مساحة شاسعة تقدر بما يقرب من 9.7 ملايين كليو متر، تعادل ما يزيد علي 9 أضعاف مساحة مصر، وموارد طبيعية وقدرات صناعية فائقة بمختلف المجالات لم تكن سبباً في أن تحيد الصين، ذلك البلد الذي يضعه اقتصاده بقائمة الكبار، عن البدء مبكراً في خطة واعدة للسيطرة علي معدلات المواليد، منذ عام 1978 في وقت كان تعداد البلد الآسيوي وصل 1.084 مليار نسمة اكثر من ربعهم وقعوا تحت خط الفقر.
القراءة في أرقام ومؤشرات المواليد والوفيات داخل الصين تعكس بما لا يدع مجالا لشك أن بكين استطاعت الحد من وتيرة الزيادة السكانية، حيث زادت بواقع 10.6 مليون مولود في الفترة ما بين عامي 2020 و2021 .
وبحسب تقرير للجنة الصحة الوطنية الصينية، في الأسبوع الأول من سبتمبر الجاري، ارتفع متوسط العمر المتوقع للشعب الصيني محققا قفزة غير مسبوقة خلال السنوات العشر الماضية إلى 78.2 سنة من 74.8 سنه مما يعكس الحماية الكافية لحق الناس في الحصول على الرعاية الصحية وجودتها حسب احتياجاتهم الشخصية، كما اشارت صحيفة جلوبال تايمز الى تحسن الأوضاع الاقتصادية للافراد نتيجة لسياسات الاجتماعية التي تتبعها الصين.
وذكر التقرير أن هذه الإنجازات تعزى إلى قرارات رئيسية مثل التعديل التدريجي لسياسات الإنجاب وتعزيز التنمية المتوازنة طويلة الأجل للسكان وفقًا لاتجاه التغيير السكاني في الصين.
وقال لي بين ، نائب مدير لجنة الصحة الوطنية، في المؤتمر ، إن التنمية السكانية طويلة الأجل والمتوازنة والمستويات الصحية للمسنين والأطفال تحسنت خلال العقد الماضي.
وفقا للتقرير، وضعت الصين قوانين صارمة تدفع مواطنيها على تحديد عدد الأطفال ومع مرور السنوات، كان لها ثار إيجابية في عدد من الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والصحية.
قانون الطفل الواحد
وبدأت الخطة لمواجهة الكثافة السكانية منذ عام 1978، فشجعت سياسة الحكومة كافة الأزواج على إنجاب طفل واحد فقط، ُوطبق قانون سياسة الطفل الواحد، والذي تلخص في منع إنجاب أكثر من طفل لكل عائلة في المدن.
وبحلول عام 1982، أصبح "تخطيط العائلة" سياسة رئيسة لتخفيف المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمشاكل البيئية، فمرت السياسة بمراحل من التطبيق الصارم ودفع غرامات على كل من يخالف القانون تحدد حسب الوضع الاقتصادي للأسرة، إذ وصلت الغرامة لإحدى الأسر الصينية الغنية إلى ملايين الدولارات.
ومع مرور الوقت، أكدت السلطات الصينية أن هذه السياسة منعت أكثر من أربع مائة مليون ولادة منذ تطبيقها، ما جعل السلطات تتجه إلى إيجاد استثناءات لبعض الحالات، كالمواطنين الصينيين الذين يعملون في الأرياف والقطاع الزراعي وكذلك الأقليات العرقية.
وفي عام 2000، سمحت الصين للزوجين إنجاب طفل ثاني إذا كان كلاهما وحيد أبويه، وبحلول عام 2013، أقرت اللجنة الدائمة للمؤتمر الوطني لنواب الشعب الصيني قانون يسمح بإنجاب طفل ثان إذا كان أحد الزوجين الابن الوحيد في أسرته.
سياسة الطفلين الحازمة
وبعد سبعة وثلاثين عاما في عام 2015، ألغيت سياسة الطفل الواحد نهائيا في الصين، حيث أصدرت الحكومة قرارا يسمح لكل عائلة بإنجاب طفلين كحد أقصى من غير شروط بدلا من سياسة الطفل الواحد، بعد أن تسببت هذه السياسة في زيادة أعداد كبار السن وتقلص الطاقات الشبابية.
ورغم أن الصين استطاعت من خلال سياسة الطفل الواحد أن تغير التخطيط الديموغرافي للدولة الأكبر في الكتلة السكانية، إلا أنها تركت تأثيرات في عدد من الجوانب الاجتماعية، فعندما أعلنت الصين رسميا، في نهاية عام 2015، إيقاف سياسة الطفل الواحد لم يتضاعف عدد المواليد بل فضلت العديد من الأسر الاكتفاء بالطفل الواحد، لذلك لم يرتفع معدل تزايد المواليد إلا بنسب بسيطة.
سياسة الأطفال الثلاثة
وبعد أقل من ست سنوات، جاءت خطوة ثانية وسريعة للحكومة الصينية بتغيير الحد الأقصى للإنجاب ليصبح ثلاثة أطفال بعد أن كان طفلين لكل عائلة، وطالبت السلطات الصينيين ببذل الجهود لتطبيق سياسة الطفل الثالث وفقا للقانون، لأن تطبيقها سيساعد في تحسين الهيكل السكاني في الصين، ويعالج مشكلة شيخوخة السكان على نحو فعال، ويحافظ على مزايا الموارد البشرية في البلاد.
ثغرات محدودة لخطة طموحة
وفي الوقت الحالي ، تواجه التنمية السكانية في الصين أيضًا تغيرات عميقة ومعقدة ، كما أشارت اللجنة الوطنية للصحة ، مثل تباطؤ نمو إجمالي السكان بشكل كبير ، وانخفاض معدل المواليد العام إلى 1.3 أو أقل ، وتفاقم مشكلة الشيخوخة، مما دفع السلطات الصينية خطة لتخفيف القيود على تحديد النسل وإمكانية الرفع الكامل للقيود المفروضة على عدد الأطفال في الأسر بحلول عام 2025.
قال خه يافو ، خبير ديموغرافي مستقل ، لصحيفة جلوبال تايمز ، إن العمر المتوقع الطويل للشعب الصيني يعكس أن المستوى الصحي للشعب الصيني والمستوى الطبي في الصين قد تحسن بشكل ملحوظ في العقد الماضي.
في البر الرئيسي الصيني ، سجلت 13 مقاطعة وبلدية ومنطقة الآن أن أكثر من 20 في المائة من سكانها يبلغون من العمر 60 عامًا أو أكثر ، مع ثلاثة أماكن تشهد ارتفاع حصة هذه الفترة العمرية فوق الخمس للمرة الأولى ، بما في ذلك بكين ، كما تستمر عملية الشيخوخة في البلاد في التسارع.
وقال خبراء مدافعون عن السياسة انه لولا اتباع القواعد الثلاث لم تكن البلاد لتنتشل اكثر من 200 مليون من مواطنيها الفقر، وتوفر لهم الطعام والتعليم والخدمات الصحية ، وتسهم إيضا فى تقديم المساعدات قدر الإمكان لبعض الدول المُحتاجة .
كما استطاعت الصين تحقيق الإكتفاء الذاتى فى محاصيلها الغذائية وتحقيق نمو إقتصادى إضافة الى مساهمة الصين فى خفض زيادة تقدر بثلاثمائة مليون نسمة لسكان العالم خلال فترة تطبيق هذه السياسة.