بدأ الحديث عن التغيرات المناخية فى السبعينيات، لكن الأصوات كانت خافتة، ومع الثمانينيات من القرن العشرين، بدأت أصوات العلماء ترتفع وتحذر من تحولات فى الغلاف الجوى والتغيرات المناخية، ومع التسعينيات من القرن العشرين وجهت الطبيعة رسائل فى اتجاهات متعددة، فى صورة فيضانات وجفاف وأعاصير وحرائق فى الغابات وذوبان الجليد، ولم تلتفت الدول الكبرى إلى هذه الرسائل كثيرا، وإن كانت بدأت تتبلور خطوات عالمية لمواجهة التغيرات المناخية التى بدأت تفرض نفسها، وبالرغم من التوصل إلى اتفاقات، لكن ظل التنفيذ معطلا، حتى وصلت الأحوال فى الكرة الأرضية إلى واقع مرعب يتضاعف خطره كل يوم.
وعلى مدار السنوات الأخيرة، تواجه دول العالم موجات حر وجفاف غير مسبوقة، وواجهت دول غرب أوروبا وخصوصا إسبانيا والبرتغال وبريطانيا وفرنسا واليونان، ثانى موجة حر مصحوبة بحرائق مدمرة خلال شهر يوليو الماضى، ولا تزال مستمرة حتى الآن، وشهدت إسبانيا وقتها وفاة أكثر من 500 شخص بسبب موجة الحر، بينما انتشرت حرائق الغابات فى فرنسا، والتهمت الحرائق عشرات الآلاف من الهكتارات، وتم إجلاء مئات الآلاف من مناطق ملاصقة للحرائق، وما يضاعف من تأثيرات التغيرات المناخية هو وجود موجات جفاف فى الأنهار، ونقص للمياه فى دول مختلفة بالعالم، ونتيجة للجفاف الكبير الذى تعانى منه أوروبا، فقد انخفض منسوب المياه فى نهر الراين، وأدى إلى خفض حمولات السفن بنسبة 30%، ما يسبب تأثيرات أخرى على سلاسل النقل بجانب تأثيرات الحرب فى أوكرانيا.
وبسبب الجفاف، بدأت دول أوروبا إجراءات لقطع المياه، والترشيد، وإعادة استخدام المياه، تم منع استعمال الخرطوم فى بعض مناطق بريطانيا، وإسبانيا يتم قطع المياه لأربع ساعات يوميا، وفى الولايات المتحدة أعلنت إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن، تخصيص أكثر من 300 مليون دولار لتمويل مشروعات إعادة تدوير المياه على مستوى جميع الولايات، فى الوقت الذى تعانى فيه البلاد من أقسى موجة جفاف بسبب التغيير المناخى واختلاف درجات الحرارة، أدت حالات الجفاف الناجم عن استمرار الجو الحار وانخفاض هطول الأمطار فى مقاطعة جيانجشى بشرقى الصين، إلى تقليص أكبر بحيرة للمياه العذبة فى الصين، بحيرة بوهيانج، بنسبة 75%.
العالم كله أصبح يواجه التغيرات المناخية، بينما يستعد خلال شهور لانعقاد قمة المناخ «COP 27» فى شرم الشيخ، والتى ينتظر أن تكون أهم أحداث العام، لمواجهة خطر لم يعد من الممكن التساهل فى مواجهته، حيث ينتظر أن تصدر توصيات قابلة للتطبيق، تعالج التجاهل الذى مارسته الدول الصناعية الكبرى على مدار عقود.
فى عام 1995 بدأت دول العالم مفاوضات من أجل تعزيز الاستجابة العالمية لتغير المناخ، وفى عام 1997 اعتمد بروتوكول كيوتو بهدف خفض الانبعاثات الغازية، وكان المفترض أن يتم النظر فى اتفاق باريس عام 2020، لكن فى قمة جلاسكو تمت إثارة الأمر، ويعتبر اتفاق باريس «COP 21» هو أول اتفاق عالمى بشأن المناخ، وجاء بعد المفاوضات التى عقدت أثناء مؤتمر الأمم المتحدة 21 للتغير المناخى فى باريس 2015، و صدق عليه 195 من الوفود التى حضرت والهدف احتواء الاحترار العالمى، وتضمن وضع حد أدنى 100 مليار كمساعدات مناخية للدول النامية سنويا، وستتم إعادة النظر فى هذا الرقم فى 2025 على أقصى تقدير.
لكن منذ توقيع الاتفاق، لم تلتزم الدول الصناعية بهذه الخطوات، وصولا إلى واقع أصبح يفرض على العالم الانتباه إلى خطر على الأبواب، وربما يكون «COP 27» فرصة أخيرة للعالم والدول الكبرى، لعلاج آثار لم تعد خافية، وتظهر فى صورة فيضانات وحرائق وجفاف فى كل مكان.