الخطوة التى اتخذتها لجنة العفو الرئاسى نحو إعادة دمج المفرج عنهم فى المجتمع، وإطلاق سراح عشرات منذ إطلاق المبادرة الرئاسية للحوار الوطنى وتفعيل عمل لجنة العفو، سواء بقرار من النيابة العامة أو بقرارات رئاسية، والاتجاه الأخير بدمج المفرج عنهم ومتابعة عودتهم لحياتهم وأعمالهم، تمثل استكمالا لدور اللجنة وتأكيدا لإصرار الدولة على السير باتجاه توسيع المشاركة وتدعيم الحوار الوطنى. كل يوم هناك خطوة للأمام فى هذا الاتجاه، مع الأخذ فى الاعتبار أن لجنة العفو الرئاسى تلعب دورا مهما فى تمهيد طريق الحوار، وتأكيد جدية الدولة بشأنه، باعتبار هذا الملف الأكثر إلحاحا، فضلا عن كونه يمهد الطريق لمشاركة أوسع، وأن هذه الاستجابة تفاعل واضح مع مطالب التيارات السياسية.
تحرك لجنة العفو الرئاسى فى ملف دمج المُفرج عنهم انعكاس لتفاعل آخر مهم يرتبط بملف إخلاء المحبوسين، فقد أعلنت اللجنة تلقيها عددا من الطلبات بشأن مواقف المفرج عنهم، وأنها بدأت بالفعل تنفيذ عدد من الإجراءات من أجل عودة البعض لأعمالهم أو توفير فرص عمل لآخرين، والتنسيق مع الجهات المعنية بالدولة لحل بعض الأمور الإجرائية المتعلقة بمنع السفر أو التحفظ على الأموال، وكلها استجابات مهمة لمطالب مطروحة.
كل تلك التحركات جزء أصيل من الحوار الوطنى، وأرضية لبناء الثقة من خلال إعادة المفرج عنهم لحياتهم الطبيعية، ورفع الآثار الناجمة عن فترات صعبة عاشوها، والواقع أن لجنة العفو الرئاسى تعمل بخطوات جيدة وتتفاعل مع مطالب القوى المختلفة، وكان خروج أعداد من المحتجزين بشكل متتالٍ وعلى فترات قصيرة، والاتجاه لخروج المزيد، تأكيدا واضحا بشكل عملى على أن الدعوة للحوار تشمل كل الأطراف السياسية والأهلية، من دون استبعاد أو تمييز، وهو ما يمثل جسرا مفتوحا يستوعب الجميع، باعتبار أن إنجاح الحوار يقوم على كفاءة استغلال الأرضية المشتركة وبناء الثقة.
ومنذ إطلاق مبادرة الرئيس خلال إفطار الأسرة المصرية فى إبريل الماضى، تحدث سياسيون ونواب ونشطاء فى كل القنوات ووسائل الإعلام، أو كتبوا على صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعى، وطرحوا وما زالوا آراء أو مطالب وتصورات حول رؤيتهم للحوار، أو ما يرون أنها القضايا الأولى بالمناقشة، مع ما تلقته جهات التنظيم من أفكار ومقترحات، بما يقود إلى بلورة رؤى يمكن أن تمثل أرضية للحوار، الذى ينتظر الرأى العام من المشاركين فيه نتائج واضحة وملموسة، لكن الأهم هو أن يندمج السياسيون والخبراء فى حوار يستمر على مدى سنوات، ويتفاعل مع كل ما يجرى من تحولات حول العالم وفى أشكال الممارسة السياسية والحزبية.
تُعد لجنة العفو الرئاسى إحدى أهم نقاط الارتكاز فى الحوار الوطنى، لأنها لم تتوقف عند محطة الإفراج عن المحبوسين، وإنما تُوسع عملها لتكون جسرا جديدا بين المفرج عنهم والمجتمع والجهات التنفيذية، بما يُقوى دور اللجنة وفاعليته فى تمهيد أرضية الحوار، ويُسهل فتح المجال للنقاش بين التيارات السياسية وبعضها، وليس فقط بين حكومة ومعارضة، إذ يحمل كل تيار تصوراته السياسية والاقتصادية، انطلاقا من أسسه الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، يسارا ويمينا، مع الأخذ فى الاعتبار أن الواقع السياسى والاقتصادى العالمى اليوم أسقط كثيرا من الحواجز التى تفصل بين الأيديولوجيات المختلفة، وأعاد ترتيب منظومة القوانين والعلاقات الاقتصادية من خلال عولمة الاقتصاد ورؤوس الأموال.
قد تكون هناك خلافات بين التيارات السياسية والحزبية، لكن نجاح الحوار يتصل بمدى قدرة كل هذه التيارات على تقبّل بعضها، واستيعاب الاختلافات، بحثا عن مطالب تحظى بتوافق دون الدخول فى مواجهات واشتراطات قد تُشتت الأمر.
الشاهد فى كل هذا أن الدولة تقدم كل العوامل لإنجاح الحوار، ويبقى على التيارات السياسية والحزبية دور مهم، عبر المشاركة الفعالة وتقديم رؤى واضحة ومتماسكة فى كل الملفات، مع بناء أرضية ثقة مشتركة تسمح بالتنوع والاختلاف وتعمل على إدارته بكفاءة وحيوية وفى صالح كل الأطراف، وصالح الدولة ومواطنيها أولا وأخيرا.