«كل من هم فى غير جماعتى كفار، وكل من دخلوها ثم خرجوا منها قتالهم أولى من أى قتال»، هكذا أكد شكرى مصطفى، قائد تنظيم «التكفير والهجرة» الإرهابى، على أحد الأسس الجوهرية لعقيدة جماعته، وذلك فى بداية محاكمته وباقى المتهمين معه فى جريمة مقتل الشيخ محمد حسين الذهبى، وزير الأوقاف، «من إبريل 1975 حتى عام 1977»، بعد أيام من اختطافه من مسكنه فى حلوان يوم 3 يوليو 1977.
وقعت جريمة الاختطاف بعد خروج الذهبى من الوزارة، وعثرت أجهزة الأمن عليه مقتولا برصاصة فى عينه اليسرى فى شقة بمنطقة الهرم، ولم يكن معروفا من يقف وراء الاختطاف حتى تبين كل شىء بإعلان «الجماعة» مسؤوليتها فى اليوم التالى، وفقا لما يذكره الدكتور غالى شكرى فى كتابه «الثورة المضادة فى مصر»، قائلا: «وضعت الجماعة شروطا لإعادة المخطوف، من بينها الإفراج عن المعتقلين من الجماعة، وكذلك المحكوم عليهم فى قضايا سابقة، ودفع مائتى ألف جنيه فدية، واعتذار الصحافة المصرية عما نشرته من إساءات فى حق الجماعة، وتسليم الطفلة سمية ابنة «رجب عمر» أحد أعضائها المنشقين لأمها، التى تمسكت بعضويتها فيها، ورفضت الذهاب مع زوجها».
أعطت الجماعة مهلة لتنفيذ شروطها، ورفضت الحكومة الشروط، فأقدمت الجماعة على استكمال جريمتها الإرهابية بارتكاب عملية قتل الشيخ المخطوف، وفى السادس من يوليو، أحال الرئيس السادات القضية إلى محكمة عسكرية، وفى الثامن من يوليو 1977 تم القبض على شكرى مصطفى، ووجهت إليه تهمة قتل الشيخ الذهبى، كما تم توجيه نفس الاتهام إلى ضابط الشرطة المفصول، أحمد طارق عبدالعليم، وآخرين، وبلغ عدد المتهمين 54 متهما.
جدد شكرى مصطفى تأكيده على عقيدة جماعته، أثناء جلسات محاكمته التى بدأت صباح يوم 23 أغسطس، مثل هذا اليوم، من عام 1977، وترأس المحكمة اللواء حسن صادق، وعضوية العميدين يحى عبدالمعطى ومختار شعبان، وطبقا لما يذكره المحامى مختار نوح فى شهادته لبرنامج «الجريمة السياسية- الشيخ والأمير- وقائع اغتيال الشيخ الذهبى»: «رغم أن المحكمة عسكرية، فإنها حرصت على مناقشة شكرى مصطفى علنا فى كل ما يقوله من فكر، وهو لم يخجل ولم يتردد لحظة فى أن يحكى أن فكره يعتمد على تكفير الآخر، وكل من هم فى غير جماعته، وكل من دخلوها ثم خرجوا منها، قتالهم أولى من أى قتال».
حضر مختار نوح جلسات المحاكمة، لكنه لم يترافع فيها وفقا لتأكيده، ويتذكر: «سألت المحكمة شكرى مصطفى، ما رأيك فى المرحوم الشيخ الذهبى أمسلم أم هو كافر؟ فأجاب: هو عندى كافر، سألته ما دليلك على ذلك؟ أجاب: يعمل فى هيئة الأوقاف، وكان وزيرا لها ومديرا للإشراف على المساجد، وأقسم اليمين على الحكم بغير ما أنزل الله فى قسم الوزارة».
وفى جلستى السابع والتاسع من نوفمبر 1977، قال شكرى مصطفى: «إنه حظر التعليم على أفراد الجماعة، وقصره على تعلم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ودراسة كتابى «التوسمات» و«الخلافة»، اللذين كتبهما بنفسه»، ويوضح مختار نوح: «اكتشفنا فى حوار بين المحكمة وشكرى مثلا، ووفقا لوجهة نظر شكرى، إن إحنا مجتمع أمى، وإننا جماعة أمية وأن الإسلام دين الأمية، ولا بد أن نكون أميين، ولا نتعلم ولا نذهب إلى دور العلم إلا للضرورة».
شهدت المحاكمات جدلا من نوع آخر، وهو اتهام الرئيس الليبى معمر القذافى بتمويل «التكفير والهجرة»، وساعد على النفخ فى هذه المسألة، سوء العلاقة بين السادات والقذافى، ويؤكد منتصر الزيات المحامى لبرنامج «الجريمة السياسية»، على أن هذا الكلام هو «اتهام مفتعل ليس له أساس من الصحة».
فى 30 نوفمبر 1977 أصدرت المحكمة العسكرية حكمها بالإعدام شنقا على خمسة متهمين، وهم شكرى مصطفى، أحمد طارق عبدالعليم، أنور مؤمن صقر، ماهر عبدالعزيز بكرى، مصطفى عبدالمقصود غازى، وعاقبت 12 متهما بالأشغال الشاقة المؤبدة، و14 متهما بالأشغال الشاقة المؤقتة، ومنحت البراءة لـ13 متهما.
تعامل شكرى مصطفى مع الحكم بطريقة لافتة، فحسب شهادة «على فراج»، أمير الجماعة فى محافظة الشرقية: «كان شكرى واثقا أنه سيخرج، لأنه كان يثق فى سنن الله الكونية، فبدأ يدعو سرا ثم جهرا ثم أعد نفسه لمرحلة الهجرة للخروج، ثم بعد ذلك كانت المحاكمة، وهى أمر عارض له وامتحان، كان يثق أنه سيخرج، ومصر سوف يكون لها فاتح».