أعادت واقعة غرق مركب نيلى يستقله أسرة باكستانية فى منطقة بولاق أبو العلا أول أيام عيد الفطر المبارك للأذهان حادث غرق مركب الوراق منذ عام تقريبا، والذى تسبب فى مصرع 40 شخصا كانوا فى رحلة نيلية، وذلك بعد اصطدام مركبهم بصندل نقل نهرى، وتذكرنا الواقعة المؤسفة بشبح الإهمال الذى يهدد قطاع النقل النهرى فى مصر، ومسلسل حصد أرواح المواطنين دون أدنى مسئولية.
كارثة أخرى وقعت فى نهر النيل بكفر الشيخ مع بداية العام الجارى، حيث غرقت معدية نقل ركاب بين قريتى سنديون وديروط بمركز فوه، وراح ضحيتها أكثر من 15 شخصا، وأكد آنذاك محافظ كفر الشيخ اللواء سيد نصر أن المعدية الغارقة ترخيصها منتهٍ، وأن حمولتها المفترضة 8 ركاب بينما كان على متنها 18 راكبًا، الأمر الذى تسبب فى غرقها.
قبل مرور ثلاثة أشهر على حادث غرق معدية كفر الشيخ، وقبل أن تجف دموع أهالى الضحايا، وقعت كارثة جديدة راح ضحيتها 3 أشخاص، وذلك بعد غرق مركب نيلى بمدينة أسوان كان يقل 9 أشخاص بالإضافة للمراكبى، ونجحت الجهود فى إنقاذ 7 منهم بينما راح الباقون ضحية للإهمال والفوضى.
تكرار المأساة يؤكد غياب المسئولية وأن الحكومة تعيش بمعزل عن المواطنين، وينطبق عليها المثل الشعبى "ودن من طين والتانية من عجين".. تكرار كوارث "مراكب الموت" يؤكد أن قطاع النقل فى مصر بما فيه النقل النهرى يحتاج لإعادة هيكلة حقيقية.
ولتجنب وقوع مثل تلك الحوادث أصدرت النيابة العامة أكثر من مرة عدة توصيات وأرسلتها إلى مجلس الوزراء شملت 7 بنود، حيث تحدث البند الأول عن ضرورة تأكيد إشراف شرطة البيئة والمسطحات المائية على الوحدات النهرية وتراخيص طاقمها، والتزامها بشروط السلامة والأمان، وإلزام ملاك الوحدات النهرية بتوحيد ألوان وحداتها كل حسب الغرض المرخص له، وضرورة تدعيم أطقم "الأهوسة" بمراقبين على دراية بطرق التفتيش الملاحى للتفتيش على الوحدات التى تمر من "الأهوسة" والتأكد من التزامها بالشروط والمواصفات التى وضعتها الهيئة.
وطالب البند الرابع لتوصيات النيابة العامة بتعديل قانون الملاحة النهرى، بحيث يغلظ العقوبات المادية والجنائية على المخالفين، لوضع حد لتلك الجرائم التى يستهان فيها بأرواح المواطنين، بالإضافة إلى عدم السماح لمراكب النزهة بالعمل إلا من خلال مراسٍ محددة ويكون لكل منها رقم لوحى وعدد ركاب محدد، وضرورة إيجاد آلية لتنظيم العمل، والتنسيق بين أصحاب الوحدات النهرية المختلفة وبين شرطة المسطحات المائية لضمان التزامهم بالقوانين المحددة.
كما أصدرت هيئة النيابة الإدارية أيضا عدد من التوصيات لتلافى تلك الحوادث وذلك فى عهد رئيسها المستشار سامح كمال، وذلك فى مذكرة إحالة قيادات هيئة النقل النهرى السبعة للمحاكمة التأديبية عقب حادث مركب الوراق ، لتسببهم فى وفاة 40 شخصا.
وتضمنت المذكرة توصيات أرسلتها الهيئة إلى الجهات الحكومية المختصة لتنفيذها، وذلك بهدف تحقيق التطوير الشامل فى عمل الهيئة العامة للنقل النهرى، وتفعيل دور شرطة المسطحات المائية لمرافقة ووقف المراكب المخالفة فى نهر النيل، وذلك نظرا لما أثير من الإهمال الجسيم فى إجراء التفتيش والرقابة على الوحدات النهرية من قبل شرطة المسطحات المائية، حيث أوصت بتزويد الإدارة العامة للرقابة النهرية بالإمكانات الفنية، وكلفت الهيئات الحكومية المختصة بسرعة تزويد الإدارة العامة للرقابة النهرية بالإمكانيات الفنية والتقنية، التى تؤهلها لأداء دورها على الوجه الأكمل، مع أهمية تدوين السعة القصوى المصرح بها لكل مركب أو لنش أو خلافه فى مكان واضح للكل يسهل معه على المواطن العادى رؤيته.
وطالبت النيابة الإدارية المواطنين ألا يساهموا بسلوكهم الخاطئ فى وقوع مثل تلك الكوارث، والإحجام عن الصعود على أى مركب متى كان ظاهرا للعيان أنها تحمل سعتها القصوى، وأن صعودهم على متنها فى حد ذاته يشكل تهديدا لأرواحهم.
المفاجأة أنه بالاطلاع على القوانين المنظمة للنقل النهرى تبين أن عقوبة مراكب النيل المخالفة بسيطة وغير رادعة على الإطلاق، حيث إن مصر تعمل منذ 60 عاما بالقانون رقم 10 لسنة 1956، الذى يفرض غرامة 10 جنيهات فقط على سائق المركب المخالف، وهو ما يعطى فرصة ذهبية لقائدى هذه المراكب بارتكاب العديد من المخالفات وتعريض حياة المواطنين للخطر، وذلك باستخدام المراكب فى إقامة حفلات أعياد الميلاد والأفراح، وعندما تطالبهم شرطة المسطحات بإبراز الرخصة يدعى السائق أنه فقدها، ويسدد الغرامة "10 جنيهات" ويفعل ما يشاء.
وفى هذا السياق، يقول النائب سعيد طعيمة، رئيس لجنة النقل والمواصلات بالبرلمان، إن هناك ضرورة لتشديد العقوبات على المراكب النيلية المخالفة لعدم تكرار حوادث غرق المراكب الذى انتشر خلال الفترة الأخيرة وكان آخرها مركب بولاق أبوالعلا.
وأضاف رئيس لجنة النقل والمواصلات بالبرلمان، أن هيئة النقل النهرى غير مفعلة، ولا يوجد رقابة عليها، متابعا: "كنت أريد أن نضع مليما واحدا لهيئة النقل النهرى فى الموازنة العامة بسبب الإهمال المتفشى بهذه الهيئة، وأن تتحول إلى إدارة فقط وليس هيئة نقل".
مازال النيل يجرف دما، ومازالت إدارة شرطة المسطحات المائية تبحث عن جثة طفلة من ضحايا المركب النيلى الغارق أول أيام عيد الفطر بمنطقة بولاق أبو العلا بعد انتشال 3 جثث آخرين، ومازالت الحكومة لم تحرك ساكنا.