جاء اجتماع وزراء الإعلام العرب فى وقت تتواصل التحولات الكبرى على كل المستويات، ولم يعد دور الإعلام فقط تقديم وضبط المحتوى الإخبارى، وإنما هناك تداخل بين الإعلام والثقافة والمحتوى الترفيهى، وهو ما يفرض على الإعلام الكثير من المسؤوليات فى التعامل بدقة وحساسية للتفاعل مع ما يجرى.
هناك نقاش فرض نفسه فى خطاب ومناقشات وزراء الإعلام العرب، والذين يجتمعون فى وقت مهم، وقد أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى كلمته لوزراء الإعلام العرب على إيمان مصر بأهمية الدور الاستراتيجى للإعلام فى تعميق الوعى العام وطرح القضايا المختلفة بشكل عميق وموضوعى ومدعوم بالحقائق من أجل البناء الواقعى والصحيح للعقل الجمعى والوجدان العربى، ومكافحة الفكر المتطرف وخطاب الكراهية والتحريض الذى تتعرض له مختلف الشعوب العربية، مؤكدا أن الهدم لم ولن يكون رسالة حضارية، وأن القيم الدينية لا تقام على أنقاض الخراب والتدمير، لأن رسالة الدين هى البناء والتعمير والسلام والتنمية.
والواقع ان اجتماع وزراء الإعلام العرب يأتى فى مرحلة فاصلة، تتطلب السعى لتوسيع المشاركة، والأفكار للتعامل مع واقع معقد، تجاوز صورته البسيطة فى السابق، وعلى مدار عقود هناك عالم يتشكل، ومنصات تطلق محتويات وأفكارا، وتتراجع الأدوات التقليدية للإعلام، أمام زحف منصات تصنع وتسوق أفكارا وتعيد صياغة الوعى، وتصبح الثقافة والفنون والترفيه فى أهمية الأكل والشرب، وتتطلب تعاملا مختلفا، يقوم على جمع الجهود وتنسيقها، لبناء مجالات تفتح الباب لتداول الرأى، والنقاش وخلق حالة حوار، تسمح بتوسيع التفاعل.
ونظرة على حجم ما يتم ضخه وتداوله من معلومات وأفكار وتسال وترفيه، وتبثه الشاشات كل لحظة لنعرف أن الأمر صناعة مستمرة تسهم فى صياغة العقول والقلوب بشكل معقد، ولم يعد إنتاج الأفكار والمحتوى حكرا على المراكز، لكن هناك منصات متعددة منتشرة فى كل مكان تصنع عالما افتراضيا وطبيعيا متداخلا، وهو عالم لا يتوقف على الأخبار الصحيحة، وإنما يشهد كثافة فى تمرير الأخبار والمعلومات المغلوطة والناقصة وأحيانا يصعب الفصل بين المعلومة والرأى والشائعة، فى وقت أصبح المحتوى الإعلامى سلعة يمكن تسويقها وتدر عوائد، وهناك إنتاج ضخم اليوم للسينما والدراما يجتاح العالم، من خلال منصات استفادت ووظفت التطور التقنى والرقمى بشكل مضاعف، لدرجة أن منصة مثل نتفليكس نجحت فى منافسة شركات عريقة فى صناعة السينما والدراما، مثلما أطاحت التطبيقات الحديثة للسفر والسياحة بكيان ضخم مثل توماس كوك، قبل كورونا وبعدها، بل إن فترة انتشار وصعود فيروس «كوفيد - 19»، ساهمت فى إظهار هذا التفاوت.
أصبح هناك نقاش عما إذا كان للأسرة والمجتمع دور، ومكان التعليم والمدرسة فى التعامل مع هذه التحولات، فى السابق كانت المدرسة مع المجتمع مع التليفزيون والإذاعة أدوات للتعليم وبناء الوعى، اليوم هناك واقع من أدوات التواصل يتطور ويتسع، بشكل يجعل الحديث عن وسائل الإعلام والثقافة التقليدية، خارج السياق ما لم تستطع توظيف هذه الأدوات بما يساهم فى القيام بدور يتجاوز ما هو قائم، كان هذا مطروحا قبل ظهور واتساع أدوات التواصل، واليوم يمكن أن تتم صياغة عقل وتفكير الشباب والمراهقين والتلاميذ والشباب بعيدا عن الأسرة والمجتمع والمدرسة من خلال تفاعله مع مجتمع افتراضى يقدم له المحتوى سواء كان تسلية أو تثقيفا أو حتى ألعاب تصل إلى حد توجيهه نفسيا نحو ارتكاب جرائم أو الإقدام على الانتحار.
كل هذا يضع مسؤوليات على وزراء الإعلام، وكل المؤسسات والجهات العامة والخاصة، للتفاعل مع هذه التحولات، خاصة أن هذه التحولات لا تتعلق بالعرب وحدهم، لكنها تفرض نفسها على كل دول العالم، وتشير إلى تراجع سلطة الإعلام التقليدى لصالح السوشيال وميديا، ومنصات النشر، الجماعية والفردية، التى تبث على مدى الوقت، وتسهم فى صياغة العقول والقلوب.