وصل الأسطول المصرى إلى «الآستانة» بتركيا، يوم الأحد 14 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1853، وذلك بعد إبحار استغرق ثلاثة أسابيع من الإسكندرية، وكان على ظهره آلاف من القوات العسكرية المصرية البرية والبحرية، حسبما يذكر الأمير عمر طوسون فى كتابه «الجيش المصرى فى الحرب الروسية المعروفة بحرب القرم»، مشيرا إلى أن وصول الأسطول المصرى أحدث هزة وانشراحا لدى السلطات العثمانية، لأن هذا العتاد الذى أرسله «عباس باشا الأول» والى مصر سيكون عونا قويا لتركيا فى حربها ضد روسيا.
يذكر «طوسون» أسباب هذه الحرب بين روسيا وتركيا، قائلا، إن روسيا كانت تطمع بأنظارها إلى امتلاك الآستانة فى كل وقت وزمن كما يعلم ذلك الخاص والعام، وكانت كل فرصة ولو تافهة تسنح لها وتدنيها من قصدها، وهو شن غارة على تركيا لتقتطع منها شيئا من ممتلكاتها، وتصل بذلك إلى تحقيق بغيتها، لا تحجم عن انتهازها والانقضاض عليها.
أما السبب المباشر لهذه الحرب فيذكره «طوسون» قائلا: «تذرع قيصر روسيا «نقولا الأول»، بشجار نشب بين الرهبان على أثر انتزاع قسيس الإغريق المشمولين برعايته الروحية جملة أديرة لرهبان الأراضى المقدسة، فرفع هؤلاء شكواهم إلى السلطان عبدالمجيد، زاعمين أنهم مستظلون بحماية دولة فرنسا، فعين السلطان لجنة مؤلفة من فرنسيين وإغريق وكلفها التحقيق فى هذا النزاع، وتحت تأثير ضغط القيصر، أصدر السلطان عبدالمجيد فرمانا روعيت فيه مصلحة الإغريق، فشجع هذا العمل القيصر نقولا، فأرسل إلى الآستانة الأمير منتشيكوف، وأوعز إليه أن يطلب من الباب العالى الاعتراف بحماية القيصر لكافة المسيحيين الإغريق المقيمين فى الإمبراطورية العثمانية، فأبى الباب العالى إجابة هذا الطلب، وفى 5 مايو 1853 قدم منتشيكوف إنذارا نهائيا إلى الباب العالى ضمنه معنى هذا الطلب، فصمم على رفضه، وعلى ذلك أصدر القيصر نقولا أمرا لجنوده بالزحف والإغارة على إماراتى الدانوب، فاشتعلت نيران هذه الحرب.
يوضح «طوسون» علاقة مصر بهذه الحرب، ولماذا أقدمت على التدخل فيها بإرسال جنود ومعونات ومعدات؟ يذكر، أنه لما رأى السلطان العثمانى عبدالمجيد أن شبح هذه الحرب يهدد سلامة الدولة العثمانية وكانت مصر تتبعها، طلب من عباس الأول والى مصر أن يرسل نجدة من الجنود المصرية، فاشتمل الوالى وأمر بتعبئة أسطول مكون من 12 سفينة مزودة بـ642 مدفعا، و6850 جنديا بحريا بقيادة أمير البحر المصرى حسن باشا الإسكندرانى، وتعبئة جيش برى بقيادة الفريق سليم فتحى باشا مؤلف من 19 ألف و722 جنديا، هذا عدا ما أرسله الوالى بعد ذلك من الجنود والمال لمساعدة العثمانيين.
يضيف «طوسون»: «بدأت عملية تجهيز هذه القوات وحشدها فى ميناء الإسكندرية استعدادا للسفر، وقبل إبحارها قدم عباس باشا إلى الإسكندرية لاستعراضهم، وخطب فيهم حاثا على القيام بالواجب ليشرفوا بلدهم ويرفعوا رأسه ويشرفوا أيضا قدر أنفسهم»، يضيف: «واستغرقت رحلتهم هذه حوالى ثلاثة أسابيع لأن الأسطول رسا فى عدة مرافئ فى طريقه ليتزود بالماء والزاد، ووصل إلى الآستانة فى 14 أغسطس سنة 1853»، وفى أثناء الطريق توفى 20 نفسا، ووقع 300 فى مخالب المرض ولدى وصولهم انزلوا إلى البر وأدخلوا فى المستشفيات، وعندما وصلت هذه القوة استقبلها سعادة محمد على باشا، سر عسكر الجيش التركى، وسعادة محمود باشا، أمير العبارة البحرية التركية، وسعادة المشير محمد باشا قائد حرس السلطان.
يذكر «طوسون»: «بعد أن استراحت الجيوش المصرية من عناء السفر شرفها السلطان عبدالمجيد بزيارة وعرضه لها، ولم يحدث أنه شرف نفس جيوشه مطلقا بمثل هذا التكريم لا عند ذهابها للحرب، ولا عند عودتها منها، والفرح الذى شمل الجيوش المصرية لدى رؤية الخليفة جاوز كل حد، وأنساها جميع متاعب السفر ومشاقه، وأنعم السلطان على كل قائد من القواد بعلبة للتبغ مرصعة بالماس، وعلى كل ضابط وصف ضابط براتب شهر».
بعد إقامة حفلة هذا التكريم ببضعة أيام، تم توزيع الجيوش المصرية، ووفقا لطوسون: «نزلت الجيوش المصرية فى نقالات وأبحرت إلى وارنة، ومنها توجهت إلى حدود الروم إيلى، عند نهر الدانوب، وهناك وزعت ألويتها الثلاثة على مدينة سلسترة، وبابا داغ، وشملا، فذهب لواؤها الأول إلى مدينة سلستره، وكان هذا اللواء بقيادة اللواء إسماعيل باشا أبوجبل، وأقام هؤلاء الجنود فى هذه المدينة حصنا سمى طابية العرب، نسبة لمن أقاموه وهم المصريون، وأبلى كل لواء أحسن البلاء فى كل معارك هذه الحرب».