص 4 آلاف حالة خاصة بطلاب فى مراحل مختلفة من التعليم وكبار السن الذين يعانون من أمراض مزمنة والتى تبعها صدور قرارات من النائب العام بالإفراج عن مئات الشباب الذين كانت أغلبيتهم من طلبة الجامعات المصرية وجامعة الأزهر، وكان آخرها تلك القرارات الإفراج عن 122 متهما فى 9 يونيو 2015.
يوم السبت الموافق 27 يونيو 2015 وبناء على اتصال مع المستشار هشام بركات توجهت إلى مكتب النائب العام للحصول معلومات حول الدفعة الجديدة التى سيتم الإفراج عنها من الشباب المحبوسين لكن لانشغاله طلب تأجيل اللقاء ليوم الاثنين، لكن القدر كان أسرع، وعرفت باغتياله على يد مجموعة طلبة انضموا لجماعة الإخوان وتحولوا إلى إرهابيين فى الوقت الذى كان النائب العام هشام بركات حريصا على حياتهم ومستقبلهم الدراسى.
عرفت المستشار هشام بركات فى عام 2009 حازما وحاسما حيث انتدب المستشار هشام بركات عام 2012 رئيسا للمكتب الفنى والمتابعة بمحكمة استئناف الإسماعلية، والتى مثلت نقطة انطلاق لإظهار حمايته ودعمه لاستقلال القضاء مهما كان الثمن، حيث رفض تدخل جماعة الإخوان الإرهابية فى الضغط على المستشار خالد محجوب، الذى كان يشغل وقتها رئيسا لمحكمة جنح مستأنف الإسماعيلية، لوقف نظر قضية هروب المساجين من سجن وادى النطرون، وحفظها بعدما كشفت الجلسات عن هروب قيادات الإخوان من السجون فى 2011 وعلى رأسهم محمد مرسى ومحمد بديع رغم توليهم سدة الحكم فى 2012.
ولعب المستشار هشام بركات دورا كبيرا فى تلك القضية فى ظل إصراره كرئيس للمكتب الفنى لمحكمة استئناف الإسماعيلية على توفير كل السبل للمستشار محجوب لنظر القضية وتحقيق طلبات المحكمة وتوفير المناخ الملائم لإتمام الفصل فى القضية.
فى صباح 22 يونيو 2013 عقب حجز المحكمة الدعوى للحكم، قام المستشار محجوب بمخاطبة المستشار هشام بركات، لتأمين المحكمة، خاصة بعد أحداث الشغب التى وقعت من الجماعات الإرهابية وقيامهم بالتعدى على المحكمة، حيث تم تأمينه منذ دخوله المحكمة وحتى عودته الى القاهرة.
وبعد تعيين المستشار هشام بركات نائبا عاما، لم يتمكن محجوب من تسليم القضية بمحكمة الإسماعيلية التى كانت محاصرة بسبب الظروف الأمنية فتوجه إلى المستشار هشام بركات، والتقاه بمكتبه لمدة 20 دقيقة والذى أحالها بدوره للنيابة المختصة.
فى نوفمبر 2012 أصدر الرئيس المعزول محمد مرسى الإعلان الدستورى، الذى بمقتضاه تمت إقالة المستشار عبد المجيد محمود النائب العام الأسبق من منصبه، وتعيين المستشار طلعت إبراهيم بدلا منه، لكن حكمت محكمة النقض ببطلان هذا التعيين وقضت بعودة المستشار عبدالمجيد محمود الذى استقال من منصبه بعد العودة، استشعارا منه للحرج فى إشرافه على التحقيقات بقضايا جماعة الإخوان الإرهابية بسبب الخصومة الناشئة بينهم جراء قرار عزله.
وفى عام 2013 بعد ثورة 30 يونيو تم انتداب المستشار هشام بركات، رئيسا للمكتب الفنى بمحكمة استئناف القاهرة، وبعد استقالة المستشار عبدالمجيد محمود اجتمع المجلس الأعلى للقضاء، فى 10 يوليو 2013 ووافق على ترشيح وتعيين المستشار هشام بركات نائبا عاما، ليسجل التاريخ اسمه كثالث نائب عام بعد ثورة 25 يناير ويمثل السابقة الأولى فى تاريخ القضاء المصرى، إذ منح المستشار عدلى منصور رئيس الجمهورية المؤقت السابق الحق لمجلس القضاء الأعلى فى اختيار النائب العام منتصرا لاستقلال القضاء.
منذ هذه اللحظة التى عين فيها المستشار هشام بركات فى منصبه لم يكن سبيله ممهدا، وكان طريقه وعرا منذ تحمله الأمانة ومسئولية الدعوى العمومية والدفاع عن حق المجتمع، فمحامى الشعب فى مواجهة الإرهاب والفوضى ومطالب بتحقيق القصاص العادل من الإرهابيين الذين نشطوا فى ارتكاب العمليات الارهابية بعد ثورة 30 يونيو بشكل كبير.
فى اليوم الأول للمستشار هشام بركات داخل مكتبه بعد توليه منصبه رسميا قال إن المسؤولية كبيرة وسيسعى لإجراء تحقيقات موسعة، من أجل الانتهاء من جميع القضايا المفتوحة، مؤكدا أن النيابة لا تألو جهدا فى مباشرة أعمالها كسلطتى تحقيق واتهام، وتعمل بحياد وتجرد من أجل الكشف عن الحقيقة وتطبيق القانون.
وأكد المستشار هشام بركات - فى هذا التوقيت - أن النيابة العامة تراعى التوازن بين حماية المجتمع من أخطار الإرهاب وبين ضمانات حقوق الأفراد.
القضايا التى باشرها النائب العام
العديد من التحقيقات فى قضايا الإخوان والإرهاب التى أنجزتها النيابة العامة تحت إشراف المستشار هشام بركات بدأت بتحقيقات موسعة فى الأحداث التى وقعت فترة حكم الإخوان ومنها الاعتداء على المتظاهرين امام قصر الاتحادية.
كما كلف بركات، المستشار عادل لسعيد النائب العام المساعد، بفتح تحقيقات عاجلة فى بلاغات سكان منطقة رابعة العدوية ضد المتظاهرين من أنصار المعزول محمد مرسى، وذلك لتهديدهم ونشر الفزع والرعب بين أبنائهم.
وفى 14 أغسطس 2013، أصدر هشام بركات أمرا بإنهاء الجرائم المرتكبة فى اعتصامى «رابعة والنهضة»، وقبل اغتياله بنحو 15 يوما، أمر بالتحقيق فى حادث اغتيال 3 قضاة بالعريش.
لم يكن مجهود النائب العام الأسبق فى هذه اللحظات الفارقة فى عمر مصر عقب ثورة 30 يونيو منصب على التحقيق فى قضايا الاخوان والإرهاب فقط بل كان متوازيا مع التحقيقات الجنائية، وأثبت عن حق مقولته «الجميع سواء أمام العدالة» فى عدد من القضايا أبرزها قضية أحداث استاد الدفاع الجوى، وإنهاء الجدل بسبب قضية سيدة المطار.
دوره فى تطوير منظومة العدالة
وحمل المستشار هشام بركات هموم المتقاضين فى مصر ورغب فى إصلاح المنظومة القضائية من خلال التحول الرقمى فى قطاعات النيابة العامة، حيث وقع فى يناير 2014 بروتوكول تعاون من شأنه تطوير منظومة العمل الرقمى كما أتاح قاعدة بيانات المتعلقة بأسباب ارتكاب الجرائم وعلاقة العوامل البيئية والبشرية بها.
وحصل النائب العام المستشار هشام بركات على موافقة محافظ القاهرة بمنح الساحة المواجهة لمبنى دار القضاء لاستخدامها كجراج لسيارات أعضاء الهيئات القضائية وذلك بعد تكرار العديد من العمليات الإرهابية بمحيط دار القضاء العالى.
محاربة الإرهاب بالقانون
المستشار هشام بركات أفزع قيادات الإخوان الهاربة خارج البلاد، فبعد استصدار نشرات حمراء من الإنتربول الدولى لضبط القيادات الهاربة، قام بإعداد مذكرات تتبع كإجراء قانونى تتخذه الدول لرصد تحركات الهاربين على ذمة قضايا جنائية خارج البلاد، والتى تسببت فى توقيف عدد من العناصر الإخوانية فى مطارات عدة بالخارج، من بينهم توقيف مذيع قناة الجزيرة أحمد منصور بمطار برلين.
وبمجرد صدور قانون الكيانات الإرهابية فى فبراير 2015، شكل المستشار هشام بركات مكتب النيابة العامة للكيانات الإرهابية لإعداد قوائم الإرهابيين والكيانات الإرهابية، وساهم ذلك فى إدراج تنظيم «أنصار بيت المقدس» على قائمة الكيانات الإرهابية فى 16 إبريل 2015.
قوانين تسبب اغتياله فى تعديلها
خلال جنازة الشهيد البطل هشام بركات فى 30 يونيو 2015 حضر الرئيس السيسى إلى مسجد المشير والتف حوله كبار وشيوخ القضاء فى مصر وطالبهم وقتها بضرورة تعديل قانون الإجراءات الجنائية للقصاص من الإرهابيين، مؤكدا أن يد العدالة الناجزة مغلولة بالقوانين لكننا سنعدل القوانين لنحقق العدالة فى أسرع وقت.
وتمكن المشرع من تعديل قانون الإجراءات الجنائية فيما يخص إجراءات الأحكام الغيابية واستدعاء وسماع الشهود، كما تم تعديل قانون حالات وإجراءات الطعن بالنقض بحيث أصبحت محكمة النقض محكمة موضوع فى الدرجة الثانية حال الطعن على الأحكام أمامها، كما صدر قانون مكافحة الإرهاب وتعديل قانون العقوبات.
محاولة اغتيال فاشلة
لم يكن استهداف النائب العام ومحاولة اغتياله هى الأولى قبل اغتياله فعليا بأربعة أشهر فى شهر يونيو 2015 حيث قامت الجماعة الإرهابية فى 2 مارس 2015، بمحاولة اغتيال فاشلة عندما انفجرت عبوة ناسفة أسفل مكتب النائب العام قامت الجماعة بزرعها بالتزامن مع وقت الذروة وخروج الموظفين بقصد إيقاع أكبر قدر من الخسائر البشرية.
ورغم ذلك لم ترهب هذه التفجيرات المستشار هشام بركات الذى ظل فى مكتبه، وقال إن الإرهاب لن يثنى رجال النيابة عن عملهم، وإن اختيار موقع الحادث أمام دار القضاء العالى، صرح العدالة والقلعة التى يحتمى بها الموطنون كان بقصد التأثير على رجال النيابة العامة والقضاة فى أداء رسالتهم.
اغتيال النائب العام
فى الثامنة والنصف صباح يوم 12 رمضان الموافق 29 يونيو من عام 2015، اغتيل المستشار هشام بركات وهو صائم، إثر تفجير بنحو 50 كيلو متفجرات استهدف موكبه بشارع عمار بن ياسر بمنطقة مصر الجديدة.
وتمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط الجناة الذين تبين أن معظهم طلاب فى جامعة الأزهر وانضموا وتشبعوا بالأفكار الإخوانية وحضروا اعتصام رابعة وصدرت لهم تعليمات من يحيى موسى الإرهابى الهارب والمتحدث باسم وزارة الصحة فى حكم الإخوان باغتيال النائب العام، حيث أعدوا برميلا مملوءا بالمواد المتفجرة التى تزن 50 كيلو ثم وضعه داخل سيارة والتى قاموا بركنها فى الشارع الذى يمر منه موكب النائب العام وحاولوا تفجيره يوم 28 يونيو 2015 لكنهم فوجئوا بقيام النائب العام بتغيير خط سيره فى هذا اليوم.
وطلب يحيى موسى تنفيذ عملية الاغتيال فى اليوم التالى حيث انتظروا مرور موكب النائب العام من منزله بمصر الجديدة إلى عمله بدار القضاء العالى، وما إن وصلت السيارة التى كانت تقل الشهيد البطل هشام بركات بجوار السيارة المفخخة، قام أحد الإرهابيين بالضغط على زر الانفجار حيث أحدث هذا التفجير موجة انفجارية شديدة أصابت البطل بنزيف داخلى.
تم نقل جسد الشهيد إلى مستشفى النزهة الدولى بمصر الجديدة لإجراء جراحات عاجلة له، وقامت أسرته وأعضاء النيابة العامة، بالتوجه إلى المستشفى للاطمئنان عليه لكن فاضت روحه الطاهرة إلى خالقها.
القصاص من قتلة النائب العام
قدم قتلة النائب العام للمحاكمة بعد اعترفات مسجلة بالصوت والصورة أمام محكمة جنايات القاهرة، التى قضت فى 22 يوليو 2017، بإعدام 28 متهما حضوريا.
وطعن المتهمون الحضور على الأحكام الصادرة ضدهم أمام محكمة النقض، التى قضت بتأييد حكم الإعدام على 9 متهمين وتخفيف على 6 متهمين إلى السجن المؤبد والبراءة لـ5 متهمين.
وفى 20 فبراير 2019 نفذت مصلحة السجون حكم الإعدام شنقا فى 9 متهمين.
تخليد اسم الشهيد
لا تبخل مصر على أبنائها الشهداء الذين ضحوا بحياتهم من أجل الوطن حيث تم إطلاق اسم المستشار هشام بركات على ميدان رابعة العدوية الذى اغتيل بجواره فى 16 يوليو 2015.
كما تم إطلاق اسم الشهيد هشام بركات على إحدى محطات مترو الأنفاق من المرحلة الرابعة للخط الثالث للمترو «النزهة 2»، بجانب إطلاق اسمه على مجموعة من المدارس فى عدد من المحافظات لتخليد اسم الشهيد.
وفى إبريل 2020 تم إطلاق اسم المستشار هشام بركات على كوبرى الطيران بمدينة نصر.
وفى أكتوبر 2021 منح الرئيس عبدالفتاح السيسى لاسم الشهيد المستشار هشام بركات وسام «وشاح النيل».
النائب العام بعد الشهيد
فى 19 سبتمبر 2015 أدى المستشار نبيل صادق النائب العام السابق اليمين الدستورية أمام الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية خلفا للمستشار الراحل هشام بركات بعد شهرين وعشرين يوما على اغتياله حيث تولى المستشار على عمران النائب العام المساعد قائم بأعمال النائب العام من الفترة من 30 يونيو وحتى 19 سبتمبر.