أوروبا على أطراف أصابعها، أمر لا يحتاج إلى الكثير لنتعرف عليه، نعم أزمة كبرى غير مسبوقة، وليست هناك آفاق لنهايتها، وتكاد أزمة الطاقة تعصف بأوروبا على أبواب خريف صعب، وشتاء أشد برودة، حتى مع إعلان إجراءات تقشف وترشيد فى المياه والطاقة، وإجراءات مصرفية ومالية، لمعالجة التداعيات المتسارعة، وارتفاعات الأسعار، وتوقف الإنتاج، بل ونقص السلع الرئيسية فى دول مختلفة، مع ارتفاع غير مسبوق فى الأسعار يدفع فئات كثيرة إلى مستويات اجتماعية أقل بسبب عدم القدرة على ملاحقة الأسعار التى تتقافز، من دون آفاق للنهاية.
أغلب الاقتصادات الكبرى تجد صعوبة، وتعلن إجراءات كرد فعل للتعامل مع أزمة مركبة، تغيب عنها سيناريوهات التوقع، وتضخم لم تواجهه الدول الكبرى من قبل، الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، طالب الفرنسيين بالاستعداد لفترات صعبة، بسبب قطع الغاز الروسى، وتشهد ألمانيا - أكبر اقتصاد فى الاتحاد الأوروبى - ركودا، لكونها إحدى أكثر الدول تأثرا بخفض إمدادات الغاز الروسى، ويتسبب ارتفاع تكلفة المعيشة فى الإضرار بالشركات والأسر فى منطقة اليورو، وحتى فى سويسرا، التى تنتج أغلب الكهرباء من الطاقة الكهرومائية والنووية، توقعت الحكومة رفع تكلفة الكهرباء بنسبة 30%، للمنازل خلال العام المقبل.
وفى بريطانيا - التى خرجت من الاتحاد الأوروبى - تتفاعل تأثيرات التضخم مع إجراءات لترشيد استعمال المياه لمواجهة الجفاف، وتتفاقم أزمة الطاقة بشكل كبير يؤثر على آلاف الأسر، وأعلنت الهيئة المنظمة «أوجيم» أن سقف السعر سيصل إلى 3549 جنيها إسترلينيا، وتعادل الزيادة الجديدة البالغة 80% نحو 300 جنيه إسترلينى شهريا فى المتوسط للأسرة العادية، بما يؤدى إلى زيادة الضغط على ميزانيات الأسرة المتوترة قبل فصل الشتاء القاسى، حسب «التليجراف»، التى نقلت عن محللين قولهم إن ملايين الأسر قد تُدفع إلى فقر الطاقة، فى ظل التضخم الذى قفز إلى مستويات غير مسبوقة منذ 40 عاما فى بريطانيا، وأدى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة.
وهناك حالة غضب كبيرة فى بريطانيا، عبر عنها الكاتب البريطانى جون هاريس، عن اعتقاده بأن بريطانيا على وشك الانهيار تحت وطأة العديد من المشكلات والأزمات التى تواجهها، مثل تغير المناخ، ونقص المياه، والطاقة، وكتب فى «الجارديان» البريطانية، إن بريطانيا أصبحت تعانى فى الوقت الحالى من ارتفاع تكلفة المعيشة بسبب ارتفاع الأسعار، إلى جانب تدنى خدمات السكك الحديدية، وتفاقم مشاكل الجفاف، بالإضافة إلى تواضع خدمات الرعاية الصحية، والتى بدورها على وشك الانهيار، مشيرا إلى أن المملكة المتحدة تعانى الآن من تلال من المشاكل والأزمات لا يمكنها تفاديها أو التغاضى عنها، أو حتى التعايش معها.
كل هذه التفاصيل معلنة وواضحة، وتأثيراتها على الطبقات الوسطى فى أوروبا أصبح قاسيا، ناهيك عن الفئات الأقل دخلا، وفى ألمانيا تراجعت نسبة التوظيف، وتضاعفت البطالة، مع توقعات بارتفاعها خلال السنوات المقبلة، بسبب توقف سلاسل التوريد، وأزمة كورونا، وأزمة الحرب الأوكرانية الروسية، والتى انعكست على الصناعات الألمانية، وأثرت على الشركات، والتى أشهر بعضها إفلاسه، وأخذ موظفوها إعانة بطالة لها.
هذا هو الواقع فى أوروبا الآن، ودول كثيرة فى العالم، تعانى من تأثيرات تتصاعد من دون أفق، وتجعل إجراءات الترشيد أو المواجهة الاجتماعية محاولات لإيقاف التدهور، خاصة أن هناك احتمالات فى الشتاء المقبل لأن تقود أزمة الطاقة ونقص التدفئة إلى خسائر فى الأرواح والصناعة والأنشطة المختلفة، وتستعد أوروبا لشتاء بارد، ما لم يتم التوصل إلى حل لأزمة مركبة، تجعل النجاح فى المواجهة هو القدرة على استمرار قدرة المجتمعات على تماسكها وتعاملها لتقليل التأثيرات.