المصريون يشوهون إبداعات الأجيال السابقة.. فى موسم واحد حولنا عبد الحليم لإعلان ملابس داخلية ورشدى وجاهين لإعلانات شركات محمول.. المقارنة بين الكلمات والألحان الجديدة والقديمة توضح أزمة فنية ضخمة

يبدو أن المصريين لم يكتفوا فى المرحلة الحالية بمجرد العجز عن استكمال تركة الإبداع التى ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، بل قرروا تشويه ما تركته تلك الأجيال السابقة، وطمس تفاصيله بلمسات من فوضى حاضرنا، حالة واسعة من الجدل أثارها تشويه التماثيل بداية من نفرتيتى وصولا لأسدين قصر النيل، ولكن لم يكتف أحفاد الفراعنة بتشويه الأشياء الملموسة واستكملوا تشويه التراث الفنى والأغانى الطربية الأصيلة من أغانى محمد رشدى وسيد مكاوى وصلاح جاهين وأحمد عدوية وحتى مونولوجات ثلاثى أضواء المسرح.

مع دخول شهر رمضان الكريم فوجئ المصريين بحملة إعلانية ضخمة لإحدى شركتى المحمول تقديم هذه الأغانى لما يخدم مصالحها دون مراعاة للذوق العام أو حتى حفظ حقوق ملكية هذه الأغانى، فنجد أوبريت الليلة الكبيرة للرائعين صلاح جاهين مؤلف الأوبريت ولحن العبقرى سيد مكاوى، حرفت كلماته بشكل مسف والأدهى أن من ساعد فى تحريفها نجوم الفن فى مصر الذين لم يراعوا أن الفن رسالة وأمانة من أجل حفنة من المال.

الليلة الكبيرة فجوة هائلة ستجدها حينما تضع كلمات الإعلان الجديدة "يا منال يا منال.. ده الأكل شمال.. حطيتى فيه إيه ده لازم يتشال"، و"كنت تقعد على حجرى تعملها وتجرى.. يا ولا"، بالمقطع الأصلى الذى كتبه بدقة عمنا صلاح جاهين "يا غزال يا غزال العشق حلال.. دوبنى انى دوب خلتنى خيال".. فجوة توضح كيف نشوه تراثنا، وترسم بوضوح ملامح ما وصلنا له وملامح التركة الإبداعية الضخمة التى لا تتحملها أكتاف مبدعين الجيل الحالي.

تشويه أغنية رشدي بالتأكيد لم تترك شركات الهواتف المحمولة الأخرى الفرصة دون الدخول فى سباق تشويه التراث الفنى الذى تستند عليه المحروسة بدلا من البحث عن أفكار جديدة يمكن تنفيذها، واختارت الشركة المنافسة لها أغنية الفنان الراحل الكبير محمد رشدى "طاير يا هوى" لتكون الضحية الجديدة، ويتفننوا فى تشوهيها وتدمير كلماتها الأصلية بكلمات ركيكة ولحن مسف، وكأن الشركتين نسوا المنافسة بينهما واتفقوا على تشويه الغناء وإيصال مفهوم جديد لمعانى هذه الأغانى والأخطر بأنها تقدم بنجوم من المفترض أنهم من الصفوف الأولى للفن المصرى وعلى طريقة "جنت على نفسها براقش".

تشويه أغنية حليم وعلى قدر النجومية يأتى التشويه، فبينما وقع رشدى وجاهين ضحايا لشركات المحمول، وقع العندليب ضحية أحدى شركات الملابس الداخلية، وبالتحديد أغنيته الشهيرة "سواح"، التى بالتأكيد لو كان يعلم أنها ستستخدم بعد سنوات من رحيله فى إعلان من هذا النوع، لكان فضل الموت قبل أن يصنعها على أن تتحول هذا التحول المذرى فى عصر توقف عن الابتكار، وتوقف حتى على احترام ما ابتكرته الاجيال السابقة.

هذه لم تكن المرة الأولى التى يتم فيها تشويه التراث الفنى لنجوم الزمن الجميل، فبالأمس القريب تم تشويه أغنية السندريلا سعاد حسنى يا واد يا تقيل، فى أحدى شركات المحمول أيضا، وكذلك أغنية دقوا الشماسى للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، فيقول مؤدى الأغنية: "انت حماسى.. فأنسى التكاسى" فى تشويه صريح وضياع لحقوق الملكية الفكرية للملحنين والمطربين والموزعين، وسلسلة طويلة بدأت ولن تنتهى طالما لا أحد يهتم من صانعى القرار من الموسيقيين ونقابتهم وجمعيات حفظ التراث التى يتعجب الجميع لصمتها أمام تلك الملفات.

الملفت أيضا أنه حتى حينما يتحدث أصحاب الحق ويعلنون رفضهم لهذا الاستغلال المسف، لا يلقى حديثهم أى أهتمام، ولعل هذا كان بارز للغاية حينما أعلن محمد شبانة، نجل شقيق العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، عن غضبه واحتجاجه على استخدام أغنية سواح فى إعلان لشركة ملابس داخلية، ومطالبته فى مداخلة هاتفيه مع برنامج وائل الإبراشى بوجود قانون لحماية تلك الأغانى التى قدمها جيل الرواد ولكن مع الأسف لم يلقى احد بال لما قاله.

العديد من الجماهير أيضا انتقدت وقوف جهاز حماية المستهلك أمام الإعلانات ذات التلميحات الإباحية، ووقوفه مكتوف الأيدى أمام هذا النوع من الإعلانات الذى ينتهك حرمة تاريخ وثقافة هم فى الحقيقة أهم ما ورثته مصر عن الأجيال السابقة.










الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;