قبل الثانوية العامة أو بعدها، هناك دائما نقاشات ونصائح يطلقها البعض، من أصحاب الخبرات أو من المختصين فى هذا التخصص أو ذاك، وهو أمر اتسع بقدر اتساع منصات التواصل الاجتماعى، البعض يطرح أفكاره من باب الاقتراحات أو التوجيه، والبعض يقدم وجهة نظر حاسمة، من باب الحسم، وربما يكون الرأى الحاسم أسهل وأكثر راحة لطالب النصح، لكن الأمر معقد ويرتبط بتفاصيل واستعدادات، لدى كل طالب، خاصة أن الأمر يتعلق بالمستقبل وضمان حصول الشاب على طريق لحياته ومستقبله، هناك من يقول إن كليات القمة السابقة لم تعد كالسابق تضمن مستقبلا جيدا، ولهذا يرى أصحاب هذا الرأى أنه لم تعد كليات الطب والهندسة والصيدلة والأسنان كالسابق، والأفضل التخصصات الجديدة.
لكن الواقع أن المجتمع سيظل بحاجة إلى أطباء ومهندسين وصيادلة، بجانب التخصصات الحديثة والمتخصصة، كالتمريض والذكاء الاصطناعى والطاقة المتجددة، والاتصالات والتخصصات الفنية المتعلقة بالصناعة أو الإصلاح، والمجتمع الطبيعى يحتاج إلى المهندسين فيما يتعلق بالميكانيكا والكهرباء وأيضا إلى الفنيين القادرين على التعامل مع التكنولوجيا والتطور التقنى فيما يتعلق بصناعة وإصلاح السيارات والأجهزة الكهربية، فقد أصبحت كل التفاصيل فى الحياة مرتبطة بالبرمجة والذكاء الاصطناعى، نفس ما ينطبق على الطب الذى لم يعد مجرد كشف وعلاج لكن تحاليل وأشعة وأجهزة كشف تتطلب صيانة وإصلاح وهى تخصصات لم تكن موجودة من قبل، وتتطلب وجود مهن قادرة على التعامل معها، وتفتح مجالات عمل جديدة تدر عوائد وتفتح أبوابا لمشروعات صغيرة ومتوسطة، وبجانب مهنة الطب والهندسة هناك عشرات المهن المساعدة التى تدر أرباحا قد تتجاوز أرباح الطبيب نفسه، وهى تخصصات بعضها متاح فى الجامعات، والبعض الآخر فى معاهد وتخصصات فنية، ترتبط بالتعليم الفنى الذى تراجع على مدى عقود وتسبب مع الهجرة والسفر فى فراغ فى الكثير من المهن مع غياب التخصص والإتقان.
هذه التخصصات والمهن يمكن أن توفر فرص عمل توفر استقرارا وفرصة للترقى الطبيعى فى المجتمع، وهى أمور بعضها يتعلق باختيارات التعليم والبعض الآخر بعوامل أخرى ومهارات يمكن للخريج تحصيلها من كورسات أو دراسات أو تدريبات، وفى نفس الوقت فإن هذه العناصر يفترض أن تشغل خبراء التعليم، للتوصل إلى صيغ تمزج بين المناهج التعليمية والجانب العملى، مع أهمية وجود نقاش مجتمعى حول احتياجات سوق العمل وارتباطها بالتعليم، وربما يكون جزء من دور الجامعات والمجتمع المدنى طرح نقاش من هذا النوع، يتيح أمام المجتمع والطلاب خيارات متعددة، وبرامج للتأهيل، وهى مؤسسات ومنظمات موجودة بالخارج، دورها فتح المجال للتدريب والتأهيل، من خلال حاضنات تفتح أمام الشباب مجالات إضافية، حتى لخريجين من تخصصات غير مطلوبة، يمكن مع بعض التدريب أن تمنح الشاب فرصة إضافية.
لا توجد وصفة جاهزة، المجتمع يحتاج الطب والهندسة والاتصالات والذكاء الاصطناعى والزراعة والتسويق، بما يناسب عدد السكان المهم أن يختار الطالب ما يناسب قدراته ومهاراته، حتى يمكننا تجاوز نقطة يتكدس فيها خريجون بلا عمل، وتوجد وظائف بلا عناصر مناسبة، وهذا كله يتطلب نقاشا جادا يدعم تطوير وتحديث التعليم ارتباطا بتحولات عالمية وعلمية وتقنية، غيرت من شكل ومضمون سوق العمل والفرص.