ميزات عظيمة وأخطار كبيرة من عالم التواصل والنشر، حيث تحمل أدوات التواصل الكثير من التفاصيل والميزات فى نشر وصناعة المحتوى، لكنها تحمل - بجانب ذلك - الكثير من المعلومات المضللة، فى الطب والعلم والسياسة، وصفات مجهولة، ونصائح طبية وصحية تقود البعض إلى المرض، أو تُضاعف من آلامهم، وتأتى السياسة والدعاية لتمثل مجالا مهما للخداع، والدعايات المضادة.
قبل أربعة أعوام، أبدى مخترع شبكة الإنترنت، البريطانى تيم بيرنرز، قلقا فى عام 2017 من استخدام اختراعه فى أغراض بعيدة عما كان يهدف إليه، منه، فضح الخصوصية الشخصية ونشر المعلومات المضللة، والدعاية السياسية المغرضة، وكتب «بيرنرز» - قبل أربعة أعوام فى ذكرى اختراعه - مقالا فى «الجارديان»، قال فيه إنه بقدر ما توفره الشبكة العنكبوتية «الويب» من خدمات إيجابية عظيمة لمليارات الأشخاص فى العالم، فإنها فى الوقت ذاته أصبحت مصدر خطر على المستخدمين، كما أن المعلومات المضللة، غالبا ما تدفع إلى إجراءات تحد من حرية الأشخاص.
المعلومات المُضللة على الويب، حيث يحصل معظم الناس على الأخبار والمعلومات على شبكة الإنترنت عبر عدد قليل من الشبكات الاجتماعية ومحركات البحث، بالإضافة إلى تطوُّر الخوارزميات المتزايد باعتمادها على شلَّالات من البيانات الشخصية، يعنى أنَّ الحملات السياسية تُصمم الآن إعلانات مُوجَّهة إلى الأفراد، كلٌ حسب تفصيلاته وسلوكه على الإنترنت.
كان مخترع الإنترنت ينبه إلى الخطر المزدوج للسياسة والصراع على المحتوى، وأيضا تأثيرات ذلك على المستخدمين وتحقيق خداع دعائى يوجه الأشخاص إلى وجهات محددة، ولم يكن «بيرنرز» وحده الذى انتبه لذلك، بل إن أعدادا من علماء الاجتماع نبهوا إلى شيوع التفاهة والاستهداف الشخصى ونشر الشائعات فى الأوساط الاجتماعية، بما يؤثر أو يتحكم فى الرأى العام.
وقد تكون السياسة أحد أكثر أسباب انتشار الشائعات والأخبار المزيفة، وشن هجمات قرصنة متبادلة بين الدول لتصفية حساباتها، وربما لم يكن الكثير من المستخدمين يعرفون حجم تأثير الصراعات السياسية على شبكات التواصل، ما لم تتفجر هذه القضية على خلفية الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وأثناء أزمة الانتخابات الأمريكية، اعترف مارك زوكربيرج بخطأ «فيس بوك» فى خرق بيانات المستخدمين، ومنح معلومات أكثر من 50 مليون مستخدم لصالح شركة «كامبريدج أناليتكا»، لصالح حملة دونالد ترامب الانتخابية، وهى أكبر قضية خرجت للعلن عن التوظيف السياسى لـ«فيس بوك» ومواقع التواصل، لكونها خضعت للتحقيق، وعلى خلفية الانتخابات الأمريكية عام 2016 أيضا اتهمت حملة ترامب الديمقراطيين باستخدام «جوجل» لصالح هيلارى كلينتون، وقبلها اتهم البريطانيون قراصنة روسيين باستعمال حسابات «فيس بوك» للتحكم فى تغيير آراء المواطنين البريطانيين ليصوتوا ضد البقاء فى الاتحاد الأوروبى.
بالرغم من كل الجهود والوعود التى يطلقها أصحاب ومديرو مواقع التواصل، خاصة «فيس بوك»، بالتزام احترام الخصوصية، ومواجهة الأخبار المزيفة والمضللة، والشائعات، فإن هذه الوعود تصطدم بطبيعة هذه المواقع فى الأساس، التى تقوم على مضاعفة أعداد المستخدمين وجذب المزيد من الناس للبقاء فترات أطول على هذه المواقع، ثم إن المواد الإعلانية والدعاية المدفوعة أصبحت تمثل النسبة الأكبر من بضاعة هذه المواقع.
نقول هذا ونحن نتحدث عن الشائعات والدعايات المضللة، التى تتعرض لها الدولة والمواطنون على مدار سنوات، وبالتالى فإن ما تعلنه الدولة وأدوات الإعلام والشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، للوعى والمواجهة، هى مبادرات للتعامل مع تحولات إعلامية وعلى منصات التواصل، حيث يصعب منع أو عقاب المنصات والأفراد، لكن الحل فى تقديم محتوى حقيقى، والتفاعل بإتاحة وتوفير المعلومات بالسرعة والدقة اللتين تكونان قادرتين على الإقناع، حتى يتمكن المستخدم من التفرقة بين خبر حقيقى وشائعة، أو بين بوستات سياسية دعائية مباشرة، وأخرى تنشر ببراءة وحسن نية، هى ظاهرة عالمية لكنها تقدم فرصة لإنتاج المحتوى القادر على الصمود فى بحار الشبكة العنكبوتية.