عاد الجندى «عامر يحيى عامر» من إجازة زواجه، يوم 28 أغسطس 1969، وعندما علم بعدم وجود اسمه ضمن مجموعة ستقوم بعملية نسف «رصيف الكرنتينة» بكى وأصر على المشاركة، فرضخ قادته لإصراره.
قصة «عامر ونسف رصيف الكرنتينة»، إحدى مئات البطولات العظيمة للجيش المصرى فى حرب الاستنزاف ضد إسرائيل، التى بدأت بعد نكسة 5 يونيو 1967، ويذكر الكاتب الصحفى محمد الشافعى، تفاصيل هذه العملية فى كتابه «المجموعة 39 قتال»، مؤكدا أنها بدأت من اللحظة التى قررت فيها قيادة الجيش المصرى ضرورة نسف الرصيف أو«الحجر الصحى»، كما كان يطلق عليها المصريون، وحسب الشافعى: «كانت منطقة تجمع اللنشات العسكرية الخفيفة، التى تستخدم فى العمليات العسكرية، وتقدم أيضا الخدمات للسفن الكبيرة فى عمق خليج السويس، وكان العدو بعد كل عملية من عمليات القوات المصرية ضد قواته، يلجأ إلى اللنشات السريعة فى ضرب بعض المدنيين أو بعض جنود حرس الحدود، ولذلك جاءت أوامر قيادة القوات المسلحة بضرورة نسف «الرصيف»، وقاد إبراهيم الرفاعى عملية التنفيذ».
اختار «الرفاعى» المجموعة التى ستنفذ المهمة، وهم الرائد عصام الدالى، والرائد رجائى عطية، والنقيب إسلام توفيق، والنقيب حنفى معوض، والنقيب محيى نوح، والنقيب وسام حافظ، والملازم أول وئام سالم، والملازم أول محسن طه، ومعهم 18 مقاتلا، واجتمع «الرفاعى» بالمجموعة يوم 28 أغسطس 1969، وتم تجهيز المعدات اللازمة، وشملت عبوات ناسفة وقواذف أر بى جى، وألغاما مضادة للدبابات، وقوارب، وتحركت المجموعة من القاهرة إلى مكتب مخابرات السويس، يوم 29 أغسطس، وفى يوم 28 أغسطس تصادف عودة الجندى عامر يحيى عامر من إجازة زواجه، ولما علم بالعملية وعدم وجود اسمه بكى وأصر، فتم ضمه إلى المجموعة».
كان الرصيف «الهدف» على بعد 39 كيلومترا من الضفة الغربية لقناة السويس، حيث توجد قواتنا المسلحة، وبدأت المهمة بتحرك القوارب فى الساعة الثامنة مساء 30 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1969، وأصر الرائد عصام الدالى أن يكون الجندى عامر يحيى معه فى القارب، لأنه قناص ماهر، وتوزعت القوات على الشكل التالى:
1-إبراهيم الرفاعى ومعه عالى نصر ومجموعة النسف.
2-الرائد رجائى عطية ومعه ثمانية مقاتلين.
3- الرائد عصام الدالى ومعه ثمانية مقاتلين منهم النقيب وسام حافظ، وعلى أبوالحسن، ومحمود الجلاد، وإبراهيم البخارى.
4- النقيب حنفى معوض ومعه الملازم أول محسن طه وثمانية مقاتلين.
فى الثانية عشرة مساء، نزلت مجموعة حنفى معوض ومحسن طه للاستطلاع، وتأمين المنطقة، وبعدها تقدم الرفاعى ومجموعته وحزموا الرصيف تماما بالمفرقعات مع ضبطها على الانفجار بعد ساعة واحدة.
انسحبت القوارب وانتظرت فى عرض الخليج على بعد 500 متر من الموقع، وبعد 45 دقيقة انفجرت العبوات، وتم نسف الرصيف وصعدت ألسنة اللهب فى سماء المنطقة، ووسط الفرحة، اكتشف الرفاعى أن جزءا من الرصيف لم يتم تدميره لعدم انفجار العبوات الناسفة المزروعة، فأصر على تدميره، وبالرغم من قصف الدبابات الإسرائيلية للمنطقة فور الانفجار، فإن الرفاعى استطاع الوصول إلى الرصيف وتلغيم الجزء المتبقى، وأثناء قيامه بمهمته اتصل به عصام الدالى عبر اللاسلكى، لكنه لم يرد، فتقدم بقاربه للبحث عنه ومعه الجندى العريس عامر يحيى عامر، غير أن إحدى دبابات العدو اكتشفت قارب الدالى فهاجمته بعنف، واصطدمت إحدى الدانات بالماء، وحدث لها نوع من الارتطام، فعادت بقوة لتطيح برأس الجندى عامر، الذى لم يكن قد مضى على زواجه أكثر من أيام، كما أطاحت بنصف رأس الرائد عصام الدالى.
ألقت طائرات العدو المشاعل فوق مياه خليج السويس فأضاءته تماما، وبدأت عمليات إطلاق النار على القوارب، وبعد عدة مناورات قام بها الرفاعى ورجاله، عادوا فى الثالثة صباحا باستثناء الشهيدين «الدالى و عامر».
يؤكد الشافعى: «خسر الرفاعى رفيقا عبقريا هو عصام الدالى، الذى كان له عقلية استراتيجية نادرة، يمتلك القدرة على التخطيط، والشجاعة التى لا يمكن وصفها».
ذكرت جريدة الأهرام هذه العملية فى صفحتها الأولى يوم 1 سبتمبر 1969، وقالت: إن فدائيين من منظمة سيناء قاموا بها، فى حين يذكر الشافعى فى كتابه، أن المجموعة 39 قتال قامت إدارة المخابرات الحربية بتشكيلها، يوم 24 يوليو 1969، على أن تتبع فرع العمليات الخاصة، بما يعنى أن اسم «منظمة سيناء» ظل لفترة اسما علنيا لمجموعة «خاصة سرية» هى المجموعة «39 قتال».