انتقل الوفد المصرى بالطائرة من كامب ديفيد إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، ثم انتقل بالسيارات إلى البيت الأبيض، لتوقيع الرئيس أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجين والأمريكى جيمى كارتر، على اتفاق سلام بين مصر وإسرائيل يوم 17 سبتمبر، مثل هذا اليوم، من عام 1978، وحسب الدكتور بطرس غالى وزير الدولة للشؤون الخارجية وعضو الوفد المصرى: «جرت المراسم فى الدور الأول، وعلى المنصة ألقى كارتر وبيجين والسادات كلمة صغيرة، ثم بدأ التوقيع وسط التصفيق».
ينقل غالى الحالة النفسية للوفود الثلاثة أثناء التوقيع، قائلًا فى كتاب «ستون عاما من الصراع فى الشرق الأوسط - شهادات للتاريخ»، حوارات مع «أندريه فيرساى » عن «دار الشروق - القاهرة»: «التباين فى المزاج بين الوفود كان واضحا، كان الأمريكيون والإسرائيليون سعداء، ولكننا كنا أقل منهم سعادة، فى الحقيقة بعضنا ومنهم محمد إبراهيم كامل «وزير الخارجية» بالتحديد تصور أنه ما دام أن إسرائيل فى موقف قوة، فقد كان من الأفضل أن ننتظر إلى أن نقوى أنفسنا حتى نتفاوض ونحن فى حالة تكافؤ».
تم توقيع الاتفاق بعد 12 يومًا من المفاوضات «بدأت فى 5 سبتمبر»، يتذكر بطرس غالى، خلالها، أن العلاقات بين الوفد المصرى والإسرائيلى كانت ممتازة «باستثناء محمد إبراهيم كامل الذى أصابه إحباط تام، وكان يرفض مقابلة أحد، كنا نتريض معا، ونذهب إلى حمام السباحة معا، وكنا أحيانا نذهب لنشاهد فيلما معا، كان مناخا يشبه إلى حد ما الرحلات البحرية، كانت سفينة كامب ديفيد تفرض علينا التعايش».
ينقل «كامل»، جانبا مما حدث، حيث كان موجودا رغم أنه تقدم باستقالته يوم 16 سبتمبر، دون المشاركة فى أى نشاط رسمى، ملتزما باتفاقه مع السادات بعدم الإعلان عن الاستقالة إلا بعد عودته للقاهرة.
يقول كامل فى مذكراته «السلام الضائع»: «تحدث السادات شاكرا كارتر: «التزمت بأن تكون شريكا كاملا فى مسيرة السلام، وأنه ليسعدنى أن أقول إنك قد وفيت بهذا الالتزام بشرف»، ثم تكلم بيجين: «إن مؤتمر كامب ديفيد يجب أن تعاد تسميته إلى مؤتمر «جيمى كارتر» الذى بذل جهودا شجاعة وجبارة لإنجاح المؤتمر، وعمل بجهد واجتهاد يفوق حسب تجربتى التاريخية العمل والجهد الشاق الذى بذله أجدادنا عندما بنوا الأهرامات فى مصر، ودوى ضحك وتصفيق ويعلق كامل: «من واقع تجربتى لبيجين لم يقل هذه العبارة اعتباطا، وإنما عن عمد وسبق إصرار لعلها تكون تكئة للبناء عليها بالقدر الذى يسمح لإسرائيل فى يوم ما بالمطالبة بأهرامات الجيزة كنقطة بداية لتحقيق مطامع أوسع ولم لا».
يكشف «كامل» أنه خرج للمشى مع أحمد ماهر عضو الوفد المصرى «وزير الخارجية فيما بعد»، ثم عاد إلى استراحته بعد انتهاء التمشية، فأبلغوه أن الرئيس السادات يسأل عنه، فذهب إليه ليجد عنده حسن التهامى وحسن كامل وبطرس غالى وأشرف غربال وأسامة الباز، ونهض السادات واقفًا لاستقباله بترحاب حار ودعاه للجلوس بجانبه.. يصف كامل حالة الجميع: «خيل إلى أن الجو المخيم كئيب وكأننا فى مأتم، كان الحديث مفتعلًا تشوبه فترات طويلة من السكوت، ولا يتعرض لموضوع الاتفاقية بشكل مباشر، وأحسست أن الحاضرين بمن فيهم السادات يشعرون بأنهم مقدمون على مصيبة أو على الأقل على شىء لا يبعث على البهجة أو الارتياح، أما أنا فالتزمت السكوت التام، كنت أشعر بانقباض شديد، ولا أذكر من الذى قال من الحاضرين أن الشىء الذى سيثير معارضة الفلسطينيين هو أن عبارة «تقرير المصير» فى الاتفاقية وضعت بشكل غامض، فقال السادات: «لم يمكن غير ذلك فقد قال لى الرئيس كارتر، إن هذه العبارة ستفقده كرسى الرئاسة».
يكشف كامل: «انفجرت قائلا بصوت عال منفعل: «أهذا هو رئيس أقوى دولة فى العالم؟، أهذا هو القديس الذى كان يدعى أن الدفاع عن حقوق الإنسان والمبادئ والقيم هو محور سياساته، إنه ابن كذا وابن كذا، أمن أجل أن يظل رئيسًا لأمريكا ثمانى سنوات بدلًا من أربع يضحى بمصير شعب بأكمله؟، ياله من تافه وحقير».
ساد سكون مطلق وترقب لرد فعل السادات.. يؤكد كامل: «كنت أشعر أنه لو كان أمامه سكين لأغمده فى صدرى، وبعد فترة قهقه بصوت عميق درامى: «هه،هه،هه» قال وهو يضع يده على كتفى: «أصلك يا محمد أنت مش سياسى «فرد محمد: «إذا كانت هذه هى السياسة فلا يشرفنى أن أكون سياسيا».