على الرغم من أن الولايات المتحدة استقبلت صعود زعيمة اليمين المتشدد فى إيطاليا جورجيا ميلونى بعد انتصارها فى الانتخابات بهدوء، لكن خلف هذا الهدوء تكمن الكثير من المخاوف بشأن الشراكة الغربية مع إيطاليا فى ظل سلسلة متشابكة من الأزمات تشهدها أوروبا والعالم.
وقالت مجلة بولتيكو الأمريكية إن البيت الأبيض يراقب عن كثب صعود زعيمة اليمين المتطرف جورجيا ميلونى فى إيطاليا، وأشارت إلى أن الزلزال الذى حدث فى إيطاليا تسبب فى هزات أرضية يمكن الشعور بها فى واشنطن.
وذهبت الصحيفة إلى القول بأن انتصار ميلونى أحدث هزة فى أوروبا، وزاد من المخاوف بشأن تحول جديد صوب اليمين فى القارة، فى الوقت الذى تعانى فيه من الصعوبات الاقتصادية، وتشاهد بتوتر حربا مشتعلة على جناجها الشرقى. كما أنه قوبل بقلق عميق، وإن لم يكن معلنا، داخل إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن.
فقد قدم البيت الأبيض وجها علنيا شجاعا، وقال إن فوز ميلونى هو تعبير عن إرادة الشعب الإيطالى معربا عن ثقته فى أن إيطاليا ستظل شريكا ثابتا للغرب.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جين بيير فى مؤتمر صحفى الاثنين إن إيطاليا دولة حليفة بالناتو، وشريك فى مجموعة السبع وعضو فى الاتحاد الأوروبى، وسنعمل مع الحكومة الإيطالية الجديدة حول المجموعة الكاملة من التحديات العالمية المشتركة، بما فى ذلك دعم أوكرانيا وهى تدافع عن نفسها ضد روسيا.
إلا أن جان بيير لم تذكر اسم ميلونى أبدا. ويشير فوز الزعيمة الإيطالية، الذى يمثل أول انتصار لليمين المتشدد فى البلاد منذ الحرب العالمية الثانية، إلى ما يتصور البيت الأبيض أنه اتجاه مقلق فى القارة، التى شهدت انتصارات لليمين فى السويد والمجر، إلى جانب المكاسب التى حققها فى دول مثل فرنسا.
وحذرت بولتيكو من إمكانية أن يؤدى هذا إلى تقويض استقرار مجموعة السبع، التى دعمت فى قمتها الأخيرة فى ألمانيا أوكرانيا ضد روسيا. فمنذ هذه اللحظة فى يونيو الماضى، كان تعرض الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لضربة بخسارة أغلبيته البرلمانية، وتمت الإطاحة ببوريس جونسون لتحل محله ليز تراس فى بريطانيا، وهى محافظة أخرى متشككة للغاية فى أوروبا، والآن فإن رئيس الوزراء الإيطالى ماريو دراجى ستحل محله ميلونى.
وحتى هذه اللحظة، كانت الوحدة الغربية متماسكة، وفقا للتقرير. إلا أن الانتصار المفاجئ فى إيطاليا يأتى فى الوقت الذى يواجه فيه الناتو اختبارا لعزيمته من قبل الشتاء القادم البارد والمظلم فى أوروبا، بعد أن قطعت روسيا إمدادات الطاقة عن أوروبا ردا على العقوبات التى تم فرضها على موسكو، وبذلك فإن عزيمته تختبر بارتفاع الأسعار ودرجات الحرارة المتراجعة.
ويشعر مساعدو بايدن بالقلق من أن ميلونى ربما تبدأ فى التشكيك فى التزام إيطاليا نحو القارة، وتقول إن موارد البلاد ينبغى استخدامها فى الداخل، لاسيما لو غرقت أوروبا فى ركود هذا الشتاء. ولو بدأ أحد الأطراف الأساسية من داخل مجموعة السبع فى الضغط على كييف لإيجاد حل تفاوضى للحرب، مع معارضة تمويل مقاومتها، فإن هناك إمكانية أن تسير دولا أخرى على دربها، ومن ثم فإن عزيمة القارة ستضعف.
وحتى الآن، على الأقل، يأمل مساعدو البيت الأبيض أن تظل روما على موقفها من كييف وتشجب علنا فكرة أن التحالف قد ينهار.
لكن كحد أدنى، فإن الأمريكيين يعرفون أن إيطاليا ربما لن تقدم بعد الآن الدعم الكبير الذى كان دراجة يقدمه.
فتحت قيادة دراجى، لعبت إيطاليا دورا هاما فى أوروبا الخالية من العديد من القادة الأقوياء، مما ساعد فى تشكيل استجابة القارة لتعافى كورونا والقضايا الاقتصادية والهجوم الروسى على أوكرانيا، لكن الآن ابتعدت الآن عن التيار الأوروبى السائد، ويمكن أن تتحالف مع القادة القوميين فى المجر وبولندا.
وكانت شبكة سى إن إن الأمريكية قد قالت فى تقرير لها يحذر من صعود الشعبويين فى أوروبا إن انتصار ميلونى يأتى على خلفية انتصارات أخرى حققها اليمين المتطرف فى أوروبا. فعلى الرغم من أن مارين لوبان خسرت الانتخابات الرئاسية أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فإن أنصارها عبر القارة قد أثلجت صدروهم نسبة الأصوات الكبيرة التي حصلت عليها، والتي أدت إلى تغيير مركز السياسة الفرنسية بشكل كبير صوب اليمين.
فى السويد، من المتوقع أن يلعب الديمقراطيون المعادون للهجرة دورا كبير فى الحكومة الجديدة بعدما حصلوا على ثان أكبر عدد من المقاعد فى الانتخابات العامة التي أجريت هذا الشهر. وهذا الحزب الذى أصبح رئيسيا الآن له جذروه فى النازية الجديدة.
ويشعر اليمين المحافظ فى أوروبا بالتأكيد الآن أنه سيتمتعون بعودة بعد سنوات قليلة. وقال جونار بيك، عضو البرلمان الأوروبى الذى يمثل حزب البديل لألمانيا، المنتمى إلى اليمين المتطرف، إن شيئا ما يحدث بالتأكيد، من فرنسا إلى إيطاليا، القوى الأوروبية الكبرى، وحتى السويد، هناك شعور بان رفض العقيدة الأوروبية الفاشلة ينتشر بين المواطنين بشكل واضح.