سلطت دراسة حديثة نشرها المركز المصرى للفكر والدراسات، الضوء على التسرب من التعليم فى مصر، مؤكدة أن مصر نجحت فى خفض معدلات التسرب من التعليم على مدار الخمس سنوات الماضية، كما أن نسب تسرب الإناث سجلت تراجعًا أقل من نسب تسرب الذكور، فبينما كانت نسب التسرب بحسب النوع متساوية عام 2018، تفاوتت النسبة لصالح الذكور حتى عام 2021، وتعددت أشكال فجوة تسرب الفتيات، وازدادت النسبة عامًا بعد آخر، واتسعت الفجوة عبر المراحل التعليمية العليا خلال العام الدراسى الواحد مقارنة بالمراحل الدنيا.
وذكرت الدراسة التى أعدتها الدكتورة إسراء على، أن نسب تسرب الإناث بالمرحلة الابتدائية سجلت انخفاضا فى محافظة القاهرة، ويسجلن 0.15% مقارنة بالذكور 0.22%، وترتفع نسبتهن فى المرحلة الإعدادية إلى 0،79% مقارنة بالذكور 0.64%. وبشكل عام تسجل محافظة مطروح أعلى نسب تسرب للإناث خلال العام الماضى فى المرحلتين الابتدائية بنسبة 0.62%، والإعدادية بنسبة 2.72%، وتدلل نسب تسرب الإناث مقارنة بالذكور من بعد جغرافى على استبعاد ارتباط تصنيف ظاهرة التسرب بخصائص الريف أو الحضر الأمر الذى يستوجب مزيدًا من البحث حول أسباب ضعف استجابة الفتيات إلى برامج وسياسات القضاء على هذه الظاهرة من التعليم المصرى.
وقالت الدراسة إنه باستقراء نسب التسرب المدرجة بالكتب الإحصائية الصادرة عن وزارة التربية والتعليم فيما بين عامى 2018 (بداية تطبيق نظام التعليم الجديد 2.0) والعام الماضى، يتضح ارتفاع نسب تسرب الإناث بالمرحلة الابتدائية فى محافظات دمياط، الشرقية، مطروح، البحر الأحمر، شمال سيناء، وجنوب سيناء، ويمكن أن يُعزى ارتفاع نسب التسرب فى محافظتى دمياط والشرقية لوقوعها ضمن المناطق المحرومة من التعليم، حيث تضم محافظة الشرقية 135 منطقة محرومة من المدارس، بينما تضم محافظة دمياط 40 منطقة محرومة من المدارس، وفق ما جاء بالتقرير الصادر عن هيئة الأبنية التعليمية عام 2020، وعلى النقيض لا تنصرف هذه الأسباب إلى محافظات مطروح، والبحر الأحمر، وشمال سيناء، وجنوب سيناء، مما يعنى ضرورة بحث أسباب عزوف الفتيات عن التعليم وارتفاع نسبة تسربهن فى المرحلة الأولى من التعليم بتلك المحافظات.
وأوضحت الدراسة أن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ذكر عشرة أسباب خلف ظاهرة التسرب من التعليم وفق ما جاء فى إحصائية تعداد السكان عام 2017، وهى بالترتيب من النسبة الأعلى للأقل: عدم رغبة التلميذ فى التعليم، عدم رغبة الأسرة، الفقر، تكرار الرسوب، الزواج المبكر، صعوبة الوصول للمدرسة، العمل المبكر، وفاة أحد الوالدين، الإعاقة، انفصال الوالدين، ويلاحظ أن الزواج المبكر يحتل المركز الخامس من بين أسباب التسرب من التعليم.
وأوضحت الدراسة أنه فى ضوء ما تقدم، ثمة تداعيات مرتبطة بارتفاع نسب تسرب الإناث من التعليم وخاصة بالمراحل التعليمية العليا، منها تفاقم نسب التسرب إذ يمكن التنبؤ بزيادة نسب التسرب من التعليم بشكل عام فى ظل القيود النفسية التى تفرضها بعض مناهج نظام التعليم الجديد على التلاميذ، وبالأخص مواد العلوم والرياضيات، التى لا يتناسب حجمها والخريطة الزمنية للعام الدراسى، وإذا ما كانت رغبة التلميذ فى التعليم تمثل السبب الأول فى التسرب من التعليم وفق ما جاء فى إحصائية تعداد السكان الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء عام 2017، فإن قرار الوزارة بتدريس مناهج العلوم والرياضيات باللغة الإنجليزية بدايةً من العام القادم حتمًا يمثل عبئًا نفسيًا إضافيًا، وقد يؤدى إلى عزوف التلاميذ عن التعليم، وبالتالى زيادة نسب التسرب بشكل عام، ولا سيما الفتيات.
ولفت الدراسة إلى أن بعض القرارات الوزارية تخلق دوافع مباشرة للتسرب، مثل قرارات ربط تحصيل المصروفات الدراسية باستلام الكتب، والتى تم تطبيقها العام الماضى، وقرارات ربط تحصيل المصروفات الدراسية بالقيد بالتعليم والتى يتم تطبيقها العام الجارى. لذا من المهم بحث آثار تلك القرارات وتداعياتها على التسرب من التعليم قبل إصدارها أو تطبيقها.
كما أشارت الدراسة إلى أن تفشى ظاهرة الزواج المبكر من أساب الترسب من التعليم، وبحسب أحدث دراسة حول الزواج المبكر، والصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى مارس 2021، فقد بلغت أعداد الفتيات اللاتى سبق لهن الزواج ضمن الفئة العمرية (10-17 عامًا) أكثر من 117 ألف فتاة، بلغت نسبة المتسربات منهن من التعليم نحو 36%، ونسبة الأميات منهن بنحو 40%، وأكدت الدراسة أن 25% منهن كان السبب الرئيسى لتسربهن من التعليم هو الزواج المبكر.
وجغرافيًا تسجل كل محافظات الصعيد تزايدًا فى نسب التسرب من التعليم بسبب الزواج المبكر، بالإضافة إلى محافظات الدقهلية، والشرقية، والجيزة، والبحيرة، وكفر الشيخ. الأمر الذى يفرض تعزيز جهود التوعية بأخطار الزواج المبكر على الصحة الإنجابية للإناث، وتخصيص برامج مناهضة العادات والتقاليد البالية المتعلقة بالزواج المبكر وزواج الأقارب وخاصة فى بعض مدن صعيد مصر.
وأشارت الدراسة إلى أن تراجع التنمية من ضمن الأسباب، موضحة أن ما بين 15 تريليون – 30 تريليون دولار عالميًا هى قيمة الخسائر التى يخلفها تسرب الفتيات من التعليم وفق تقرير صادر عن البنك الدولى عام 2018 بعنوان "ضياع الفرص: التكلفة المرتفعة لعدم تعليم الفتيات"، هذا بالإضافة إلى تراجع التنمية وخاصة عدم تحقق الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة (رؤية 2030)، والمتعلق بتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات.
ولفت الدراسة إلى أن نسب تسرب الفتيات من التعليم تُطلق جرس إنذار يستدعى المزيد من البحث والدراسة، وخاصة مع ما يترتب على هذه الظاهرة من تداعيات فى مقدمتها الزواج المبكر وما ينتج عنه من إنجاب مبكر وزيادة فى الخصوبة والنمو السكانى بشكل عام، الأمر الذى يعيق خطط التنمية المستدامة، ويهدد مستقبل الأجيال القادمة.