ضربت موجة جفاف دول العالم منذ بداية الصيف الجارى فى يونيو الماضى، حيث تعرضت أوروبا وأومريكا اللاتينية ودول أخرى لجفاف شديد أدى إلى نقص كبير فى المحاصيل الزراعية من الذرة إلى فول الصويا والزيتون وعباد الشمس والبن، وهو ما جعل الخبراء يحذرون من ارتفاع كبير فى التضخم فى الفترات المقبلة مع أزمة جديدة للمواد الغذائية.
وقالت صحيفة "اولتيما اورا" فى تقرير لها نشرته على موقعها الإلكترونى إن ثلثي أوروبا تعانى من الجفاف، وذلك وفقًا لبيانات من أحدث تقرير صادر عن مرصد الجفاف العالمى التابع للمفوضية الأوروبية، مشيرا إلى أنه 47٪ من الأراضى فى حالة تأهب مسبق بسبب الجفاف الشديد للأرض و17٪ أخرى فى حالة تأهب بسبب "علامات الإجهاد" الكبيرة التى يظهرها الغطاء النباتى، وبالتالى فإن الجفاف يؤثر بشكل رئيسى على المحاصيل الزراعية.
وأشارت الصحيفة فى تقريرها إلى أن المناطق التى يمكن الشعور بأسوأ آثار الجفاف فيها هى إيطاليا وإسبانيا والبرتغال وفرنسا وألمانيا وهولندا وبلجيكا ولوكسمبورج ورومانيا والمجر وشمال صربيا وأوكرانيا ومولدوفا وأيرلندا والمملكة المتحدة. علاوة على ذلك، فى غرب البحر الأبيض المتوسط ، من المرجح أن تستمر نفس الظروف خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
وأوضح البروفيسور ديريك ليموين، من جامعة أريزونا، أن الجفاف يعتبر عامل حاسم فى الاقتصاد، حيث إنه فى دراسة أجريت عام 2018، كشفت البيانات أن إنتاج الولايات المتحدة تباطأ ووصل إلى مستويات منخفضة من 0.15% إلى 0.25% لكل 0.56 درجة مئوية فوق متوسط درجات الحرارة فى الصيف.
بالإضافة إلى التأثير على الإنتاجية الذى أشار إليه ليموين، فإن العواقب السلبية على المحاصيل ستعزز التضخم المرتفع بالفعل فى منطقة اليورو،والذى وصل بالفعل فى يوليو الماضى إلى 8.9٪، أو أيضًا فى المملكة المتحدة (10.1٪). لأن الإجهاد المائى والحرارى الاستثنائى يتسبب فى انخفاض كبير فى إنتاج بعض المحاصيل الأساسية، وكذلك المحاصيل الفرعية الأخرى، مثل الزيتون، الذى يتأثر بشدة فى كتالونيا بالظروف المناخية القاسية.
وأكد التقرير أنه فى الاتحاد الأوروبى ستكون محاصيل الذرة وفول الصويا وعباد الشمس هى الأكثر تضررا مع الانخفاض (فيما يتعلق بمتوسط السنوات الخمس الماضية) المقدرة بأقل من 16% وأقل من 15% وأقل من 12% على التوالى، مع تعرض سوق الغذاء العالمى للتوتر الشديد بسبب الحرب بين اوكرانيا وروسيا.
إيطاليا.. نقص فى الأرز والقمح
يعتبر محصول الأرز والقمح من أكثر المحاصيل تضررا فى إيطاليا من الجفاف، حيث أن الارز من المحاصيل التى تحتاج يحتاج إلى المياه الوفيرة، والذى انخفض إنتاجه بنسبة 50%، كما انخفضت نسبة إنتاج القمح 30%.
وأشارت صحيفة "الجورنال" الإيطالية إلى أن إنتاج المحاصيل فى إيطاليا أصبحت مهددة الآن بشكل قوى، بسبب الطوارئ المناخية من الجفاف وأيضا بسبب البنية التحتية القديمة وانخفاض الاستثمار.
وقال جانلويجى تاكينى، مزارع أرز فى بلدة سانتا كريستينا إى بيسونى، على بعد حوالى 40 كيلومترًا جنوبًا ميلان، فى بداية العام، لاحظ زيادة فى الجفاف لأنه "لم يكن هناك ثلوج فى الجبال وكان هناك نقص فى المياه فى البحيرات"، فانخفضت محاصيل الأرز بنسبة 50% وزاد من محاصيل عباد الشمس، التى تعتمد بشكل أقل على الرى، محذرا من أن إمدادات المياه من بحيرة كومو، التى انخفضت بنسبة 75%، يمكن أن تتوقف تماما إذا انخفض منسوب المياه أكثر من ذلك بسبب قلة الأمطار.
وأعلنت الحكومة الإثنين الماضى حالة الطوارئ فى خمس مناطق (إميليا رومانيا وفريولى فينيتو جوليا ولومباردى وفينيتو وبيدمونت)، كما طالبت عدة بلديات بترشيد استهلاك مياه الشرب.
وكان اتحاد الزراعيين الإيطاليين (كولديريتى) أعلن أنه مع بدء موسم الحصاد للقمح فى مقاطعة توسكانا،أدى الجفاف إلى خفض المحصول بنسبة 30%.
وأشارت صحيفة "المساجيرو" الإيطالية إلى أنه فى أول عملية رصد أجراها الاتحاد الزراعى الإيطالى تبين انخفاض الغلات لكل هكتار بنسبة تقدر بين 20% إلى 30%، مما سيلغى هوامش الربح المنخفضة للغاية فى الأساس بالنسبة لمزارعى الحبوب الذين اضطروا إلى الخضوع للزيادات فى متوسط التكاليف الجارية بنسبة 68% وفقا لمجلس البحوث الزراعية وتحيلى الاقتصاد الزراعى.
وأكد كولديريتى، أن الجفاف يهدد 30% من الإنتاج الزراعى الوطنى ونصف إنتاج وادى بو، من بين أهمها بالنسبة للاقتصاد الإيطالى، بسبب زراعة القمح والذرة، وتصنيع بنجر السكر، والتربية المكثفة. من الماشية والخنازير لإنتاج لحم الخنزير بارما، من بين أمور أخرى.
وفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن المعهد الوطنى للإحصاء Istat، الذى تم إصداره فى عام 2020، يتم فقد 36 % من احتياطيات المياه فى إيطاليا بسبب الحالة السيئة للأنابيب ونظام التخزين.
كما أدى الجفاف أيضًا إلى انخفاض كبير فى إنتاج الطاقة الكهرومائية، حيث تقع المرافق فى الجبال الجبلية فى شمال إيطاليا، حيث تنتج حوالى 20 % من طاقة البلاد.
اسبانيا
كما هو الحال فى اسبانيا، حيث يهدد الجفاف محصول الزيتون والافوكادو، وذلك بعد انخفاض منسوب المياه فى لا بونيلا اهم خزان فى اسبانيا، ووصف المزارعين الإسبان الوضع بـ"المأساوى"، ويروا أن كمية المياه المسموح لهم بنقلها من الخزان إلى حقولهم تقلصت إلى الحد الأدنى قبل أسابيع، مع عواقب وخيمة طالت المنطقة الزراعية، خاصة وأنه بالقرب من البحيرة يوجد أكبر بستان أفوكادو فى أوروبا، وهى فاكهة تتطلب الكثير من الماء لتنمو.
وأوضحت الصحيفة أن أشجار الأفوكادو أصبحت تموت بسبب الجفاف، وتناثرت فى الحقول بالفاكهة الذابلة، لإنقاذ ما فى وسعهم من المحصول، ولذلك فإن المزارعين أصبحوا يبجأوا إلى إجراءات جذرية، والتى منها قطع أشجار الأفوكادو، حيث توضح جمعية المزارعين المحليين أنه "من الأفضل التضحية ببعض الأشجار حتى يحصل الآخرون على ما يكفى من الماء".
وأوضحت الصحيفة أنه تم قطع 1500 شجرة من أصل 6000 شجرة أفوكادو، ويقول المزارع أن العديد من المزارعين يواجهون الخراب لأنهم لم يعودوا قادرين على العيش على مزارعهم.
فرنسا
أما فى فرنسا فتعانى أكثر من 100 بلدة من مشاكل فى امدادات المياه، ومن تفاح "بحجم حبة الخوخ" إلى إجاص أحمر لونه بسبب الشمس، تعانى بساتين مُزارع أشجار الفاكهة فى شمال فرنسا، يدعى جيوم سيجان، من نقص المياه والحر الشديد، حيث كانت فى الماضى، أشجاره الواقعة حول قرية دامبلو التى تبعد حوالى 100 كيلومتر عن الحدود البلجيكية، فى منطقة لان، تعانى من الجفاف "مرة كل 10 سنوات" لكن الان هذه المرة الخامسة التى يعرض المحصول للجفاف بسبب نقص المياه وفقا لسيجان.
البرازيل
انخفض الناتج المحلى الإجمالى الزراعى للبرازيل بنسبة 8٪ فى الربع الأول من عام 2022 بسبب الجفاف الشديد فى جنوب البلاد. فى ريو جراندى دو سول، أقصى جنوب البلاد، فقد 56٪ من إجمالى محصول فول الصويا العام الماضى، مما أثر على آلاف المزارعين.
ويحذر العلماء من أن تغير المناخ سيجعل خسائر المحاصيل على نطاق واسع أكثر تواترًا فى هذه المنطقة من البلاد، معقل الزراعة. خلال موسمى الحصاد الأخيرين، كان فول الصويا والذرة، اللذان يمثلان معًا 88 ٪ من إنتاج الحبوب الوطنى فى البرازيل، أقل من الإنتاج المتوقع بمقدار 47 مليون طن مترى بسبب الظروف الجوية السيئة. انخفض إنتاج فول الصويا بنسبة 14٪ فى عام 2022.
ولم يكن فول الصويا فقط هى الذى تضرر كثيرا من الجفاف فى البرازيل ولكن أيضا البن، الذى شهد انخفاض فى الانتاج مع ارتفاع فى الاسعار، وذلك بسبب الجفاف وتغير المناخ.
ورأى المحللون الذين استشارتهم وكالة إيفى الإسبانية، تأثرت أيضًا المشاكل اللوجستية المتعلقة بكورونا - ارتفع متوسط سعر كيس القهوة بنسبة 74.5٪ فى العام الماضى، بعد أن ارتفع من 131 دولارًا فى العام الماضى، الربع الأول من عام 2021 إلى 228 دولارًا بين يناير ومارس من هذا العام، وفقًا لبيانات مجلس مصدرى البن (Cecafé).
كما هو الحال، وصلت أسعار البن، أكثر المنتجات التى تشتهر بها كولومبيا إلى أسعار قياسية، وتم تسعير الحمولة الداخلية للقهوة 125 كجم عند 2.5 مليون بيزو، حسبما قالت صحيفة "كولومبيا".
وتشهد البلاد إنتاجًا أقل من القهوة، ولكن مع وجود أكياس حبوب أغلى ثمناً، بحيث عوضت الأسعار انخفاض إنتاج الأكياس فى الخارج بنسبة 5٪، ووفقا للصحيفة فإن تغير المناخ والجفاف أكبر الأسباب وراء تراجع الإنتاج وبالتالى ارتفاع الأسعار.
يقدر الاتحاد الوطنى لمزارعى القهوة الإنتاج لعام 2022 بنحو 12.5 مليون كيس، بإنتاج 6.37 مليون كيس حتى يوليو، وهو رقم أقل من الرقم المسجل فى نفس الفترة من عام 2021 عندما كان 7.99 مليون كيس.
الصين
تسببت موجة حرارة قياسية، بالإضافة إلى جفاف استمر لأشهر خلال موسم الفيضانات المعتاد، فى إحداث فوضى فى جنوب الصين الغنى بالمياه عادة، حيث أدى نقص الأمطار إلى جفاف أجزاء من نهر اليانجتسى وعشرات الروافد، مما أثر بشكل كبير على القدرة الكهرومائية وتسبب فى انقطاع التيار الكهربائى وتقنين الطاقة فى المدن الكبيرة، مما أثر على الإنتاج الصناعى ايضا.
وتقلصت بحيرة بويانج لنهر يانجستى بوسط الصين، إلى ربع حجمها الطبيعى فى هذا الوقت من العام، وهنام ماصل إلى 66 نهرا عبر 34 مقاطعة فى منطقة تشونجتشينج الجنوبية الغربية جفت.
ووفقا لبيانات أصدرتها وزارة الطوارئ الصينية فى وقت متأخر أمس الخميس، تسبب ارتفاع درجات الحرارة فى شهر يوليو وحده فى خسائر اقتصادية مباشرة بلغت 2.73 مليار يوان (400 مليون دولار)، حسبما قالت صحيفة "الكونفدنثيال" الإسبانية.