اختتمت اليوم الإثنين، فعاليات اليوم الثالث والأخير من اجتماع القاهرة السادس لفعاليات الاجتماع السادس رفيع المستوى لرؤساء المحاكم الدستورية والعليا والمجالس الدستورية الأفريقية، الذى عقد خلال الفترة من 10 إلى 12 سبتمبر تحت عنوان "دور الرقابة الدستورية فى تنمية الشعوب" برعاية من الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية، ومشاركة 41 دولة أفريقية، لمناقشة سبل التعاون بين البلدان الافريقية فى مجال القضاء الدستورى.
وشملت المحاور التى تناولها الاجتماع خلال الثلاثة أيام الماضية 5 محاور رئيسية وهى الحماية الدستورية لمبدأ المواطنة، والحماية الدستورية لحقوق المهاجرين واللاجئين، والضمانات الدستورية لتنمية الموارد الطبيعية المشتركة، ودور الرقابة الدستورية فى حماية الخصوصية الثقافية، والعدالة الاجتماعية من منظور اقتصادى ودور القضاء الدستورى فى حماية سلامة المجتمع وتماسكه.
وأعلن المشاركون فى الاجتماع دعمهم للحقوق الدستورية للمهاجرين واللاجئين، والضمانات الدستورية لتنمية الموارد الطبيعية المشتركة، مع دعمهم الحلول التفاوضية العادلة لتنظيم استغلال الثروات الطبيعية المشتركة وأهمية تفعيل الضمانات القانونية لتوفير الحماية اللازمة للقضاة في سائر الأنظمة الدستورية، وتعزيز مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها كأحد الدعائم الرئيسية لضمان استقلال القضاء، والعمل على كفالة الحقوق الدستورية للمواطنين جميعا دون اعتبار لاختلاف الدين أو العرق أو الرأي السياسي أو أي اعتبار آخر.
وأصدر المشاركون فى اجتماع القاهرة السادس رفيع المستوى لرؤساء المحاكم الدستورية والعليا والمجالس الدستورية الأفريقية بيان القاهرة 2022 الخاص بالتوصيات الصادرة عن الاجتماع وشملت 19 توصية والتي تلاها المستشار بولس فهمي رئيس المحكمة الدستورية العليا، دعم الجهود الرامية لحلول تفاوضية عادلة بشأن تنظيم استغلال الثروات الطبيعية المشتركة بين الدول.
وأشارت التوصيات إلى حق المواطنين جميعهم في شغل الوظائف العامة على قدم المساواة، والدعوة لالتزام الدول الأعضاء بالعمل على إنفاذ الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الأجانب واللاجئين، وتشجيع الجهود الرامية لدمج اللاجئين في سوق العمل، وتوفير الفرص المناسبة لتأهليهم لحياة كريمة.
وثمن المشاركون في أعمال المؤتمر في توصياتهم مبادرات الدول الأطراف بإبرام الاتفاقيات الثنائية لإقرار المزيد من الحقوق للاجئين والمهاجرين، والدعوة لاعتبار حماية البيئة حق دستوري أصيل، والعمل على حمايتها من التلوث والتدهور، وتبني مفهوم "العدالة البيئية" في البلدان الأفريقية، ودعم القضاة الأفارقة في تنفيذه، حماية للموارد الطبيعية في تلك البلدان والتعاون فيما بينها في هذا الشأن.
ودعا المؤتمر إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات لضمان احترام الهوية الثقافية الأفريقية، وإقرار حق كل مجتمع في التمسك بالقيم الأخلاقية التي تقرها الجماعة الوطنية، والتسليم باحترام المجتمعات الأفريقية لحق كل مكون في الاعتراف بلغته وكفالة تمثيلهم الاجتماعي المناسب في كافة المجالات السياسية والاجتماعية، وكذا الدعوة لضمان نظام قانوني يتبنى إرساء قواعد العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة.
كما أكد المؤتمرون على كفالة الحد الأدنى للاحتياجات الأساسية لكل أفراد المجتمع كمطلب أولي لتحقيق السلام الاجتماعي، وأشادوا بالجهود الرامية إلى تمكين المرأة في شغل الوظائف العامة وولاية القضاء، فضلا عن دعمهم إنشاء مركز أفريقي للبحوث والدراسات الدستورية والقانونية بين المحاكم والمجالس الدستورية والمحاكم العليا ومنحه الصفة المؤسسية.
وثمن المؤتمرون اللقاءات الدورية المباشرة والافتراضية بين قضاة المحاكم والمجالس الدستورية والمحاكم العليا بغرض البحث العلمي والتدريب في العلوم الدستورية والقانونية، ودعوا إلى تنظيم دورات تدريبية متخصصة في العلوم الدستورية والقانونية بين قضاة المحاكم والمجالس الدستورية والمحاكم العليا.
وحث المشاركون على تعزيز الجهود الرامية إلى توطيد التعاون بين سائر المحاكم والمجالس الدستورية الأفريقية وبين نظرائها في العالم، وعلى الأخص المؤتمر العالمي للعدالة الدستورية واتحاد المحاكم والمجالس الدستورية العربية، ولجنة "فينيسيا" واتحاد المحاكم والمجالس الدستورية الفرانكوفونية ومؤتمر الهيئات القضائية الدستورية الأفريقية، وتعضيد كافة هذه المؤسسات والعمل على التعاون البناء بينها.
وأشار "إعلان القاهرة" إلى أن التداعيات المختلفة للحروب التي يشهدها العالم حاليا، وما خلفته من أثار سلبية على الاقتصاديات الأفريقية تمثلت في ارتفاع أسعار المواد الغذائية وأسعار النفط الخام، تؤكد الحاجة الماسة للتنمية في شتى القطاعات الاقتصادية والاجتماعية في الدول الأفريقية للخروج من هذه الأزمة العالمية.
وشددت التوصيات على وجود "مسئولية قانونية وأخلاقية" على قضاة المحاكم الدستورية والمحاكم العليا والمجالس الدستورية الأفريقية، للتباحث المستمر بشأن دور الرقابة الدستورية في تنمية الشعوب الأفريقية.
وبدوره فى نهاية الاجتماع أكد المستشار بولس فهمي رئيس المحكمة الدستورية العليا، أن المحكمة كانت وستظل فخورة بدورها في جمع شمل "الأمة الأفريقية" من خلال اجتماعات القاهرة السنوية التي تنظمها المحكمة، مشددا على أن هناك الكثير من الروابط العميقة والتاريخية التي تجمع البلدان الأفريقية ببعضها البعض، وأن مصر حريصة على تعزيز وتوطيد أواصر هذه الروابط.
وأشار رئيس المحكمة الدستورية العليا إلى أن الرقابة الدستورية تمثل جزءا مهما في عملية التنمية بكافة عناصرها (الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية) والتي تتطلع إليها الشعوب الأفريقية، لافتا إلى حرص القائمين على المؤتمر على أن يكون الاجتماع في جلساته شاملا لمختلف الإشكاليات والتحديات أمام القاضي الدستوري في ما يتعلق بعناصر التنمية.
وقال: "هناك إشكاليات تخص التنمية الاقتصادية، مثل ما يواجهه القاضي الدستوري من تحد لتحقيق التوازن والتوفيق بين اعتبارات العدالة والأوضاع القانونية التي من شأنها تعظيم رأس المال وضرورات الربحية، وقد وجدنا من الأوراق البحثية المقدمة ما يضع الحلول في إطار الدستور والتشريع".
وتطرق المستشار بولس فهمي إلى عنصر "التنمية الاجتماعية" وما يواجهه القاضي الدستوري من إشكالية ضرورة إحداث التوازن بين نص دستوري يحدد مناط التنمية الاجتماعية والتنمية الصحية والتثقيف والتعليم والتأهيل العملي.
وأشار إلى أن العنصر الخاص بـ "التنمية الثقافية" تعاظمت أهميته حيث بلغت شأنا كبيرا على مستوى الإعلام والتبادل الثقافي، موضحا أن القاضي الدستوري مطلوب منه أن يحقق توازنا دقيقا بين الموروث التقليدي الذي دبجته النصوص الدستورية والوافد الثقافي.
وتطرق المستشار بولس فهمي إلى فكرة "الموارد الطبيعية المشتركة والتنمية" مؤكدا أن الشعوب الأفريقية أصبحت تلمس هذه المشكلة، ومن بينها ما يتعلق على سبيل المثال بـ "المياه" وغيرها، فضلا عن التطورات البيئية المتلاحقة، مشيرا في هذا الصدد إلى أن مصر تنظم في شهر نوفمبر المقبل مؤتمر المُناخ في إطار حرصها على مناقشة قضايا البيئة، وأن قضاة المحاكم الدستورية لا يُمكن أن ينفصلوا عن واقع القضايا البيئية.
من جانبه، استعرض المستشار الدكتور عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا، التصور الذي توصلت إليه الجمعية العامة للمحكمة في شأن مشروع إنشاء "المركز الأفريقي للبحوث والدراسات الدستورية والقانونية" بحيث يكون مقره المحكمة الدستورية العليا في القاهرة.
وأوضح أن تصور إنشاء المركز يستهدف الدراسة المعمقة للمشاكل القائمة التي ليس لها حلول واضحة حتى الآن، وإعطاء تصور تقيمي ودراسة مقترحات بكيفية التعامل معها، واستشراف المستقبل وتوقع ما يمكن أن يشهده.
وأشار إلى أن من بين أهداف المركز وضع المحاور العلمية للاجتماع السنوي الذي ينعقد في القاهرة، ودراسة التوصيات التي تصدر عن كل اجتماع في ضوء أعماله وإعداد تقرير سنوي حول الوضع الكلي للاجتماع، إلى جانب عمل الأبحاث ووضع خطة سنوية للمشاكل القانونية التي يمكن أن تكون محل اهتمام القارة الأفريقية أو إحدى الدول الأفريقية المعرضة لموقف أو مشكلة بعينها، فتكون هناك خطة تؤسس من خلالها أبحاث ودراسات وتعقد ندوات ويستقدم الخبراء الدوليون من أجلها، في إطار "عصف فكري" لطرح الحلول لحالة تؤرق دولة أفريقية محددة أو كل الدول الأفريقية.
ولفت إلى أنه في حالة أن أي محكمة دستورية أفريقية قد ترى وجود مشكلة مستقبلية قد تتعرض لها، وذلك من خلال المؤشرات التي ترد إلى قضاة المحكمة، فإن من بين مهام المركز إقامة الندوات وتقديم الاستشارات من خلال خبرات متخصصة من المركز.
وأضاف أن المركز سيكون من بين مهامه إعداد القضاة في ظل التطور السريع الذي يشهده العالم ومجالات التكنولوجيا، والتي أصبحت معها صور الجرائم شديدة الدقة بما يتطلب إعدادا مكثفا للقضاة في درجاتهم المختلفة، في ظل أن الأوضاع القانونية المستحدثة أصبحت بالغة معقدة.
وقال: "نحن في المحكمة الدستورية العليا لدينا برامج متخصصة يمكن البناء عليها في المركز، وتصميم برامج حسب احتياجات كل دولة، وأيضا التعاطي مع الدول المختلفة من خلال ما يتيحه المركز. فضلا عن أوجه النشاط الدستوري في أفريقيا، إذ أن هناك تحديات حول مسائل وقضايا تتطلب تشاورا وصولا لمبادىء أساسية في المفاهيم الدستورية، للحفاظ على المبادىء التي تمثل الحد الأدنى الذي لا يمكن تجاوزه، ومن بينها الضمانات المتعلقة بحقوق المتهمين التي تقررت من خلال المنتديات الدولية قبل الاتفاقيات الخاصة بها".