يمر اليوم 29 عاما على رحيل عبقرى الموسيقى الموسيقار الكبير بليغ حمدى مداح القمر الذى رحل عن عالمنا فى مثل هذا اليوم الموافق 12 سبتمبر عام 1993، لكنه سيبقى حاضراً دائماً بألحانه وأعماله العابرة للزمن والتى ساهمت فى نجومية عمالقة الطرب وأمتعت الملايين، بليغ حمدى أحد مبدعى ومجددى الموسيقى فى مصر والعالم العرب، الجن الذى يستطيع أن يسحرك بموسيقاه المتنوعة، فتطير حباً وشوقاً حين تسمع ألحانه العاطفية التى أبدعها لعمالقة الطرب، وتدمع عيناك حين تسمع ألحانه الدينية التى شدا بها سلطان المداحين الشيخ سيد النقشبندى وأشهرها أنشودة مولاى، وتشعر بكل معانى الانتماء وحب الوطن التى عبرت عن المشاعر فى أوقات الانكسار والانتصار من عدى النهار إلى ياحبيبتى يامصر، وبسم الله، وعلى الربابة، وحلوة بلادى السمرا وغيرها.
لحن بليغ حمدى أجمل الألحان لعمالقة الغناء ومنهم كوكب الشرق أم كلثوم وشادية وعبدالحليم حافظ ومحمد رشدى وميادة الحناوى وغيرهم الكثيرين، واكتشف وساهم فى نجومية عدد من كبار المطربين ومنهم الفنان الكبير على الحجار.
استطاع بليغ حمدى أن يطوع النغمات كما يريد وكأنه يغزلها ويأتي بها من عالم ساحر فتنقلك إلى عالم أكثر سحراً وجمالاً ، وبقدر هذا السحر كانت حياة بليغ مليئة بالحب والهجر والفوضى والرقى والجمال وبها الكثير من المفارقات والمعلومات التي قد لا يعرفها الكثيرون.
جمع بليغ حمدى بين محبة الجمهور بكل طبقاته من الفلاح البسيط إلى الملوك والرؤساء، وكما استلهم عدد من ألحانه من التراث الشعبى وما يجرى على لسان البسطاء أبدع عدد من أعماله بتوجيهات رئاسية وملكية، حيث جاء تعاون بليغ حمدى والنقشبندى باقتراح من الرئيس السادات عندما حضرا فرح ابنته فاقترح السادات أن يتعاونا، وقال اتمنى أن أسمع صوت الشيخ النقشبندى يشدو بألحان بليغ، وكان النقشبندى متخوفاً من هذا التعاون لا يخيل كيف يتعاون مع بليغ الذى اعتاد تلحين الأغانى الرومانسية حتى أبهره بليغ فى تلحين نشيد مولاى ، وقال الشيخ " بليغ ده جن" ، وأسفرت نفس الجلسة عن تلحين 9 ابتهالات لحنها بليغ للنقشبندى خلاف ابتهال مولاى.
وكما لحن بليغ حمدى عدد من ابتهالات الشيخ سيد النقشبندى بناء على طلب رئاسي لحن أغنية بهية وهى إحدى أشهر أغانى محمد العزبى بأمر ملكى وهو ما كشفه العزبى فى أحد حواراته مؤكداً أن الملك الحسن الثّاني كان السبب في أن يلحّن بليغ حمدي أغنيّة عيون بهيّة، التى كانت سبباً فى شهرة العزبى.
وقال الفنان محمد العزبى فى حواره أنه فى إحدى حفلات عيد العرش سأل الملك الحسن الثانى بليغ حمدي لماذا لا تلحن للعزبى ؟ ، فوعد عبد الحليم حافظ الملك بأن يغنّي العزبي في الحفلة القادمة من ألحان بليغ حمدي، وبالفعل كتب الشاعر محمد حمزة كلمات أغنية بهية ولحنها بليغ حمدى.
وبالرغم من أن بليغ لحن عدد من الأغانى لكوكب الشرق أم كلثوم وصل عددها إلى 11 لحنًا، وهى: "حب إيه، حكم علينا الهوى، ألف ليلة وليلة، الحب كله، إنا فدائيون، فات الميعاد، بعيد عنك، كل ليلة وكل يوم، سيرة الحب، أنساك، ظلمنا الحب"، إلا أنه رفض تلحين أغنية هسيبك للزمن، رغم أن الجميع كان يسعى للتلحين لكوكب الشرق.
وفى لقاء تلفزيونى للموسيقار الكبير بليغ حمدى كشف أنه رفض تلحين أغنية "هسيبك للزمن" ، موضحا أن صديقه عبدالوهاب محمد عرض عليه تلحينها ولكنه بعد أن قرأ الكلمات وجد فيها " قسوة على الحبيب" – على حد قوله- قائلا : " إزاى حبيب يقول لحبيبه هسيبك للزمن..إبكى مش هسأل عليك اشكى مش هرحم عينيك..أنا مقدرش أقول كدة لحبيبى مهما حصل ..الحب حنية مش قسوة وعلشان كدة رفضت تلحين الأغنية لأنى مقتنتعتش بكلامها"، وبالفعل لحن الموسيقار الكبير رياض السنباطى هذه الأغنية بدلاً من بليغ حمدى.
كانت حياة بليغ حمدى ثرية أيضا بقصص الحب والمغامرات العاطفية، فلم يكن يستطيع أن يعيش أو يبدع بلا قصة حب ، وكانت أكثر هذه القصص عمقاً وبقاءاً ، ورسوخاً في أذهان الجمهور هي قصة حبه للفنانة الكبيرة وردة، والتى أثمرت عن فيض من الإبداعات الموسيقية التى لحنها بليغ حمدى لوردة.
ولكن قد لا يعرف الكثيرون أن بليغ حمدى ارتبط فى فترة من حياته بالفراشة سامية جمال قبل ارتباطها بالدنجوان رشدى أباظة وتطورت قصة حبهما إلى خطوبة ولكنها لم تكتمل بالزواج، و نشرت تفاصيل هذه القصة مجلة الكواكب عام 1959 ، تحت عنوان "قصّة خطبتهما.. كما كتبتها سامية جمال وراجعها بليغ حمدي"
وقبل إعلان خطبة بليغ وسامية جمال تداولت الشائعات أنباء قصة حبهما، وكتبت سامية جمال فى هذا العدد أن الشائعات تناثرت حول علاقة حب تجمعها ببليغ حمدى، وحينها اتهمت بليغ بأنه هو الذى يسرب هذه الأخبار والتفاصيل، وأقسم بليغ بأنه برئ من ذلك ولكنها أبلغت أحد أصدقائهما بأن ينقل لبليغ رغبتها فى تجنب هذه الشائعات بالابتعاد عنه حتى تستريح.
وتابعت سامية جمال فيما كتبته عن خطبتها لبليغ حمدى، أنها فوجئت باتصال ببليغ يستفسر عن قرارها فأبلغته بأنها مصرة على أن يبتعدا ، فشكرها وأغلق الهاتف.
وعن ذلك قال بليغ أنه كان متأكدا بأن علاقته بسامية جمال لن تنتهى بهذه الصورة .
وأضافت سامية جمال :" مر شهر على هذه المكالمة ومرض صديق مشترك وذهبت لزيارته وفوجئت بوجود بليغ ، الذى ظل يرحب بى فى اهتمام بالغ، ودعانا صديقنا لتناول الغداء فى اليوم التالى ، وحينها شعرت بحب بليغ ولم أنكر فرحتى بهذا الحب"
وأكدت فراشة السينما أنها فكرت فى هذه العلاقة بعد أن استعرضت حياتها والعزلة التى فرضتها على نفسها ورفضها لعدد ممن تقدموا للزواج منها ، مشيرة إلى أنها شرحت لبليغ كل ظروفها ومشاكلها، وعرض بليغ عليها الزواج قائلا:" إننى أحبك وأقصى أمنيتى أن أتزوجك ويوم توافقين على الزواج أرجو ألا تبخلى على بإعلان هذه الموافقة"
وأكدت سامية أنها أبلغت بليغ بموافقتها وكان ذلك بعد انتهاء سهرة ليلة الأحد فى الرابعة صباحا ففرح بليغ وأخبرها أنه سيشترى الدبل فى اليوم التالى .
وعقب بليغ على ذلك مشيرا إلى أنه بعد اتفاقهما على الزواج ولأنه يعلم أن سامية تتشاءم من يوم الثلاثاء قرر أن يشترى الدبل يوم الاثنين لأنه لم يستطع الانتظار حتى يوم الأربعاء.
وأضافت سامية أنه فى يوم الاثنين الموافق 29 يونيو أعلنا خطبتهما دون أن يسمع بها أحد وكانت اول من عرف بهذا الخبر الشحرورة صباح بعد ان اتصلت بها الشحرورة لتدعوها إلى سهرة.
وتابعت الفراشة قائلة :" أعجبنى فى بليغ شخصيته وطيبة قلبه وأخلاقه واعتزازه بكرامته إلى جانب فنه كملحن قدير وأنا أستعجل الأيام الباقية على إتمام الزواج واتفقنا أن يكون زفافنا عقب انتهائى من فيلمى الذى أعمل به حاليا" ىبينما علق بليغ قائلا: " انا أكثر منها انتظارا لهذا اليوم السعيد" ولكن لم تكتمل هذه العلاقة ولم تتوج خطوبة بليغ حمدى وسامية جمال بالزواج حيث ارتبط بعدها بوردة الجزائرية بينما تزوجت سامية جمال من جان السينما الفنان الكبير رشدى أباظة.
وبدأت العلاقة الفريدة بين بليغ ووردة قبل اللقاء، حينما استمعت الفتاة الجزائرية التي لم يتجاوز عمرها 16 عاما إلى أغنية "تخونوه" للفنان عبد الحليم حافظ من فيلم الوسادة الخالية، الذى شاهدته فى إحدى صالات السينما بفرنسا حينما كانت تقيم مع أسرتها هناك، أعجبتها الأغنية لدرجة جعلتها تتعلق بملحنها دون أن تراه، فعزمت على أن تلتقيه إذا سمحت الظروف.
وحانت لحظة اللقاء، حينما دُعيت الشابة جميلة الصوت وردة للحضور إلى مصر، فشعرت وقتها بالسعادة لأنها ستلتقي بليغ حمدي، ملحن أغنية "تخونوه" التي تحبها.
وحكي الإعلامي الراحل وجدي الحكيم أن شرارة الحب انطلقت مع اللقاء الأول بين وردة وبليغ حمدي، عندما ذهب لتحفيظها أول لحن "يا نخلتين في العلالي" ، وقال الحكيم إن بليغ أخبره أنه لأول مرة يهتز حين يرى امرأة، عندما سلّم على وردة.
وأكد وجدى الحكيم أن بليغ اصطحبه هو ومجدى العمروسى كى يتقدم لخطبة وردة، لكن والدها رفض استقبالهم على باب المنزل، ورغم رفض أسرة وردة زواجها من بليغ، ظل حبه لها مشتعلا، حتى بعدما عادت مع عائلتها للجزائر، وأصرّت أسرتها على زواجها من قريبها، وحتى بعدما أنجبت ابنيها وداد ورياض وابتعدت عن الفن، ومرّت عشر سنوات دون أمل.
بعد سنوات من ابتعاد وردة عن الفن، سافر عدد من الفنانين المصريين إلى الجزائر للاحتفال بعيد الاستقلال، فذهبت وردة للقائهم في الفندق، وكان من بين الحضور هدى سلطان ومحمد رشدي وبليغ حمدي، الذي أمسك بالعود وجاءته فكرة أغنية "العيون السود"، التى كتب عددا من أبياتها فى هذا التوقيت، وبعدها بعام ونصف العام انفصلت وردة عن زوجها، وعادت إلى مصر وغنّت "العيون السود" فى 1972، التى أكمل كتابتها الشاعر محمد حمزة بأفكار بليغ، وقال عنها وجدى الحكيم إنها جسدت قصة حب وردة وبليغ وعبر فيها العاشق الولهان عن مشاعره.
وبعدما عادت وردة إلى مصر تُوجِّت قصة الحب بالزواج، إذ عُقد القران في منزل الفنانة نجوى فؤاد، وغنّى فيه العندليب الأسمر أغنية "مبروك عليك يا معجبانى"، واستمر زواج وردة وبليغ 6 سنوات.
وغنّت وردة أجمل أغانيها من ألحان بليغ، ومنها: العيون السود، وخلّيك هنا، وحكايتي مع الزمان، واشتروني، وغيرها.
لكن بسبب الغيرة واعتياد وردة على الحياة الأسرية التي لم يعتدها بليغ، وقع الطلاق بينهما، ما تسبب في تدهور حالة بليغ الصحية والنفسية، حتى أنه كاد يُصاب بالاكتئاب، كما أصيبت وردة بعد الطلاق بانفجار الزائدة الدودية وكادت تفقد حياتها. وكتب بليغ حمدى أغنية بودعك، وطلب من وردة أثناء مكالمة تليفونية من منفاه في فرنسا أن تغنّيها، لكنها تردّدت بعض الشيء.
ورغم الطلاق، إلا أن مشاعر الحب والمودة ظلت مستمرة، وظل بليغ يحب وردة ، حتى أن ابن شقيقه قال إنه كان يردد اسمها قبل وفاته في 1993.
وقال وجدي الحكيم، إن الفنانة وردة ندمت على الانفصال عن بليغ، وقالت له: «تعاملي مع بليغ بعد انفصالنا خلاني ندمت على الانفصال، ولو كنت عرفت بليغ زي ما عرفته بعد الانفصال كانت الحياة استمرت بينا".
وغنّت وردة أغنية "بودعك" التي كانت آخر أغنية جمعتها مع بليغ، وبعد وفاته أصيبت بحالة اكتئاب شديدة، وظلّت في كل لقاءاتها تتحدث عنه، إلى أن توفيت في عام 2013، بعد عشرين سنة من وفاته.
فيما ارتبط بليغ حمدى قبل وفاته بأربع سنوات بعازفة البيانو نانسى فاروق التي عايشت فترة مرضه الأخير بعد عودته من فرنسا إلى مصر وتبرئته من قضية قتل سميرة مليان حين قابلته بمكتب ميشيل المصرى وكانت وقتها طالبة بكلية التربية الموسيقية وعازفة بيانو ناشئة وكان بليغ وقتها في عمر يزيد عن عمر والدها ، وكانت مغرمة ببليغ وألحانه قبل أن تراه وشعرت بارتباك حين قابلته لأول مرة وشعر بليغ بهذا الارتباك، وتعلق بالفتاة الصغيرة وتوطدت علاقتهما خلال فترة مرضه الأخير ، وفى حوار صحفى تحدثت نانسى فاروق عن تطور هذه العلاقة:" «اتصل بى أحد أفراد أسرته ذات مرة، بناءً على طلبه لأساعدهم فى حجز موعد لدخوله المستشفى، وبالفعل قمت بذلك، واكتشف إصابته بفيروس «سى»، وكان وقتها قد تعاقد على تلحين أغانى مسلسل «بوابة الحلوانى»، فلما ساءت حالته، اتصل بمنتج المسلسل للاعتذار عن عدم تلحين الأغانى، لكنى أصررت على ألا يعتذر عنه، وأحضرت العود الخاص به إلى المستشفى، وقمت بتأجيل التزاماتى كى أكون بجواره فى فترة مرضه، فكنت أتابع تسجيل الألحان فى الاستديو ومع الموزع، ثم أعود إلى منزلى للراحة بعض الوقت، وأذهب بعدها إلى بليغ فى المستشفى وأطلعه على آخر الأخبار، فكانت حالته النفسية تتحسن، وعندما أحس ببعض التحسن فى صحته ذهب معى فى إحدى المرات إلى الاستديو ليباشر التسجيل بنفسه"
وأكملت: «شعر أن هناك شخصاً يحبه ويسانده بلا غرض، فلم يكن لى مصلحة معه ، وما بيننا كان أكثر عمقاً وصدقاً من مجرد الاختزال فى علاقة رجل بامرأة، حتى أنه وصفنى فى إهداء كتبه لى بخط يده على ظهر صورة فوتوغرافية: (إلى ابنتى الكبيرة، إلى أختى الصغيرة، إلى صديقتى الصادقة، إلى الحساسية المطْلقة، إلى المشاعر الذكية، إلى نانسى الغالية)، ومن محبته لى كتب لى ورقة يوصينى فيها على نفسى، وكانت الفنانة «ذكرى» صديقتى ووصفت علاقتى به بأننى (الجملة الموسيقية الأخيرة فى حياة بليغ حمدى).