فشلت كل المحاولات المبذولة التى قادها الرئيس جمال عبدالناصر، لوقف القتال الدائر منذ 16 سبتمبر 1970 بين الجيش الأردنى وقوات المقاومة الفلسطينية، وتذكر «الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1970»، الصادرة عن «مؤسسة الدراسات الفلسطينية»، أن عبدالناصر بعث برسالة حاسمة إلى الملك حسين، بتاريخ 21 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1970، غير أن الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل يذكر أنها بتاريخ 20 سبتمبر، ويكشف فى مقاله «عبدالناصر والمقاومة الفلسطينية» بالأهرام، 25 ديسمبر 1970، أن الملك حسين حين سلمه الفريق صادق هذه الرسالة قرأها وتأثر، ورفع سماعة التليفون وطلب قائد جيشه وأصدر إليه أمرا حازما بوقف إطلاق النار، والتفت إلى الفريق صادق يطلب عدم إذاعة الرسالة.
يؤكد هيكل: «أجيب إلى طلبه حينها، وضرورات إحقاق الحق تتطلب نشرها لأول مرة»، ونصت الرسالة: «لقد طالبت الفريق محمد صادق أن يبلغ جلالتكم بقرارى أن يغادر عمان بعد التطورات المؤسفة والمخزية التى لا زالت مستمرة لا تجد سبيلا لوقفها على نحو نرضاه.. وإذا كان لى أن أقول لجلالتكم شيئًا فى هذه اللحظات الخطيرة من حياة أمتنا فإننى أضع تحت تصرفكم ما يلى:
1 - إن استمرار العمليات العسكرية بالطريقة التى جرت، وما تزال تجرى فى عمان ينبغى له أن يتوقف، وكان يجب أن تتوقف منذ وقت طويل، وكان يتحتم على السلطة الأردنية أن تكون أقدر على ضبط النفس خصوصًا بعد أن توصلنا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار..إن المسألة ليست مسألة السلطة ولكن هناك عوامل وطنية وقومية وإنسانية لها حرمتها ولها احترامها، ولست أتصور كيف يمكن أن تقوم سلطة فى الأردن، أو تستقر على الأنقاض والأشلاء وعلى دم يراق بغير حساب.
2 - إن جلالتكم تذكرون منذ لقائنا فى الإسكندرية فى 21 أغسطس الماضى، أننى أوضحت لكم وجهة نظرى كاملة فى أنه ليس من المصلحة العربية العليا الآن، ولا فى صالح نضالنا المستقبل أن تتعرض المقاومة الفلسطينية لأية عمليات تؤدى إلى تصفيتها أو تحمل شبهة مثل ذلك القصد، ولقد أحسست أنى أوضحت رأيى أمامكم وأن اقتناعكم به كان باديًا، ومن سوء الحظ أن شكل الحوادث منذ بدأ تشكيل حكومة عسكرية فى الأردن خلق انطباعا معاكسا لهذه الروح، ثم توالت التصرفات بعد ذلك بما لم يكن هناك مبرر له، إنى أدرك أنه وقعت من الجانب الآخر أخطاء، ولكن الجمهورية العربية المتحدة لا تستطيع أن تقبل بأن يكون الرد على ذلك بما يظهر للكل وكأنه ضرب للمقاومة كلها.
3 - إننى لا أملك إلا مصارحة جلالتكم بأن الظروف الأخيرة دفعت إلى مواقع المسؤولية فى الأردن بعناصر لا أظن أننى قادر على الاطمئنان إلى حسن نواياها، ولست أعتبر أن النصيحة التى يمكن أن يقدمها مثل هؤلاء نصيحة صائبة أو خالصة، ومع أنه ليس حقى أن أتدخل فى الشؤون الداخلية للأردن، فإننى لا أستطيع بمسؤولية الظروف غير أن أصارحكم بذلك، وتقديرى أن خطر هذه العناصر لا يتربص بالمقاومة الفلسطينية فقط، ولكن يمكن أن يؤدى إلى مخاطر على الأردن نفسه وعلى مؤسساته الوطنية.
4 - إن الجمهورية العربية المتحدة «مصر» تؤمن بأهمية دور المقاومة الفلسطينية وتؤمن بشرعيتها، وتعتقد بفاعليتها فى النضال المستمر ضد العدو، وفى هذا كله فإن الجمهورية العربية المتحدة كانت ترى دائمًا وما زالت ترى حماية المقاومة الفلسطينية من كل أعدائها، ومن بعض الذين يتظاهرون لمآربهم بصداقتها بل بعض العناصر المنتمية إليها، وكنا نقول وما زلنا نقول إن المقاومة الفلسطينية ظاهرة من أنبل الظواهر التى أسفرت عنها نكسة يونيو 1967، وكنا نريد ولا زلنا أن تتصرف كل القوى العربية على هذا الأساس حرصًا وحفاظًا على حق وتجسيدًا لوجود الشعب الفلسطينى فى ساحة الصراع.
5 - إن الفريق محمد صادق سيقدم إلى جلالتكم نداءً أخيرًا بوقف إطلاق النار لكى نستطيع جميعًا أن نعيد تقدير مواقفنا، واستمرار تداعى الحوادث على هذا النحو يعرض مئات الألوف من أبناء الشعب العربى لأهوال مروعة، ثم أنه يفتح الباب أمام مضاعفات قومية ودولية لا بد أن نحذر منها، وكرجاء نهائى فإنى أرجوكم الاستجابة إلى هذا النداء بأسرع وقت وحفاظًا على مستقبل هذه الأمة وأمنها وكرامتها، وأريدك بأمانة أن تعرف أننا لن نسمح بتصفية المقاومة الفلسطينية، ولن يكون فى مقدور أحد أن يصفيها، وسنجد أنفسنا فى حرب أهلية عربية بدلًا من حرب مع العدو وهذه محنة رهيبة لا أريدك أن تتحمل مسؤوليتها، وأعتقد مخلصًا أنه ما زال فى يدك أن تتجنبها.
إننى أعرف لك مواقف مشرفة ولقد سمعتك أكثر من مرة تتحدث عن شعبك وعن أمتك، وهذه فرصة أخيرة متاحة لنا جميعًا لتكون تحت تصرفاتنا على مستوى مسؤوليتنا التاريخية، وليكن الله معك فيما تقرر».