لم يكن حلم رئاسة وزراء بريطانيا بعيدا عن ليز تروس، رغم أنه بدا أحيانا صعبا فى مسيرتها السياسية. فالمرأة التى ستدخل غدا الثلاثاء باب 10 دواننج ستريت زعيمة لبريطانيا، على الأقل حتى 2024، لو سارت الأمور بشكل طبيعى فى دولة شهدت العديد من التقلبات السياسية والإطاحة بحكومات فى السنوات الأخيرة.
وعندما كانت طفلة فى السابعة من عمرها، أدت مارى اليزابيث تروس، أو تراس كما ينطقها البريطانيون، دور امرأة بريطانيا الحديدية مارجريت ثاتشر فى مسرحية مدرسية. وكما تقول هيئة الإذاعة البريطانية بى بى سى، فعلى عكس رئيسة الوزراء المحافظة التى فازت بأغلبية كبيرة فى الانتخابات العامة فى سبعينيات القرن الماضى، لم تحقق تروس أى نجاح.
وتضمنت المسرحية انتخابات وهمية، وتذكرت تروس عام 2018 دورها فى المسرحية قائلة: "انتهزت الفرصة وألقيت خطاباً صادقاً فى الاجتماع الانتخابى لكن انتهى بى الأمر من دون الحصول على أى أصوات. حتى أنا لم أصوت لنفسي".
بعد تسعة وثلاثين عاما اغتنمت تروس الفرصة لتسير على خطى السيدة الحديدية بشكل حقيقى وتصبح زعيمة حزب المحافظين ورئيسة للوزراء.
وعن مسيرتها السياسية داخل حزب المحافظين، تقول صحيفة التليجراف إنها تتسم بالتناقض. فعلى الرغم من كونا قادمة من الخارج، وغالبا ما اعتبرها زملائها غريبة بعض الشىئ، إلا أنه دعمت حتى الآن الإجماع داخل الحزب. وعدد قليل فقط من الوزراء عملوا مع كلا من ديفيد كاميرون وتريزا ماى وبوريس جونسون، كانت هى من بينهم وسواء كان ذلك بسبب قدرة حقيقية أو حظ مطلق، أو بعض الخبث، فإنه مزيد ثلاثى يصعب تحديده.
ودخلت تروس البرلمان عام 2010، بعد محاولتين فاشلتين فى عام 2001 و2005. ولم تعرقل خسارتها الأخيرة طموحاتها السياسية، فقد تم انتخابها كعضو فى مجلس بلدية جرينتش جنوب شرق لندن فى عام 2006، وفى عام 2008 عملت أيضا نائبة لمدير مؤسسة الأبحاث "إصلاح" ذات التوجهات المحافظة.
وضع زعيم حزب المحافظين السابق ديفيد كاميرون تراس على "قائمة أ" للمرشحين الذين يحظون بأولوية الترشيح فى انتخابات عام 2010 وتم اختيارها للترشح عن المقعد الآمن للحزب فى جنوب غرب نورفوك الذى فازت به بأكثرية 13 ألف صوت.
لكن فى عام 2012 واجهت معركة ضد إلغاء تمثيلها لدائرتها الانتخابية من قبل جمعية حزب المحافظين الانتخابية بعد أن تم الكشف عن علاقتها الغرامية مع زميلها فى مجلس العموم عن حزب المحافظين مارك فيلد قبل خمس سنوات، بحسب بى بى سى.
لكن معارضيها فى الدائرة الانتخابية ذات الطابع الريفى إلى حد كبير، فشلوا فى النهاية فى محاولتهم للإطاحة بها.
وشاركت تراس فى تأليف كتاب بعنوان "بريطانيا متحررة من القيود" والذى دعا إلى إلغاء الدور التنظيمى للدولة لتعزيز مكانة المملكة المتحدة فى العالم، وباتت مدافعة بارزة عن سياسات حرية السوق فى صفوف حزب المحافظين.
فى عام 2016 أصبحت وزيرة العدل فى عهد رئيسة الوزراء تيريزا ماى، وانتقلت فى العام التالى لشغل منصب نائبة وزير الخزانة وهو منصب وضعها فى قلب البرنامج الاقتصادى للحكومة.
بعد أن أصبح بوريس جونسون رئيسا للوزراء فى عام 2019، انتقلت تراس إلى منصب وزيرة التجارة الدولية مما وفر لها الفرصة لمقابلة ساسة ورجال أعمال عالميين للترويج للشركات البريطانية.
فى عام 2021 عندما كانت تبلغ من العمر 46 عاما انتقلت إلى واحدة من أرفع الوظائف فى الحكومة وتولت منصب وزيرة الخارجية عندما نقل جونسون دومينيك راب إلى منصب وزير العدل.
وبعد فوزها زعامة المحافظين متغلبة على ريشى سوناك، يعتبر الاقتصاد التحدى الأكبر امام تروس. منذ أن أعلن بوريس جونسون فى يوليو الماضى أنه سيترك منصبه، تراجعت توقعات النمو، وارتفع معدل التضخم السنوى فوق 10%، مع ارتفاع أسعار الوقود والغذاء.
وأدى الإحباط بشأن ارتفاع تكلفة المعيشة إلى إضراب مئات الآلاف من العاملين فى الموانئ والقطارات والبريد. كما شهد الجنيه الاسترلينى أسوأ شهر له منذ الفترة اتلى تلت استفتاء بريكست، وسجل أدنى مستوى له أمام الدولار منذ أكثر من عامين.
ويمكن أن يزداد الأمر سوءا قبل أن يتحسن. فقد توقع بنك إنجلترا أن يقفز التضخم على 13% مع تفاقم أزمة الطاقة. وقدرت "سيتى جروب" أن يصل التضخم فى بريطانيا إلى ذروته 18% فى أوائل العام المقبل، بينما حذرت مجموعة جولدمان ساكس من أنه قد يصل إلى 22% لو ظلت أسعار الغاز الطبيعة مرتفعة بالمستويات السابقة.