فى الوقت الذى تتواصل فيه تفاعلات الأزمة الاقتصادية، وأزمة الطاقة فى أوروبا، استعدادا لشتاء بارد، استقبلت بريطانيا ليز تراس رئيس وزراء جديد بعد أشهر من الاضطراب السياسى بسبب أزمات حكومة رئيس الوزراء بوريس جونسون، بينما تستعد بريطانيا لما أسمته «سى إن إن» الكارثة الاقتصادية، حيث تخشى الشركات والمصانع والمنازل فى مختلف أنحاء بريطانيا من عدم قدرتها على اجتياز الشتاء دون مساعدة من الحكومة، وهو ما يضع ليز تراس رئيس الوزراء الجديد، أمام تحديات هائلة، تهدد وجوده واستقرار الحكومة.
ولم تشهد بريطانيا استقرارًا منذ الإعلان عن مغادرة الاتحاد الأوروبى بعد استفتاء أطاح برؤساء وزراء، فضلًا عن تراكمات أزمة اقتصادية سابقة حتى على الأزمة العالمية، لكن تداعيات كورونا، ثم أزمة حرب أوكرانيا ضاعفت من الآثار الاقتصادية والاجتماعية، على أوروبا عمومًا، وبريطانيا بشكل خاص، حيث ارتفع معدل التضخم السنوى أكثر من 10%، مع ارتفاع أسعار الوقود والغذاء ما أدى الى إضراب مئات الآلاف من العاملين فى الموانئ والقطارات والبريد، وتراجع الجنيه الإسترلينى إلى أدنى مستوى له أمام الدولار، مع توقعات بأن يزداد الأمر سوءًا، مع توقعات بأن يصل التضخم إلى ذروته 18% فى أوائل العام المقبل، خاصة مع توقعات بإجبار ملايين على الاختيار بين توفير الطعام أو تدفئة منازلهم الشتاء المقبل، ويحذر الخبراء من أن الناس قد يصبحون فقراء.
الأزمة فى بريطانيا تبدو أكثر شدة، وتنذر باضطرابات وأزمات سياسية، لكن الواقع أن الأزمة ممتدة فى أوروبا منذ شهور، ومع اقتراب الشتاء تتزايد المخاوف، من تضاعف أعراض الأزمة العالمية المركبة وتداعيات أزمة كورونا ثم حرب أوكرانيا التى خلفت تأثيرات كبيرة فى أسواق وإمدادات الغاز والطاقة عمومًا، وبشكل ألقى بظلاله على التعامل الأوروبى فى الكهرباء والمياه، بالإعلان عن إجراءات ترشيد لمواجهة تداعيات الحرب من جهة، والجفاف من جهة أخرى، بما يضاعف من معاناة الطبقات الوسطى والمستهلكين.
ويتزايد الحديث عن الترشيد أو إجراءات التقشف، وخفض الدعم، كرد فعل للتعامل مع أزمة مركبة، تغيب عنها سيناريوهات التوقع، وتضخم لم تواجهه الدول الكبرى منذ الحرب العالمية الثانية، حيث ارتفعت أسعار الكهرباء فى أوروبا إلى مستويات قياسية. وذكرت وكالة «بلومبرج» أن ارتفاع الأسعار يعكس تداعيات نقص إمدادات الغاز الطبيعى فى الأسواق، مع تخفيض روسيا كميات الغاز التى تصدرها إلى أوروبا التى تحاول ملء مستودعات التخزين استعدادًا لموسم ذروة الطلب على الطاقة فى الشتاء.
الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، وصف ما يجرى بحالة «عدم اليقين». وتشهد ألمانيا، أكبر اقتصاد فى الاتحاد الأوروبى ركودًا، لكونها إحدى أكثر الدول تأثرًا بخفض إمدادات الغاز الروسى، ويتسبب ارتفاع تكلفة المعيشة فى الإضرار بالشركات والأسر بمنطقة اليورو، بجانب موجات الجفاف، التى أدت إلى تراجع مستويات المياه فى أنهار أوروبا.
كل هذه التفاصيل معلنة وواضحة، وتأثيرها على الطبقات الوسطى فى أوروبا أصبح قاسيًا، ناهيك عن الفئات الأقل دخلًا، حيث تراجعت نسبة التوظيف، وتضاعفت البطالة، مع توقعات بارتفاعها خلال السنوات المقبلة.
هذا هو الواقع فى أوروبا الآن، ودول كثيرة فى العالم، تعانى من تأثيرات تتصاعد من دون أفق، وتجعل إجراءات الترشيد أو المواجهة الاجتماعية محاولات لإيقاف التدهور، والحفاظ على تماسك هذه المجتمعات، فى ظل قفزات وتحولات درامية تكاد تعصف بآمال ملايين البشر فى أوروبا، التى لم تكن قبل حرب أوكرانيا تعانى من مثل هذه المضاعفات، ومن الوارد أن تنعكس هذه التفاصيل فى صورة أزمات سياسية، واجتماعية، تغير من شكل ومضمون العلاقات داخل هذه الدول.
وفى بريطانيا أو أوروبا، خارج أو داخل الاتحاد، هناك تحولات، تجعل الهدف الأول هو الحفاظ على استقرار هذه الدول فى ظل أعاصير لم تكن تشير إلى كل هذه التداعيات.