كانت الساعة العاشرة صباح 25 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1971، حين بدأت «محكمة الثورة» أولى جلساتها لمحاكمة 12 متهما فى قضية ما أسمته «بالمؤامرة»، وهى القضية التى أطلق عليها الرئيس السادات وصف «مراكز القوى»، والمعروفة سياسيا بالصراع على السلطة بين الرئيس السادات، وكبار القيادات التنفيذية والشعبية التى عملت بجوار جمال عبدالناصر، وتقدموا باستقالاتهم يوم 13 مايو 1971، وأذيعت هذه الاستقالات فى نشرة أخبار الساعة الحادية عشرة مساء بالإذاعة، وذلك بعد أن قاموا بتسليمها فى ظرف مغلق إلى أشرف مروان، وطلبوا منه أن يسلمها إلى السادات فى الساعة الحادية عشرة إلا خمس دقائق، أى قبل إذاعتها بخمس دقائق حتى تذاع ولا يمكن له التدخل لمنع إذاعتها، وفقا للكاتب الصحفى «عبدالله إمام» فى كتابه «انقلاب السادات، أحداث مايو 1971».
تمكن السادات من السيطرة على الموقف يوم 15 مايو 1971، وتم القبض على المئات فى هذه القضية والتحقيق معهم، ويذكر عبدالله إمام: «قام السادات بتشكيل محكمة خاصة اسمها محكمة الثورة برئاسة حافظ بدوى رئيس مجلس الشعب، وعضوية حسن التهامى، مستشار رئيس الجمهورية، والمستشار بدوى حمودة رئيس المحكمة العليا، وفى يوم 21 أغسطس أذاع المدعى الاشتراكى قرار الاتهام وشمل 91 شخصا من المحبوسين فى السجن، بعد أن قسم المتهمين إلى ثلاث مجموعات.. الأولى، عشرة أشخاص مطلوب إعدامهم، والثانية 18 مطلوب لهم أشغال شاقة مؤبدة، والثالثة 63 مطلوب سجنهم لمدد تصل إلى 15 عاما».
تذكر «الأهرام» فى عددها يوم 26 أغسطس 1971، أن المتهمين الذين مثلوا أمام المحكمة يوم 25 أغسطس هم، شعراوى جمعة، وسامى شرف، وعلى صبرى، وعبدالمحسن أبو النور، ولبيب شقير، وضياء الدين داود، ومحمد فائق، وسعد زايد، وحلمى السعيد، وعلى زين العابدين، وفريد عبدالكريم، وأحمد كامل، وحضروا جميعا ودخلوا قفص الاتهام بدءا من الساعة الثامنة وخمسة وخمسين دقيقة صباحا، وجلسوا وفقا للنظام الخاص المعد لهم، وكان كل واحد منهم يجلس بمفرده وبجواره حارسه الخاص الذى يرتدى الملابس المدنية.
تضيف «الأهرام»، أن الجلسة بدأت بالإجراءات القانونية الافتتاحية، فقرأ حافظ بدوى رئيس المحكمة قرار تشكيلها وحلف اليمين القانونية ثم حلف بعده عضوا المحكمة، بدوى حمودة، وحسن التهامى، وبعدهما حلف المدعى العام الدكتور مصطفى أبوزيد «المدعى الاشتراكى»، ونادى رئيس المحكمة على المتهمين إثر ذلك ليقف كل منهم ويقدم نفسه، ويذكر سنه ومهنته وأعلن عن اسم محاميه، وبعدها بدأت تلاوة قرار الاتهام.
قرأ مصطفى أبوزيد لائحة الاتهامات، وشملت توجيه الاتهام إلى الـ12 متهما بارتكاب جريمة «الخيانة العظمى» باعتبار أن المتهمين من الوزراء فاعلون أصليون، وأن باقى المتهمين شركاء لهم بالتحريض والاتفاق والمساعدة، وذكر دور كل واحد وأفعاله، وخصت عريضة الاتهامات «فريد عبدالكريم» بقولها: «هذا المتهم لعب دورا خاصا فى التآمر، واتسمت تصرفاته بطابع واضح من الإفساد السياسى، حيث اتفق مع المتهمين الأول والثامن والتاسع والعاشر وهم، شعراوى جمعة، عبدالمحسن أبوالنور، ولبيب شقير، وضياء الدين داود، وغيرهم على إعداد خطة لقلب نظام الحكم بالقوة، ثم قام بتنفيذ الدور المرسوم له فيها، بأن دأب فى أحاديثه على التحريض على مناوأة رئيس الجمهورية، وعقد لذلك العديد من الاجتماعات لأعضاء التشكيلات التنظيمية بمحافظة الجيزة هاجم فيها رئيس الجمهورية ونسب إليه أمورا غير صحيحة.
تذكر «الأهرام»، أنه بعد قراءة عريضة الاتهامات، قال رئيس المحكمة، إنه سينادى على كل متهم ليقول: «معترف أو غير معترف بالتهم الموجهة إليه»، وبدأ بسؤال شعراوى جمعة: «انت متهم بجريمة الخيانة العظمى؟، فأجاب: «غير معترف» ثم سأل رئيس المحكمة، المتهم سامى شرف نفس السؤال، فأجاب: «غير معترف»، وانتقل رئيس المحكمة بنفس السؤال إلى باقى المتهمين فردا فردا، وكانت الإجابة على لسان كل واحد: «غير معترف»، وبعد ذلك طالب المحامون على لسان زميلهم «على عبدالمجيد» بتأجيل القضية، وقالوا إنهم استلموا أمس نحو ألفين صفحة فقط مع أن ملف التحقيقات يقع فى نحو 5 آلاف صفحة، وأكدوا أنه لا يستقيم بدء المرافعات إلا بعد الاطلاع على الجزء الباقى من التحقيقات، ودفع المحامى محمد عبدالله بأن القانون رقم 48 لسنة 1967 لم يعد له وجود بانتهاء محكمة الثورة التى انعقدت سنتها عقب النكسة، وكذلك لم يعد له وجود بصدور بيان 30 مارس والاستفتاء الشعبى الحاصل بشأنه.
قررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى إلى يوم 4 سبتمبر 1971، وفى هذا الجلسة «4 سبتمبر» رفضت المحكمة الدفع بعدم اختصاصها، ويذكر عبدالله إمام أن المحكمة استجابت لطلب المدعى الاشتراكى، فقررت نظر الدعوى فى جلسات سرية.