العالم كله مفتوح أمام بعضه، وكل الأرقام والأوضاع معروضة لا يمكن إخفاؤها أو تجاهلها، وبالتالى فإن أعراض الأزمة العالمية المركبة معروضة بتفاصيلها، حيث تتفاعل تداعيات أزمة كورونا مع حرب أوكرانيا، التى خلفت تأثيرات كبيرة فى أسواق وإمدادات الغاز والطاقة عمومًا، وبشكل كشف عن اعتماد أوروبى كبير على الغاز الروسى، وألقى بظلاله على التعامل الأوروبى فى الكهرباء والمياه، بالإعلان عن إجراءات ترشيد لمواجهة تداعيات الحرب من جهة، والجفاف من جهة أخرى، حيث تنتج التفاعلات المزيد من الركود وارتفاعات الأسعار، والتى تدفع البنك الأوروبى لرفع الفائدة، بما يضاعف من معاناة الطبقات الوسطى والمستهلكين.
وبالتالى فإن الحديث عن الترشيد أو إجراءات التقشف، وخفض الدعم، تأتى بعد أن استنفدت فترة جائحة كورونا الكثير من الأموال التى قدمتها الحكومات لدعم مواجهة الجائحة وتداعياتها وتأثيراتها على المواطنين، ولم تعد أغلب الاقتصادات قادرة على تلبية مطالب أخرى، وبالتالى فإن ما يتم من إجراءات هو رد فعل للتعامل مع أزمة مركبة، تغيب عنها سيناريوهات التوقع، وتضخم لم تواجهه الدول الكبرى منذ الحرب العالمية الثانية.
بجانب ارتفاعات أسعار الغذاء والنقل، ارتفعت أسعار الكهرباء فى أوروبا إلى مستويات قياسية فى ظل نقص الإمدادات نتيجة موجة الحر الشديدة. وذكرت وكالة «بلومبرج» أن ارتفاع الأسعار يعكس تداعيات نقص إمدادات الغاز الطبيعى فى الأسواق، مع تخفيض روسيا كميات الغاز التى تصدرها إلى أوروبا التى تحاول ملء مستودعات التخزين استعدادًا لموسم ذروة الطلب على الطاقة فى الشتاء.
وأدى خروج عدد من مفاعلات الطاقة النووية الأوروبية من الخدمة وضعف الرياح، وانخفاض مستوى المياه فى الأنهار الأوروبية لانخفاض معدلات توليد الكهرباء فى القارة.
وقالت إنجريت جرويبل، رئيسة المجلس الأوروبى لأجهزة تنظيم قطاع الطاقة، إنه إذا أوقفت روسيا ضخ الغاز الطبيعى لن تكون هناك كميات كافية لتلبية الطلب، وهو ما سيؤدى إلى قطع الكهرباء بشكل دورى.
الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، طالب الفرنسيين فى يوليو الماضى، بالاستعداد لفترات صعبة، بسبب القطع المحتمل لإمدادات الغاز الروسى، وإن بداية الخريف يمكن أن تكون صعبة، ودعا ماكرون الفرنسيين لدفع ثمن ما أسماه «ثمن الحرية»، من التداعيات الاقتصادية عن سياسة العقوبات على روسيا، والثبات لمواجهة حالة «عدم اليقين». وأضاف إن «الحرب عادت إلى الأرض الأوروبية، وعلى مسافة بضع ساعات فقط من الحدود الفرنسية، فى إشارة إلى حرب أوكرانيا».
ويتوقع أن تشهد ألمانيا، أكبر اقتصاد فى الاتحاد الأوروبى ركودًا، لكونها إحدى أكثر الدول تأثرًا بخفض إمدادات الغاز الروسى، ويتسبب ارتفاع تكلفة المعيشة فى الإضرار بالشركات والأسر فى منطقة اليورو، بجانب موجات الجفاف، التى أدت إلى تراجع مستويات المياه فى أنهار أوروبا هذا الصيف، وتوقع رئيس البنك المركزى الألمانى يواخيم ناجل، انتهاء صلاحيات خفض أسعار الوقود، بحلول الخريف، وهو ما من شأنه أن يرفع معدل التضخم.
وفى سويسرا، حيث أغلب الكهرباء تأتى من الطاقة الكهرومائية والنووية، توقعت الحكومة رفع تكلفة الكهرباء بنسبة 30%، للمنازل خلال العام المقبل، حيث ترتفع تكاليف الكهرباء فى سويسرا بسبب تراجع إمدادات الغاز الروسى، وإن كانت الصدمة أقل، مع توقعات بأن تصل الزيادة إلى 315 فرنكا سويسريا «39.328 دولار» سنويًا، للأسر فى المنازل، بينما الأعمال التجارية مثل المخابز الكبيرة ترتفع تكاليف الطاقة بواقع نحو 10 آلاف فرنك.
والأمر فى بريطانيا لا يختلف عن باقى أوروبا، رغم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، حيث تتفاعل تأثيرات التضخم مع إجراءات لترشيد استعمال المياه لمواجهة الجفاف، فى أزمة «عدم يقين» تجتاح العالم، وربما تقود إلى تحولات أكثر مما قد يبدو على السطح. وبالعودة لبداية المقال فإن ما يجرى فى الاقتصاد العالمى، وحزم الترشيد ورد الفعل، mالتعامل مع الأزمة العالمية، يجرى علنًا ويؤثر فى كل الاتجاهات والاقتصادات، من دون سيناريوهات جاهزة لنهاية أو تراجع للأزمة المركبة.