حكاية البيت العرايشى القديم بشمال سيناء.. تراث لايزال حاضرًا يحفظ ذكريات ومتعلقات الأجداد.. يُشيد من طين تجلبه السيول.. ويتكون من غرفة تجمع العائلة وفناء واسع مزروع بالفواكه والخضروات وفرن العيش.. صور

يعد البيت العرايشى المبنى من الطين ، أحد أهم مفردات الطبيعة والتراث فى مدينة العريش على ساحل شمال سيناء ، وتحتفظ شوارع مدينة العريش بـ " دور " طينة قائمة رغم مرور عقود من الزمن على بنائها، بعضها هجرها سكانها وبقيت ذكرياتهم على جدرانها ومتعلقاتهم بين أركان غرفها، وآخرين يتوارثون المعيشة فيها بكل بساطتها واريحيتها حتى اليوم. " انفراد " نقل من داخل هذه المنازل تفاصيل على لسان من عاشوا فيها ومن لا يزالون يشغلونها، وهى تبنى من حجر اللبن باستخدام مكونات الطمى الذى تنقله السيول من أعالي جبال سيناء لمجرى وادي العريش. ورغم تقادم الزمن وتصدع بعض الجدران، إلا انه فى كل بيت لا تزال واضحة مكونات غرفه الواسعة وغرف المعيشة وإعداد الطعام والاستقبال وغرفة تخزين الأعلاف والمؤن الغذائية ومكان الطهى. قال محمد عابد ، وهو شاعر شعبى من سكان مدينة العريش، واحد من سكن وعاش فى بيوت الطينة ان هذه البيوت كانت حتى سنوات قريبة تشكل كل مشهد العمران فى المدينة . أضاف انهم يطلقون عليه مسمى " البيت العرايشى"، تتميز انها بصف واحد من الغرف داخل حوش كبير تبنى وتشيد من حجر الطين المسقوف بجريد النخل واهم مكونات الغرف " المندره "، وهى غرفة الاستقبال و "الليوان" الذي يفصل كل بيت عن الأخر بزاوية قائمة والحوش وهو الفناء لكل بيت فيه تربى الطيور والاغنام، وفى أحد أركانه "البايكة " وهى مخزن العلف والحبوب ، والفرن المستخدم فى الطهى، ويتوسط البيت خزان المياه ويطلق عليه اسم " حاووز"،بينما باب الرئيسى واسع ويغلق باستخدام قفل يدوى من الخشب . وامام ماتبقى من منزل يحمل ذكريات طفولته وقف "هشام ابوعتلة " يسترجع ذكرياته فى البيت الذى عاش فيه مع اشقائه فى كنف والده وهو يشير لصورة لاتزال تتصدر جدران غرفة الاستقبال لولده وفيها مكوانت المجلس من الكليم الملون المصنوع من وبر الإبل . قال ابوعتله انهم هجروا " الدار" منذ سنوات وبقى مغلقا يحتفظ بمكوناته ، واشار لشجرة جميز ونخلة تتوسط فناء البيت بقوله إنها كانت من مفردات المكان وتحت ظلها يمارسون لهوهم فى الطفولة وجلساتهم عندما تقدم بهم العمر، وتابع وهو يشير لأوانى فخارية فى أركان احدى الغرف بقوله انهم كانوا يستخدمونها فى نقل الماء على ظهور الدواب وتخزينها اضافة لادوات اخرى من حبال مفتولة من ليف النخل تستخدم فى نقل قش القمح والشعير واللواح خشبية كبيرة كانت تستخدم فى درس الحصاد بعد جمعة. واوضح ان ما يميز البيوت الطينية القديمة انها كانت صيفا تحتفظ بأجواء رطبة بينما فى الشتاء دافئة ، واستطرد انه كلما يحن لتذكر الماضى يترك منزله الاسمنتى الذى يعيش فيه الأن ويزور بيت والده ويتذكر ماضيه . وبدورهم لايزال الشقيقين محمود وسعيد ابراهيم من ابناء عائلات قبيلة الفواخرية بالعريش،يحتفظان بكل مكونات بيت الطينة القديمة الذى عاشا فيه . قال محمود ان بيتهم يتكون من 14 غرفة وفى فنائه 24 شجرة زيتون وجوافة وبرتقاله، لافتا انه لا يزال بحالة جيدة وفيه تم حفظ كل مكونات والدهم من أدوات المعيشة بداية من الأثاث القديم وأدوات المطبخ و القهوة النحاسية وأدوات تستخدم لنقل المؤن على ظهور الإبل ، كما أنهم لا يزالون يستخدمون فرن العيش الطينى اى احد اركانه حتى اليوم بينما توجد الطاحونة وتسمى " الرحاه " لطحن القمح والشعير وغيرها ولكن توقف استعمالها . وتابع الحديث شقيقه سعيد بقوله انه لايزال يذكر التعاون بين الأهالى فى بناء البيوت وتسابقهم فى احضار المكونات وسقفه بالجريد المحمول على عروق الخشب . وفى سرد لقصة ومكونات بين الطينة العرايشى قال الباحث والكاتب حمدى نصر، ان الطين مادة أساسية في البناء متوفر في مجرى وادي العريش الذي تجري فيه السيول حاملة معها كميات كبيرة من الطين الذي تنحته من الهضاب التي تمر عليها عبر مئات الكيلومترات، وعقب توقف السيول وتكوّن البرك تجف بقايا المياه التي يكون قد ترسب ما بها من طين فتظهر طبقات طينية مختلفة السمك لكن كلها طين ناعم نقي، وتبدأ عملية البناء بتكويم كميات الطين في اكوام وجعلها على شكل دائرة منخفضة مستوى الوسط ولها حواف مرتفعة قليلا لحجز المياه التي يصبها المعلم داخل تجويف الكوم الذي يسمى مطينة، والطين المختلط بالماء يسمى لاصة ويدخل المعلم ومساعدوه الى وسط المطينة ويبدأ المشي والدوس فيها بأقدامه لطحن كتل الطين التي ماتزال متجمدة في قطع صغيرة او كبيرة، وتسمى هذه العملية يجبل الطين وتستمر عدة ساعات من اليوم، ثم يترك عجين الطين لعدة أيام يبقى فيها لينا ومحتفظا بمائه.. ثم تبدأ عملية دوس اخرى بالطريقة السابقة نفسها لكن مع رش كميات من التبن، وهو مخلفات حصاد محصول الشعير، ويتم الرش بالتساوي التقريبي في جميع اركان المطينة، وفائدة التبن انه يجعل قوالب الطوب أكثر تماسكا وقوة ومقاومة لاي مياه تسقط عليها او تتجمع حولها. وبعد يومين من رش التبن وخلطه في المطينة، يبدأ عمل الطوب بوضع الطين في قوالب خشبية يأت بها المعلم، وثابتة الابعاد بعرض 25سم، والقدر نفسه في الارتفاع اما الطول فحوالي 50 سم. لتتساوى احجام الطوب وكتلته. ويتم نشر الطوب بعد رفع القوالب الخشبية عنه على مساحة كبيرة وتركه ليجف ويتجمد، وبعد عدة أيام والتأكد من جفا ف الطوب وانه أصبح قويا جامدا يتم تجميعه في اكوام قريبة من مكان العمل حتى تسهل عملية تسليم الطوب للمعلم اثناء البناء. وتابع انه عندما ترتفع جدران الغرف الى المعدل المطلوب الذي لا يقل عن 6 أمتار يأتون بأعمدة طويلة من الخشب مربعة الحواف يضعونها فوق الجدران بالعرض تاركين مسافة يقدرها المعلم تكون في حدود مترين او اقل بين كل عمود واخر ، وهي اطوال جريد النخل المسحي أي منزوع السعف الذي يوضع فوقها بالتبادل فيكون راس الجريدة الرفيع بجوار اخر جارتها السميك والعكس، ويربطونه مع بعضه بالحبال المجدولة من ليف النخيل، ليكون أساسا للسقف، وفوق الجريد يضعون طبقة من القش الرفيع الخفيف ليمنع تساقط الطين اللين عند وضعه فوق الجريد، ويتم فرد هذه العجينة من الطين ليصبح السقف جاهزا بعد ان يجف، وهم يجعلون ميول السقف ناحية قاع الدار لتصب فيه المزاريب المصنوعة من الصفيح التي يثبتونها في السقف. واشار حمدى نصر ان بداية بناء البيت العرايشى تكون بحفر الأساس للسور الخارجي أولا على عمق لا يقل عن 75 سم، وبداية العمل في البناء تتطلب مطينة جديدة بالمواصفات السابقة تماما لاستخدام عجينة الطين في لصق الطوب بعضه ببعض. وقال ان مكونات بيت الطين الغالب في بيوت العريش القديمة وتسمى " دور " تتكون من عدة غرف حسب حاجة الاسر لان الدار الواحدة كان يسكنها الأب (الجد وزوجته) وأولادهم مع اسرهم فتكون الدار الواحدة لعدة اسر يعيشون في توافق تام تنعدم فيه مشاكل الاولاد الصغار على كثرة عددهم وتنوع ألعابهم واختلاف أوقات نشاطهم، ولكل اسرة عدة غرف حسب حاجتها وعدد افرادها، لذلك نجد بيوتا قديمة يصل عدد غرفها الى 12 غرفة او أكثر، وكل هذه الغرف متلاصقة وامامها فرندة مسقوفة مبنية من قوالب الطوب الاسمنتي الصغيرة. ويتوسط الغرف غرفة اسمها الليوان، وهي بثلاثة جدرا فقط، وتكون بمثابة غرفة الجلوس لأهل البيت والزوار المقربون، وامام الغرف والفرندة حوش بطول عدد الغرف ويختلف العرض من دار لأخرى، وان كان الغالب ان الحوش ويطلقون عليه محليا ( قاع الدار) متَسِع وفيه مُتَسَعْ للعب الأطفال علاوة على أنه مزرعة البيت، فغالب الدور القديمة كان في قاعها أشجار متنوعة منها: الزيتون، والليمون، ونخلة، وقد يكون معهم شجرة تين و جميز أما الخضراوات فتزرع في أحواض. ومنها الطماطم، والفلفل الحار الذي يعشقه أهل العريش، ومنهم من يزرع الباذنجان والكوسا ايضا. وخطوطاً للبقدونس والبصل. وقليل من الورود مثل عرف الديك المنتشر، وورد حسن يوسف، ونبتة الليف، وابصال السعد التي يستخدمونها في تطييب رائحة فم قلل الشرب الفخارية. والملاحظ ان كل الغرف في كل الدور القديمة مبنية على صف واحد، وكل أبوابها تتجه الى الناحية البحرية لتستقبل نسيم البحر صيفا وتكون اقل حرارة بفعل النسيم وبفعل الطوب اللبن الذي يمتص الحرارة ويصدها فيكون جو الغرفة رطب ولطيف نهارا وليلا وذلك لسمك الطوب وطبيعته فيكون جو الغرفة صيفا شبه مكيف. وكل غرفة بها شباك لا يقل عرضه عن متر وارتفاعه عن متر ونصف المتر ويكون مع الباب في الناحية البحرية من الجدار، وفي جدار الغرفة الخلفي وقريب من السقف طاقة مربعة الشكل اطوالها غالبا قرابة نصف المتر لتسمح بتجديد تيار الهواء القادم من باب الغرفة وشباكها وقد يوجد في الجدار الخلفي أيضا وبارتفاع مترين عن أرضية الغرفة تجويف بارتفاع متر ونصف وعرض متر، به عدة رفوف وله باب من ضرفتين ليكون دولابا مصغرا ، وهناك تجاويف صغيرة على ارتفاع مترين تقريبا في غرفة الليوان وتستخدم تلك التجاويف كرفوف لوضع بعض الأغراض ومنها لمبة الجاز للإضاءة ليلا. واشار انه على طرف قاع الدار المقابل للغرف يتم عمل غرفة لها وضعية خاصة أيضا، فطولها لا يقل عن 25 متر وعرضها عشرة أمتار، ولها بابين، واحد مواجه لمدخل الدار ويكون كبيرا يسمح بدخول الجمل بما حمل من خيرات الله وناتج المحاصيل الزراعية، وهذه الغرفة يسمونها البايكة، وهي للخزين بشكل عام، وللمحاصيل الزراعية ومخلفاتها بشكل خاص. كالشعير والقمح والذرة ومخلفاتها من تبن وقش. وعلى جانب البيت ومقابل الغرف يوجد مبنى مربع الشكل يسمونه المنافع وهو مبني بالقوالب الصغيرة من الطوب الاسمنتي، وتحتوي المنافع على حمامين الأول لقضاء الحاجة ويسمى الكنيف والمستراح وبجانبه حمام آخر للاغتسال، وبينهما أو أمامهم حوض عليه حنفية لغسيل اليدين، ومقابل الحمامات المطبخ ويكون متسعا ليشمل مكانا لعدة بوابير جاز تعمل في وقت واحد إضافة الى رفوف لوضع الأواني، ونمليه لحفظ الطعام وهي دولاب خشبي ابوابه من شبك السلك الناعم، وقريب من مبنى المنافع غرفة فرن الطينة وفي واجهتها فتحتان الأولى كبيرة وطولية وهي باب، والثانية شباك وكلاهما فتحات فقط بلا ضرف خشبية، وفي اخر هذه الغرفة فرن الطينة الذي كان لا غنى عنه لاي بيت عرايشي قديم، وأعلى فرن الطينة وعلى جانب من السقف فتحة لإخراج دخان نار الحطب، ويكون سطح هذه الغرفة مخزنا للحطب لاستخدامه عند تسوية الخبز. أما عجين الخبيز فيكون في المطبخ او تخصيص غرفة خاصة له. وتابع الحديث "سعيد امين "، احد المهتمين بجمع تراث مدينة العريش بقوله ان مكونات هذه البيوت هو السقف من خشب عروق أو ركايز أو جريد نخيل يوضع أسفله الليف لمنع تسلل الطين، وهذه تسمي التعسيف اي المحاره ، وتبني دكه لكبار السن وتسمي مصطبة ، وتوضع في جدار الغرف ما يسمى بالكوه وهي لوضع المصباح، ويبني الصفيف لوضع الطعام ، وحمايته من الرطوبة والملوحه .


























































































الاكثر مشاهده

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

;