على مدى عقود شهد العالم تحولات كبرى فى الإعلام والنشر والبث، وتداخلت وسائل الإعلام التقليدى، بالأدوات الحديثة ومواقع التواصل، وتتداخل المعلومات بالشائعات، والأخبار، بأنصاف الحقائق، وأصبح المستخدم العادى ضحية لهذا التزاحم والذى لا يقتصر على الشائعات ولكن يواجه عمليات بث فردية حول السياسة والاقتصاد بل والتاريخ، ضمن محتوى يتضمن الكثير من المعلومات اللقيطة مجهولة المصدر، والتى تجد مكانها وسط زحام البث، وتمثل وجبات مسمومة تزيف الوعى، وبالطبع هناك صعوبة فى محاسبة البلوجرز أو من يقدمون أنفسهم كصناع محتوى، حيث لا توجد مسؤولية على هؤلاء.
فى نفس الوقت فإن المنصات والشركات الكبرى تستغل هؤلاء كواجهات للإعلان، اعتمادا على عدد متابعيهم بصرف النظر عما يقدمونه من محتوى، وهذه الشركات الكبرى تتحدث دائما عن قواعد خوارزمية يتم من خلالها مراقبة المحتوى العنيف أو العنصرى، بينما تصعب عليها مواجهة هذه المعلومات المغلوطة، وفى نفس الوقت فإن هذه المواقع تقف فى مواجهة الحملات المتعلقة بدول معينة أو قضايا محددة.
والواقع أن التهديد الحقيقى ربما لا يكون فقط من الشائعات، أو المعلومات المزعومة، ولكن فى التلاعب بالمعلومات الحقيقية واستخدام نصف المعلومة أو الخبر، وإعادة بثه بشكل موجه، والهدف هو التشويش أو التداخل والخلط، وما نسميه «الأخبار المغسولة»، حيث يتم اقتطاع جزء من المعلومة ويلتقطها البعض بحسن نية أو من دون، ويعيدون بثها ويحللونها ليوصلوا المتابعين إلى نتائج محددة.
وقد أشرنا إلى نقاش فرض نفسه فى خطاب ومناقشات وزراء الإعلام العرب، والذين اجتمعوا مؤخرا بالقاهرة، حول إمكانية تدعيم المحتوى الإعلامى ليجد مكانه بين زحام البث، وتحدث الوزراء عن مقترحات للتعامل مع الشركات العالمية لتنظيم البث والمعلومات، هذا عن المسار الرسمى، لكن يفترض أن يكون هناك تفكير جماعى يشارك فيه كل الأطراف العامة والخاصة، للتركيز على ضمان الحريات للنشر، مع آليات لمواجهة المعلومات المغلوطة، فى وقت تتسع فيه منصات تطلق محتويات وأفكارا، بينما تتراجع الأدوات التقليدية للإعلام، أمام زحف منصات تصنع وتسوق أفكارا وتعيد صياغة الوعى، وتتطلب تعاملا مختلفا، يقوم على جمع الجهود وتنسيقها، لبناء مجالات تفتح الباب لتداول الرأى، والنقاش وخلق حالة حوار، تسمح بتوسيع التفاعل، ودعم المحتوى الجاد.
نحن أمام مفارقة، حيث يجب ضمان حريات النشر، مع وجود أدوات لاختبار الدقة والمعلومات الصحيحة، وهو أمر صعب أمام حجم ما يتم ضخه وتداوله من معلومات وأفكار وتسالٍ وترفيه، وتبثه الشاشات كل لحظة، ضمن صناعة مستمرة تسهم فى صياغة العقول والقلوب بشكل معقد.
لم يعد إنتاج الأفكار والمحتوى حكرا على المراكز، لكن هناك منصات فى عالم لا يتوقف على الأخبار الصحيحة، ويشهد كثافة فى تمرير الأخبار والمعلومات المغلوطة والناقصة وهو أمر لا يمثل خطرا على الدولة والمواطن لكن أيضا على الأسرة والمجتمع، وبقدر ما يضع مسؤوليات على المؤسسات الإعلامية الرسمية، فهو أيضا يضع مسؤولية على الأسرة والمجتمع، لأن الشائعات تضر بالمجتمع وتنشر روحا من الإحباط، لكن أيضا فإن المحتوى الخاطئ فى الطب أو الطعام يتسبب فى أضرار صحية ونفسية.
وعلى مدى 9 سنوات تعرضت الدولة المصرية لملايين الشائعات والحملات فى الاقتصاد والسياسة والأسعار والتعليم والصحة ونجحت فى تخطيها، وبالتالى فإن هناك محاولات محلية من الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، تتعلق بالتوعية والوعى، من خلال مشروعات إعلامية وثقافية، وبجانب هذا يفترض أن يكون دور الإعلام هو توضيح وتبسيط الأفكار والمعلومات للمواطنين غير المتخصصين وعدم تركهم لماكينة التشكيك، وأن يكون دور الجهات الإعلامية بالحكومة والوزارات توفير المعلومات وتقديمها للإعلام، لتكون الحقيقة قادرة على الوصول لمستحقيها، من دون تهوين أو تهويل.